
لفات النظر له ولا ريب فى خروج الكل عن سنن الحكمة والفضل والرحمة فجعل شهادات كل منهما مع الجزم بكذب أحدهما حتما دارئة لما توجه اليه من الغائلة الدنيوية وقد ابتلى الكاذب منها فى تضاعيف شهاداته من العذاب بما هو أتم مما درأه عنه وأطم وفى ذلك من احكام الحكم البالغة وآثار التفضل والرحمة ما لا يخفى اما على الصادق فظاهر واما على الكاذب فهو امهال له والستر عليه فى الدنيا ودرء الحد عنه وتعريضه للتوبة حسبما ينبئ عنه التعرض لعنوان توابيته سبحانه ما أعظم شأنه وأوسع رحمته وأدق حكمته قال الكاشفى [واگر نه فضل خداى تعالى بودى بر شما وبخشايش او وآنكه خداى قبول كننده توبه است حكم كننده در حدود احكام هر آيينه شما را فضيحت كردى ودروغ كواهى را بعذاب عظيم مبتلا ساختى وكويند اگر نه فضل خدا بودى بتأخير عقوبت شما هلاك شديد يا اگر نه فضل فرمودى باقامت زواجر ونهى از فواحش هر آينه نسل منقطع شدى ومردم يك ديكر را هلاك كردندى يا اگر نه خداى تعالى بخشيدى بر شما بقبول توبه در تيه نااميدى سر كردان ميشديد پس شما بمدد وتوفيق توبه بسر منزل رجا رسانيد
كر توبه مددكار كنهكار نبودى | او را كه بسر حد كرم راه نمودى |
ور توبه نبودى كه در فيض كشودى | زنك غم از آينه عاصى كه زدودى |
چورويى بخدمت نهى بر زمين | خدا را ثنا كوى وخود را مبين |

فسرنا فلما دنونا من المدينة قافلين اى راجعين نزلنا منزلا ثم نزلت من الرحل فقمت ومشيت لقضاء الحاجة حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأنى أقبلت الى رحلى فلمست صدرى فاذا عقد لى من جزع ظفار كقطام وهى بلد باليمن قرب صنعاء اليه نسبة الجزع وهو بالفتح وسكون الزاى المعجمة الخرز اليماني فيه سواد وبياض يشبه به الأعين كما فى القاموس كان يساوى اثنى عشر درهما قد انقطع فرجعت فالتمسته فحبسنى ابتغاؤه واقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي بتخفيف الحاء اى يجعلون هودجها على الرحل وهو ابو مويهبة مولى رسول الله وكان رجلا صالحا مع جماعة معه فاحتملوا هودجى فرحلوه على بعيري وهم يحسبون انى فيه بخفتى وكان النساء إذ ذاك خفافا لقلة أكلهن اى لان السمن وكثرة اللحم غالبا تنشأ عن كثرة الاكل كما فى انسان العيون فلم يستنكروا خفة الهودج حين رفعوه وذهبوا بالبعير فوجدت عقدى فجئت منازلهم وليس فيها أحد وأقمت بمنزلي الذي كنت فيه وظننت انهم سيفقدوننى فيرجعون فى طلبى فبينا انا جالسة فى منزلى غلبتنى عينى فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمى خلف الجيش قال القرطبي وكان صاحب ساقة رسول الله لشجاعته وكان من خيار الصحابة انتهى كان يسوق الجيش ويلتقط ما يسقط من المتاع كما فى الإنسان فاصبح عند منزلى فرأى سوادا اى شخص انسان نائم فاتانى فعرفنى فاستيقظت باسترجاعه اى بقوله انا لله وانا اليه راجعون اى لان تخلف أم المؤمنين عن الرفقة فى مضيقة مصيبة اى مصيبة فخمرت وجهى فى جلبابى وهو ثوب اقصر من الخمار ويقال له المقنعة تغطى به المرأة رأسها والله ما تكلمت بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه اى لانه استعمل الصمت أدبا وهوى حتى أناخ راحلته فقمت إليها فركبتها وانطلق يقود بي الراحلة حتى اتينا الجيش فى بحر الظهيرة اى وسطها وهو بلوغ الشمس منتهاها من الارتفاع وهم نازلون وبهذه الواقعة استدل بعض الفقهاء على انه يجوز الخلوة بالمرأة الاجنبية إذا وجدها منقطعة ببرية او نحوها بل يجب استصحابها إذا خاف عليها لو تركها وفى معانى الآثار للطحاوى قال ابو حنيفة وكان الناس لعائشة محرما فمع أبهم سافرت فقد سافرت مع محرم وليس غيرها من النساء كذلك انتهى يقول الفقير لعل مراد الامام رحمه الله تعالى ان ازواج النبي عليه السلام وان كان كلهن محارم للامة لانه تعالى قال (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ)
وحرم عليهم نكاحهن كما قال (وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً) الا ان عائشة كانت أفضل نسائه بعد خديجة وأقربهن منه من حيث خلافتها عنه فى باب الدين ولذا قال (خذوا ثلثى دينكم عن عائشة) فتأكدت الحرمة من هذه الجهة إذ لا بد لاخذ الدين من الاستصحاب للسفر والحضر والله اعلم قالت فلما نزلنا هلك فى من هلك بقول البهتان والافتراء وكان أول من اشاعه فى المعسكر عبد الله بن ابى ابن سلول رئيس المنافقين فانه كان ينزل مع جماعة المنافقين متبعدين من الناس فمرت عليهم فقال من هذه قالوا عائشة وصفوان فقال فجر بها ورب الكعبة فافشوه وخاض اهل المعسكر فيه فجعل يرويه بعضهم عن بعض ويحدث به بعضهم بعضا قالت فقدمنا المدينة فاشتكيت اى مرضت حين قدمت شهرا ووصل الخبر الى رسول الله والى ابوىّ ولا أشعر بشىء من ذلك غير انه يرينى ان لا اعرف من رسول الله العطف

الذي كنت ارى منه حين اشتكيت فلما رأيت ذلك قلت يا رسول الله لو أذنت لى فانقلب الى ابوىّ يمرضانى والتمريض القيام على المريض فى مرضه قال لا بأس فانقلبت الى بيت ابوىّ وكنت فيه الى ان برئت من مرضى بعد بضع وعشرين ليلة فخرجت فى بعض الليالى ومعى أم مسطح كمنبر وهى بنت خالة ابى بكر رضى الله عنه قبل المناصع وهى مواضع يتخلى فيها لبول او حاجة ولا يخرج إليها الا ليلا وكان عادة اهل المدينة حينئذ انهم كانوا لا يتخذون الكنيف فى بيوتهم كالاعاجم بل يذهبون الى محل متسع قالت فلما فرغنا من شأننا وأقبلنا الى البيت عثرت أم مسطح فى مرطها وهو كساء من صوف او خز كان يؤتزر به فقالت تعس مسطح بفتح العين وكسرها اى هلك تعنى ولدها والمسطح فى الأصل عمود الخيمة واسمه عوف فقلت لها أتسبين رجلا قد شهد بدرا فقالت أو لم تسمعى ما قال قلت وما قال فاخبرتنى بقول اهل الافك فازددت مرضا على مرض اى عاودنى المرض وازددت عليه وبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لى دمع ولا اكتحل بنوم ثم أصبحت ابكى
چشم ذكريه بر سر آبست روز شب | جانم ز ناله در تب وتابست روز شب |
صبرى كنيم تا كرم او چهـ ميكند
قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشى وانا والله حينئذ اعلم انى بريئة والله مبرئى ببراءة ولكنى والله ما كنت أظن ان ينزل فى شأنى وحي يتلى ولشأنى كان احقر فى نفسى من ان يتكلم فى بامر يتلى ولكنى كنت أرجو ان يرى النبي عليه السلام رؤيا يبرئنى الله بها قالت فو الله ما قام رسول الله عن مجلسه ولا خرج من البيت حتى اخذه ما كان يأخذه عند نزول الوحى اى من شدة الكرب فسجى اى غطى بثوب ووضعت له وسادة من آدم تحت رأسه وكان ينحدر منه مثل الجمان من العرق فى اليوم الثاني من ثقل القول الذي انزل عليه والجمان حبوب مدحرجة تجعل من الفضة أمثال اللؤلؤ فلما سرى عنه وهو يضحك ويمسح العرق من وجهه الكريم كان أول كلمة تكلم بها (أبشري يا عائشة اما ان الله قد برأك) فقالت أمي قومى اليه فقلت والله لا احمد الا
الله فانزل الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ) الآيات قال السهيلي كان نزول براءة عائشة بعد قدومهم المدينة من الغزوة المذكورة لسبع وثلاثين ليلة فى قول المفسرين فمن نسبها الى الزنى كغلاة الرافضة كان كافر الان فى ذلك تكذيبا للنصوص صفحة رقم 124

القرآنية ومكذبها كافر وفى حياة الحيوان عن عائشة رضى الله عنها لما تكلم الناس بالإفك رأيت فى منامى فتى فقال لى مالك قلت حزينة مما ذكر الناس فقال ادعى بكلمات يفرج الله عنك قلت وما هى قال قولى يا سابغ النعم ويا دافع النقم ويا فارج الغم ويا كاشف الظلم ويا اعدل من حكم ويا حسيب من ظلم ويا أول بلا بداية ويا آخر بلا نهاية اجعل لى من امرى فرجا ومخرجا قالت فانتبهت وقلت ذلك وقد انزل الله فرجى قال بعضهم برأ الله اربعة باربعة يوسف بشاهد من اهل زليخا وموسى من قول اليهود فيه ان له ادرة بالحجر الذي فر بثوبه ومريم بانطاق ولدها وعائشة بهذه الآيات وبعد نزولها خرج عليه السلام الى الناس وخطبهم وتلاها عليهم وامر بجلد اصحاب الافك ثمانين جلدة وعن عائشة ان عبد الله بن أبيّ جلد مائة وستين اى حدين قال عبد الله بن عمر رضى الله عنهما وهكذا يفعل لكل من قذف زوجة نبىّ اى يجوز ان يفعل به ذلك وفى الخصائص الصغرى من قذف أزواجه عليه السلام فلا توبة له البتة كما قال ابن عباس رضى الله عنهما وغيره ويقتل كما نقله القاضي وغيره وقيل يختص القتل بمن قذف عائشة ويحدّ فى غيرها حدّين كذا فى انسان العيون وعن ابن عباس رضى الله عنهما لم تبغ امرأة نبى قط واما قوله تعالى فى امرأة نوح وامرأة لوط (فَخانَتاهُما) فالمراد آذتاهما قالت امرأة نوح فى حقه انه لمجنون وامرأة لوط دلت على أضيافه وانما جازان تكون امرأة النبي كافرة كامرأة نوح ولوط ولم يجز ان تكون زانية لان النبي مبعوث الى الكفار ليدعوهم الى الدين والى قبول ما قاله من الاحكام والثواب والعقاب وهذا المقصود لا يحصل إذا كان فى الأنبياء ما ينفر الكفرة عنهم والكفر ليس مما ينفر عندهم بخلاف الفجور فانه من أعظم المنفرات وعن كتاب الإشارات للفخر الرازي رحمه الله انه عليه السلام فى تلك الأيام التي تكلم فيها بالإفك كان اكثر أوقاته فى البيت فدخل عليه عمر فاستشاره فى تلك الواقعة فقال يا رسول الله انا اقطع بكذب المنافقين وأخذت براءة عائشة من ان الذباب لا يقرب بدنك فاذا كان الله صان بدنك ان يخالطه الذباب لمخالطته القاذورات فكيف باهلك ودخل عليه عثمان فاستشاره فقال يا رسول الله أخذت براءة عائشة من ظلك لانى رأيت الله صان ظلك ان يقع على الأرض اى لان ظل شخصه الشريف كان لا يظهر فى شمس ولا قمر لئلا يوطأ بالاقدام فاذا صان الله ظلك فكيف باهلك ودخل علىّ فاستشاره فقال يا رسول الله أخذت براءة عائشة من شىء هو انا صلينا خلفك وأنت تصلى بنعليك ثم انك خلعت احدى نعليك فقلنا ليكون ذلك سنة لنا فقلت (لا ان جبريل قال ان فى تلك النعل نجاسة) فاذا كان لا تكون النجاسة بنعليك فكيف باهلك فسر عليه السلام بذلك فصدقهم الله فيما قالوا وفضح اصحاب الافك بقوله (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ) عُصْبَةٌ مِنْكُمْ خبران والعصبة والعصابة جماعة من العشرة الى الأربعين والمراد هنا عبد الله بن أبيّ وزيد بن رفاعة ومسطح بن اثاثة وحمنة بنت جحش ومن ساعدهم واختلفوا فى حسان بن ثابت والذي يدل على براءته ما نسب اليه فى أبيات مدح بها عائشة رضى الله عنها منها
مهذبة قد طيب الله خيمها | وطهرها من كل سوء وباطل |
فان كنت قد قلت الذي قد زعمتمو | فلا رفعت سوطى الىّ أناملي |