
يمكنهم إلاَّ الإقرارُ بها، ويلزم من الإقرار [بها] «١» توحيدُ اللَّه وإذعانهم لشرعه ورسالة رسله، وقرأ الجميع «٢» في الأَوَّل: «للَّه» بلا خلاف، واخْتُلِفَ في الثاني والثالث، فقرأ أبو عمرو وحدَه: «اللَّه» جواباً على اللفظ، وقرأ باقي السبعة: «للَّه» جواباً على المعنى، كأنه قال في السؤال: لمن ملك السموات السبع؟
وقوله سبحانه: فَأَنَّى تُسْحَرُونَ استعارة وتشبيه لما وقع منهم من التخليط وَوَضْعِ الأفعالِ والأَقوالِ غيرِ مواضعها ما يقع من المسحور عَبَّرَ عنهم بذلك.
وقالتَ فرقة: تُسْحَرُونَ معناه: تمنعون، وحكى بعضهم ذلك لُغَةً، والإجارة:
المنع، والمعنى: أَنَّ اللَّه تعالى إذا أراد منع أحد فلا يقدر عليه، وإذا أراد أخذَه فلا مانِعَ له.
وقوله سبحانه: وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ أي: فيما ذكروه من الصاحبة، والولد، والشريك، تعالى اللَّه عن قولهم عُلُوّاً كبيراً، وفي قوله سبحانه: وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ [الآية] «٣».
دليلُ [التمانع] «٤» وهذا هو الفسادُ الذي تَضَمَّنَهُ قوله تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا. [الأنبياء: الآية ٢٢]. والجزءُ المُخْتَرَعُ مُحَالٌ أَنْ تَتَعَلَّقَ به قدرتان فصاعداً، وقد تقدم الكلامُ على هذا الدليل فَأَغنى عن إعادته.
وقوله: إِذاً جوابٌ لمحذوف تقديره: لو كان معه [إله] «٥» إذاً لذهب.
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٩٢ الى ٩٨]
عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٩٢) قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (٩٣) رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٩٤) وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ (٩٥) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ (٩٦)
وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ (٩٧) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (٩٨)
(٢) ينظر اتفاق الجميع على هذا الحرف، واختلافهم في الثاني والثالث، يعني في قوله تعالى «لله» من الآيتين (٨٧)، (٨٩) - في: «السبعة» (٤٤٧)، و «الحجة» (٥/ ٣٠٠)، و «إعراب القراءات» (٢/ ٩٣)، و «معاني القراءات» (٢/ ١٩٤)، و «شرح الطيبة» (٥/ ٧٨)، و «العنوان» (١٣٧)، و «حجة القراءات» (٤٩٠)، و «شرح شعلة» (٥٠٩)، و «إتحاف» (٢/ ٢٨٧). [.....]
(٣) سقط في ج.
(٤) سقط في ج.
(٥) سقط في ج.

وقوله: عالِمِ الْغَيْبِ المعنى: هو عالم الغيب، وقرأ أبو عمرو «١» وغيره: «عَالِمِ» بالجر اتباعاً للمكتوبة.
وقوله سبحانه: قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ أمَرَ اللَّه تعالى نَبِيَّه- عليه السلام- أنْ يدعوَ لنفسه بالنجاة من عذاب الظلمة إن كان قضي أن يرى ذلك، و «إن» شرطية و «ما» زائدة و «تريني» جزم بالشرط لزمته النونُ الثقيلة وهي لا تُفَارِقُ، «أَمَّا» عند المُبَرِّدِ، ويجوزُ عند سيبويه أنْ تفارقَ، ولكن استعمالَ القرآن لزومها، فمن هنالك ألزمه المبرد، وهذا الدعاء فيه استصحاب الخشية والتحذير من الأمر المعذب من أجله، ثم نظيره لسائر الأُمَّةِ دُعَاءٌ في حسن الخاتمة، وقوله ثانياً: «رب» اعتراض بين الشرط وجوابه.
وقوله سبحانه: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ أمْرٌ بالصفح ومكارِمِ الأخلاق، وما كان منها لهذا فهو مُحْكَمٌ باقٍ في الأُمَّةِ أبداً، وما كان بمعنى الموادعة فمنسوخ بآية القتال.
وقوله: نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ يقتضي أَنَّها آية مُوَادَعَةٍ.
وقال مجاهد «٢» : الدفع بالتي هي أحسن: هو السلامُ، تُسَلِّمُ عليه إذا لَقِيتَه.
وقال الحسن «٣» : واللَّه لا يُصِيبُهَا/ أَحَدٌ حَتَّى يكظم غيظه، ويصفح عمّا يكره، وفي ٣٣ ب الآية عدة للنبي صلّى الله عليه وسلّم، أي: اشتغل أنت بهذا وكل أمرهم إلينا، ثم أمره سبحانه بالتَّعَوُّذِ من همزات الشياطين، وهي سورات الغضب التي لا يملك الإنسانُ فيها نفسه وكأنها هي التي كانت تصيب المؤمنين مع الكُفَّارِ فتقع المجادلة، ولذلك اتَّصَلَتْ بهذه الآية، وقال ابن زيد:
هَمْزُ الشيطان: الجنونُ «٤»، وفي «مُصَنَّفِ أَبي داودَ» : أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ: هَمْزِهِ، وَنَفْخِهِ، ونَفْثِهِ» «٥». قال أبو داودَ: همزه: الموتة، ونفخه:
ينظر: «السبعة» (٤٤٧)، و «الحجة» (٥/ ٣٠١)، و «إعراب القراءات» (٢/ ٩٤)، و «معاني القراءات» (٢/ ١٩٥)، و «شرح الطيبة» (٥/ ٧٩)، و «شرح شعلة» (٥٠٩) و «حجة القراءات» (٤٩١)، و «إتحاف» (٢/ ٢٨٧).
(٢) أخرجه الطبريّ (٩/ ٢٤١) رقم (٢٥٦٤٥)، وذكره ابن عطية (٤/ ١٥٥).
(٣) أخرجه الطبريّ (٩/ ٢٤١) رقم (٢٥٦٤٧)، وذكره ابن عطية (٤/ ١٥٥).
(٤) أخرجه الطبريّ (٩/ ٢٤٢) برقم (٢٥٦٤٨)، وذكره ابن عطية (٤/ ١٥٥)، والسيوطي (٥/ ٢٨)، وعزاه لابن أبي حاتم عن ابن زيد.
(٥) أخرجه أبو داود (١/ ٢٦٢- ٢٦٣) كتاب الصلاة: باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء، حديث (٧٦٤)، وابن ماجه (١/ ٢٦٥) كتاب الصلاة: باب الاستعاذة في الصلاة، حديث (٨٠٧)، وأحمد (٤/ ٨٥) من حديث جبير بن مطعم.