آيات من القرآن الكريم

الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ۖ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ۚ أُولَٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ۖ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ

[سورة النور (٢٤) : الآيات ٢٤ الى ٢٦]

يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (٢٥) الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٢٦)
أى الْخَبِيثاتُ من القول تقال أو تعد لِلْخَبِيثِينَ من الرجال والنساء وَالْخَبِيثُونَ منهم يتعرضون لِلْخَبِيثاتِ من القول، وكذلك الطيبات والطيبون. وأُولئِكَ إشارة إلى الطيبين، وأنهم مبرءون مما يقول الخبيثون من خبيثات الكلم «١»، وهو كلام جار مجرى المثل لعائشة وما رميت به من قول لا يطابق حالها في النزاهة والطيب. ويجوز أن يكون أُولئِكَ إشارة إلى أهل البيت، وأنهم مبرءون مما يقول أهل الإفك، وأن يراد بالخبيثات والطيبات: النساء، أى: الخبائث يتزوّجن الخباث، والخباث الخبائث، وكذلك أهل الطيب. وذكر الرزق الكريم هاهنا مثله في قوله وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً وعن عائشة: لقد أعطيت تسعا ما أعطيتهنّ امرأة: «٢» لقد نزل جبريل عليه السلام بصورتي في راحته حين أمر رسول الله ﷺ أن يتزوّجنى، ولقد تزوّجنى بكرا وما تزوج بكرا غيرى، ولقد توفى وإنّ رأسه لفي حجري، ولقد قبر في بيتي، ولقد حفته الملائكة في بيتي. وإنّ الوحى لينزل عليه في أهله فيتفرقون عنه وإن كان لينزل عليه وأنا معه في لحافه، وإنى لابنة خليفته وصديقه، ولقد نزل عذرى من السماء، ولقد خلقت طيبة عند طيب، ولقد وعدت مغفرة ورزقا كريما.
[سورة النور (٢٤) : آية ٢٧]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٢٧)
تستأنسوا فيه وجهان، أحدهما: أنه من الاستئناس الظاهر الذي هو خلاف الاستيحاش
(١). قال محمود: تحتمل الآية أمرين، أحدهما: أن يكون المراد الكلمات الخبيثة للخبيثين، والمراد: الافك ومن أفاض فيه، وعكسه في الطيبات والطيبين. الثاني: أن يكون المراد بالخبيثات النساء وبالخبيثين الرجال» قال أحمد: إن كان الأمر على التأويل الثاني، فهذه الآية تفصيل لما أجمله قوله تعالى الزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ وقد بينا أنها مشتملة على هذه الأقسام الأربعة تصريحا وتضمينا، فجاءت هذه الآية مصرحة بالجميع. وقد اشتملت على فائدة أخرى وهي الاستشهاد على براءة أم المؤمنين بأنها زوجة أطيب الطيبين، فلا بد وأن تكون طاهرة طيبة مبرأة مما أفكت به، وهذا التأويل الثاني هو الظاهر، فان بعد الآية لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وبهذا وعد أزواجه عليه السلام في قوله تعالى نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً والله أعلم.
(٢). عاد كلامه. قال: ونقل عن عائشة أنها قالت: لقد أعطيت تسعا ما أعطيتهن امرأة، فذكرت منهن أنها خلقت طيبة عند طيب» قال أحمد: وهذا أيضا يحقق ما ذكرته من أن المراد بالطيبات والطيبين: النساء والرجال، وأن المراد بذلك: إظهار براءة عائشة بأنها زوج أطيب الطيبين، فيلزم أن تكون طيبة، وفاء بقوله وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ والله أعلم.

صفحة رقم 225

لأن الذي يطرق باب غيره لا يدرى أيؤذن له أم لا؟ فهو كالمستوحش من خفاء الحال عليه، فإذا أذن له استأنس، فالمعنى: حتى يؤذن لكم كقوله: لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ وهذا من باب الكناية والإرداف، «١» لأنّ هذا النوع من الاستئناس يردف الإذن. فوضع موضع الإذن. والثاني أن يكون من الاستئناس الذي هو الاستعلام والاستكشاف: استفعال من أنس الشيء إذا أبصره ظاهرا مكشوفا. والمعنى حتى تستعلموا وتستكشفوا الحال، هل يراد دخولكم أم لا. ومنه قولهم: استأنس هل ترى أحدا، واستأنست فلم أر أحدا، أى: تعرفت واستعلمت. ومنه بيت النابغة:
على مستأنس وحد «٢»
ويجوز أن يكون من الإنس، وهو أن يتعرف هل ثمة إنسان؟ وعن أبى أيوب الأنصارى رضى الله عنه: قلنا يا رسول الله، ما الاستئناس؟ قال: يتكلم الرجل بالتسبيحة والتكبيرة والتحميدة ويتنحنح: يؤذن أهل البيت. والتسليم أن يقول: السلام عليكم، أأدخل؟ ثلاث مرات، فإن أذن له وإلا رجع. وعن أبى موسى الأشعرى أنه أتى باب عمر رضى الله عنهما فقال: السلام عليكم أأدخل؟ قالها ثلاثا ثم رجع وقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: الاستئذان ثلاثا واستأذن رجل على رسول الله ﷺ فقال: أألج؟ فقال ﷺ لامرأة يقال لها روضة: قومي إلى هذا فعليه، فإنه لا يحسن أن يستأذن. قولي له يقول: السلام عليكم أأدخل

(١). قال محمود: «فيه وجهان، أحدهما: أنه من الاستئناس الذي هو ضد الاستيحاش، أى: حتى يؤذن لكم فتستأنسوا، عبر بالشيء عما هو رادف له. الثاني: أن يكون من الاستعلام من آنس إذا أبصر. والمعنى:
حتى تستكشفوا الحال، هل يراد دخولكم أم لا؟ وذكر أيضا وجها بعيدا، وهو أن المراد حتى تعلموا هل فيها إنسان أم لا؟»
قال أحمد: فيكون على هذا الأخير بنى من الانس استفعل، والوجه الأول هو البين، وسر التجوز فيه والعدول إليه عن الحقيقة: ترغيب المخاطبين في الإتيان بالاستئذان بواسطة ذكر فان له فائدة وثمرة تميل النفوس اليها وتنفر من ضدها وهو الاستيحاش الحاصل بتقدير عدم الاستئذان ففيه تنهيض للدواعي على سلوك هذا الأدب، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(٢).
كأن رحلي وقد زال النهار بنا بذي الجليل على مستأنس وحد
للنابغة، يصف جمله بأنه كحمار الوحش المسرع خوفا مما رآه. وقال الأصمعى: زال النهار: انتصف، ولعله لزوال الشمس فيه عن وسط السماء. ويجوز أن المعنى: مضى ولم يبق منه إلا قليل، كما هو متبادر إسناد الزوال إلى النهار. وبنا: أى علينا. ويجوز أن الباء للملابسة. والجليل. شجر له خوص كخوص النخل. وذو الجليل:
موضعه. والمستأنس: الذي يرفع رأسه، هل يرى شخصا؟ وقيل: الذي يخاف الأنيس. واستأنست بالشيء: سكن إليه قلبي. واستأنست: استعلت واستبصرت وخفت من الأنيس. والوحد. المنفرد: ووحد كظرف، فهو وحيد. ووحد كسبب، ووحد كحذر: انفرد، أى كان الرجل فوق ذلك الحمار لا فوق الجمل، لسرعة سيره كالحمار.

صفحة رقم 226
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية