
- قَوْله تَعَالَى: وَالَّذين كفرُوا أَعْمَالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن مَاء حَتَّى إِذا جَاءَهُ لم يجِدْهُ شَيْئا وَوجد الله عِنْده فوفاه حسابه وَالله سريع الْحساب أَو كظلمات فِي بَحر لجي يَغْشَاهُ موج من فَوْقه موج من فَوْقه سَحَاب ظلمات بَعْضهَا فَوق بعض إِذا أخرج يَده لم يكد يَرَاهَا وَمن لم يَجْعَل الله لَهُ نورا فَمَا لَهُ من نور
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله ﴿وَالَّذين كفرُوا أَعْمَالهم كسراب﴾ الْآيَة
قَالَ: هُوَ مثل ضربه الله لرجل عَطش فَاشْتَدَّ عطشه فَرَأى سراباً فحسبه مَاء فَظن أَنه قدر عَلَيْهِ حَتَّى أَتَى فَلَمَّا أَتَاهُ لم يجده شَيْئا وَقبض عِنْد ذَلِك يَقُول الْكَافِر: كَذَلِك أَن عمله يُغني عَنهُ أَو نافعه شَيْئا
وَلَا يكون على شَيْء حَتَّى يَأْتِيهِ الْمَوْت فَأَتَاهُ الْمَوْت لم يجد عمله أغْنى عَنهُ شَيْئا وَلم يَنْفَعهُ إِلَّا

كَمَا يَقع العطشان المشتد إِلَى السراب ﴿أَو كظلمات فِي بَحر لجي﴾ قَالَ: يَعْنِي بالظلمات: الْأَعْمَال
وبالبحر اللجي: قلب الإِنسان
﴿يَغْشَاهُ موج﴾ يَعْنِي بذلك الغشاوة الَّتِي على الْقلب والسمع وَالْبَصَر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله ﴿كسراب بقيعة﴾ يَقُول: أَرض مستوية
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله ﴿كسراب بقيعة﴾ قَالَ: بقاع من الأَرْض والسراب عمل الْكَافِر ﴿حَتَّى إِذا جَاءَهُ لم يجِدْهُ شَيْئا﴾ واتيانه إِيَّاه
مَوته وفراقه الدُّنْيَا ﴿وَوجد الله عِنْده﴾ وَوجد الله عِنْد فِرَاقه الدُّنْيَا ﴿فوفاه حسابه﴾
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة ﴿كسراب بقيعة﴾ قَالَ: بقيعة من الأَرْض
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق السّديّ عَن أَبِيه عَن أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الْكفَّار يبعثون يَوْم الْقِيَامَة ردا عطاشاً فَيَقُولُونَ: أَيْن المَاء فيمثل لَهُم السراب فيحسبونه مَاء فَيَنْطَلِقُونَ إِلَيْهِ فيجدون الله عِنْده فيوفيهم حسابهم
وَالله سريع الْحساب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة ﴿أَو كظلمات فِي بَحر لجي﴾ قَالَ: اللجي: العميق القعر
﴿يَغْشَاهُ موج من فَوْقه موج﴾ قَالَ: هَذَا مثل عمل الْكَافِر ف ضلاضلات لَيْسَ لَهُ مخرج وَلَا منفذ
أعمى فِيهَا لَا يبصر
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: ﴿إِذا أخرج يَده لم يكد يَرَاهَا﴾ قَالَ: أما رَأَيْت الرجل يَقُول: وَالله مَا رَأَيْتهَا وَمَا كدت أَن أَرَاهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي امامة أَنه قَالَ: أَيهَا النَّاس إِنَّكُم قد أَصْبَحْتُم وأمسيتم فِي منزل تقتسمون فِيهِ الْحَسَنَات والسيئات ويوشك أَن تظعنوا مِنْهُ إِلَى منزل آخر وَهُوَ الْقَبْر
بَيت الْوحدَة وَبَيت الظلمَة وَبَيت الضّيق إِلَّا مَا وسع الله ثمَّ تنقلون إِلَى مَوَاطِن يَوْم الْقِيَامَة وَإِنَّكُمْ لفي بعض المواطن حِين يغشى النَّاس أَمر من أَمر الله فتبيض وُجُوه وَتسود وُجُوه ثمَّ تنتقلون إِلَى منزل آخر فيغشى ظلمَة

شَدِيدَة ثمَّ يقسم النُّور فَيعْطى الْمُؤمن نورا وَيتْرك الْكَافِر وَالْمُنَافِق فَلَا يعْطى شَيْئا وَهُوَ الْمثل الَّذِي ضربه الله فِي كِتَابه ﴿أَو كظلمات فِي بَحر لجي﴾ إِلَى قَوْله ﴿فَمَا لَهُ من نور﴾ فَلَا يستضيء الْكَافِر وَالْمُنَافِق بِنور الْمُؤمن كَمَا لَا يستضيء الْأَعْمَى ببصر الْبَصِير
صفحة رقم 211