
قوله تعالى: أَوِ الطِّفْلِ قال ابن قتيبة: يريد الأطفال، بدليل قوله تعالى: لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ أي: لم يعرفوها «١».
قوله تعالى: وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ أي: باحدى الرجلين على الأخرى ليضرب الخلخال الخلخال فيعلم أنّ عليها خلخالين «٢».
[سورة النور (٢٤) : الآيات ٣٢ الى ٣٤]
وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٣٢) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٣) وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٣٤)
قوله تعالى: وَأَنْكِحُوا الْأَيامى وهم الذين لا أزواج لهم من الرجال والنساء، يقال: رجل أيِّم وامرأة أيِّم، ورجل أرمل وامرأة أرملة، ورجل بِكر وامرأة بِكر: إِذا لم يتزوجا، وامرأة ثيِّب ورجل ثيِّب:
إِذا كانا قد تزوجا، وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ أي: من عبيدكم، يقال: عَبْد وعِبَاد وعَبِيد، كما يقال: كَلْب وكلاب وكليب. وقرأ الحسن، ومعاذ القارئ: «من عَبيدكم». قال المفسرون: والمراد بالآية الندب.
ومعنى الصّلاح ها هنا: الإِيمان. والمراد بالعباد: المملوكون، فالمعنى: زوِّجوا المؤمنين من عبيدكم وولائدكم. ثم رجع إِلى الأحرار فقال: إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فأخبرهم أن النكاح سبب لنفي الفقر.
قوله تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً أي: وليْطلب العِفَّة عن الزنا والحرام مَن لا يجد ما ينكح به من صداق ونفقة.
(٢) قال ابن كثير رحمه الله ٣/ ٣٥٦: كانت المرأة في الجاهلية إذا كانت تمشي وفي رجلها خلخال صامت لا يعلم صوتها، ضربت برجلها الأرض فيسمع الرجال طنينه، فنهى الله المؤمنات عن مثل ذلك وكذا إذا كان شيء من زينتها مستورا فتحركت بحركة لتظهر ما هو خفي، دخل في هذا النهي ومن ذلك أنها تنهى عن التعطر والتطيب عند خروجها من بيتها فيشم الرجال طيبها.
وقوله وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ أي: افعلوا ما أمركم به من هذه الصفات الجميلة والأخلاق الجليلة، فإن الفلاح كل الفلاح في فعل ما أمر الله به ورسوله وترك ما نهيا عنه، والله تعالى هو المستعان وعليه التكلان.

(١٠٣٤) وقد روى ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «يا معشر الشباب عليكم بالباءة، فمن لم يجد فعليه بالصيام فانه له وجاء».
قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ أي: يطلبون المكاتبة من العبيد والإِماء على أنفسهم، فَكاتِبُوهُمْ فيه قولان: أحدهما: أنه مندوب إِليه، قاله الجمهور. والثاني: أنه واجب، قاله عطاء، وعمرو بن دينار. وذكر المفسرون: أنها نزلت في غلام لحويطب بن عبد العزَّى يقال له: صبيح، سأل مولاه الكتابة فأبى عليه، فنزلت هذه الآية، فكاتبه حويطب على مائة دينار ووهب له منها عشرين ديناراً.
قوله تعالى: إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً فيه ستة أقوال «١» : أحدها: إِن علمتم لهم مالاً، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وعطاء، والضحاك. والثاني: إِن علمتم لهم حيلة، يعني: الكسب، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والثالث: أن علمتم فيهم ديناً، قاله الحسن. والرابع: إِن علمتم أنهم يريدون بذلك الخير، قاله سعيد بن جبير. والخامس: إِن أقاموا الصلاة، قاله عبيدة السلماني. والسادس: إِن علمتم لهم صدقاً ووفاءً، قاله إِبراهيم. قوله تعالى: وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ فيه قولان «٢» :
أحدهما: أنه خطاب للأغنياء الذين تجب عليهم الزكاة، أُمروا ان يعطوا المكاتبين من سهم الرِّقاب، روى عطاء عن ابن عباس في هذه الآية قال: هو سهم الرقاب يُعطى منه المكاتَبون. والثاني: أنه خطاب للسادة، أُمروا أن يعطوا مكاتبيهم من كتابتهم شيئاً. قال أحمد والشافعي: الإِيتاء واجب، وقدَّره أحمد بربع مال الكتابة. وقال الشافعي: ليس بمقدَّر. وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجب الإِيتاء: وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه كاتب غلاماً له يقال له: أبو أميّة، فجاء بنجمه حين حلَّ فقال: اذهب يا أبا أميّة فاستعن به في مكاتبتك، قال: يا أمير المؤمنين لو أخَّرْتَه حتى يكون في آخر النجوم، فقال: يا أبا أُمية:
إِني أخاف أن لا أدرك ذلك، ثم قرأ: وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ، قال عكرمة: وكان ذلك أول نجم أُدِّي في الإِسلام.
قوله تعالى: وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ.
(١٠٣٥) روى مسلم في «صحيحه» من حديث أبي سفيان عن جابر، قال: كان عبد الله بن أبيّ
حديث صحيح. أخرجه مسلم ٣٠٢٩ وأبو داود ٢٣١١ والنسائي في «التفسير» ٣٨٥ والطبري ٢٦٠٧٢ و ٢٦٠٧٣ والواحدي في «الأسباب» ٦٤٠ واستدركه الحاكم ٢/ ٣٩٧ كلهم عن جابر: أن جارية لعبد الله بن أبي ابن سلول يقال لها مسيكة، وأخرى يقال لها: أميمة، فكان يكرههما على الزنا، فشكتا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلّم: فأنزل الله وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ- إلى قوله- غَفُورٌ رَحِيمٌ. لفظ مسلم في روايته الثانية، ورووه بألفاظ متقاربة بمثل سياق المصنف. وانظر «أحكام القرآن» ١٦٠٢ بتخريجنا.
__________
(١) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» ٩/ ٣١٥: وأولى هذه الأقوال في معنى ذلك عندي قول من قال: معناه:
فكاتبوهم إن علمتم فيهم القوة على الاحتراف والاكتساب، ووفاء بما أوجب على نفسه وألزمها، وصدق لهجة. وذلك أن هذه المعاني هي الأسباب التي بمولى العبد الحاجة إليها إذا كاتب عبده مما يكون في العبد، فأما المال فلا يكون في العبد، وإنما يكون عنده وله.
(٢) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» ٩/ ٣١٧: وأولى القولين بالصواب في ذلك عندي: قول من قال: عنى به إتياءهم سهمهم من الصدقة المفروضة.