آيات من القرآن الكريم

سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ۚ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ
ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ ﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﰁﰂﰃﰄﰅﰆ ﭑﭒﭓﭔﭕ ﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷ ﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ

قوله تعالى ذكره: ﴿وَهُوَ الذي أَنْشَأَ لَكُمُ السمع﴾ إلى قوله: ﴿مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ﴾.
أي: والله الذي أحدث لكم أيها المكذبون السمع لتسمعوا به والأبصار لتنظروا بها، والأفئدة: أي والقلوب لتفهموا بها فكيف يتعذر على من أنشأ ذلك على غير مثال الإعادة، وقد تقدم المثال.
ثم قال تعالى: ﴿قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ﴾.
أي: قليلاً شكركم على ما أعطاكم من النفع بهذه الجوارج وغيرها.
ثم قال تعالى: ﴿وَهُوَ الذي ذَرَأَكُمْ فِي الأرض﴾.
أي: أنشأكم فيها ﴿وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ أي: بعد مماتكم، أي تصيرون إلى حكمه فيكم وعدله، وليس هو حشر وصيرورة إلى قرب مكان، لأن القرب والبعد في الأمكنة إنما يجوز على المحدثين الذين تحويهم الأمكنة، والله لا يجوز عليه ذلك، إنما هو حشر إلى وعده وحكمه فيهم، وكذلك كل ما كان في القرآن من قوله: ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأمر كُلُّهُ﴾ و ﴿وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ كله معناه تصيرون إلى حكمه ووعده ومجازاته ليس هو صيرورة إلى قرب مكان، سبحانه لا تحويه الأمكنة ولا تحيط به المواضع، وليس كمثله شيء. الأمكنة كلها مخلوقة والأزمننة محدثة وهو قديم إلا إله إلا هو، فلا يحوي المحدث إلا محدثاً. فافهم هذا واستعمله في كل ما جاءك منه في كتاب الله، ولا تتوهم فيه قرب كان ولا دنوا من موضع دون موضع ألزم فهمك ونفسك أنه تعالى لا يشبهه شيء ولا مثله شيء.
ثم قال: ﴿وَهُوَ الذي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾.
أي: والله الذي جعل خلقه أحياء بعد أن كانوا نطقاً أمواتاً فنفخ فيهم الروح، وهو يميتهم بعد إحيائهم.
﴿وَلَهُ اختلاف الليل والنهار﴾.

صفحة رقم 4992

أي: هو الذي خلق الليل والنهار مختلفين.
ثم قال: ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾.
أي: تفهمون ما وُصف لكم ونُبهتم عليه.
ثم قال تعالى: ﴿بَلْ قَالُواْ مِثْلَ مَا قَالَ الأولون﴾.
أي: بل قال المكذبون لك يا محمد من قريش مثل ما قال الأولون من الأمم المكذبة بالبعث/. قالوا: أنبعث إذا كنا تراباً وعظاماً. استبعدوا ذلك فأنكروه.
ثم قال: ﴿لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَآؤُنَا هذا مِن قَبْلُ﴾.
أي: لقد وعدنا ووعد آباؤنا من قبل بالبعث بعد الموت فلم نر له حقيقة، ﴿إِنْ هاذآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأولين﴾ أي: ما سطره الأولون في كتبهم من الأحاديث والأخبار التي لا صحة لها ولا حقيقة.
ثم قال تعالى: ﴿قُل لِّمَنِ الأرض وَمَن فِيهَآ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.
أي: قل يا محمد لهؤلاء المنكرين البعث من قومك: لمن ملك الأرض ومن فيها من الخلق إن كنتم تعلمون من مالكها، ثم اعلمه جل ذكره، أنهم سيقولون لله ملكها. فقل لهم إذا جاوبوك ﴿أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾ أي: أفلا تعتبرون أن من خلق ذلك وابتدأه وملكه أنه يقدر على إحيائكم بعد مماتكم وإعادتكم خلقاً كما كنتم.
ثم قال: ﴿قُلْ مَن رَّبُّ السماوات السبع وَرَبُّ العرش العظيم﴾.
أي: من خالق ذلك ومالكه، سيقولون لك: ذلك كله لله وهو ربه.
فقل لهم أفلا تتقون عقابه على كفركم به، وتكذيبكم رسله.

صفحة رقم 4993

ثم قال تعالى: ﴿قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾.
أي: من بيده خزائن كل شيء، قاله مجاهد.
﴿وَهُوَ يُجْيِرُ﴾ من عذابه من خلقه من شاء ﴿وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ﴾.
أي: ولا يجير عليه أحد من خلقه ولا من عذابه، ومعنى:
﴿قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ أي: من يملك كل شيء. وذكر اليد في هذا إنما يعني به الملكم لا الجارحة تعالى الله عن ذلك. وهذا أتى على لسان العرب. تقول: هذه الدرابيد فلان، أي: ملكه، لا يريدون أن ذلك مستقر في يده يد الجارحة، إنما يريدون أنه مستقر في ملكه.
وقوله: ﴿إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.
أي تعلمون مَن هذه صفته، فإنهم سيقولون أن ذلك هو الله، وملك ذلك كله لله، فقل لهم: ﴿فأنى تُسْحَرُونَ﴾.
أي: من أي وجه تصرفون عن التصديق بآيات الله والإقرار برسوله. ومن قرأ الثاني والثالث الله الله، جعل السؤال والجواب من جهة واحدة، لأن الله جل

صفحة رقم 4994

ذكره علم بجوابهم وسؤالهم قبل خلقهم، فأخبر عن جوابهم من جهة السؤال.
ومن قرأ: لله لله، أتى الجواب من عند المسؤول، وهو الأصل.
قال ابن عباس: " تسحرون ": تكيدون.
وحقيقة السحر أنه تخييل الشيء إلى الناظر أنه على خلاف ماهو به من هيئته. فكذلك معنى ﴿فأنى تُسْحَرُونَ﴾ أي: من أي وجه يخيل لكم الكذب حقاً، والفاسد صحيحاً، فتصرفون عن الإقرار بالحق الذي يدعوكم إليه محمد ﷺ وفي هذا الآيات دلالة على جواز محاجة الكفار والمبطلين وإقامة الحجة عليهم، وإظهار إبطال الباطل من قولهم ومذبهم، ووجوب النظر في الحجج على من خالف دين الله وقد أمر الله تعالى نبيه في غير ما موضع بالاحتجاج عليهم وعلمه كيف يحتج عليهم، وكذلك أخبر عن إبراهيم عليه السلام بما احتج به على قومه، وأخبرنا الله تعالى أنها حجة أتاها إبراهيم عليه السلام وعلمه إياها، فاحتج بها عقى قومه وبينا لهم خطأهم فيما يعبدون، وكذلك أخبرنا الله في غير موضع باحتجاج الأنبياء على قومهم، وإقامة حجة الله عليهم، ومناظرتهم لهم، وهو كثير في القرآن، دل على جواز إقامة الحجة على أهل الزيغ الكفر. فأما قوله تعالى: ﴿وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [العنكبوت: ٤٦] فقد ذكرنا معناها في موضعها. وليست في هذا الباب، ولها معاني قد بيناها.
ثم قال تعالى: ﴿بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بالحق وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾.

صفحة رقم 4995

أي: ما الأمر كما يقول هؤلاء المشركون أن الملائكة بنات الله أو أن لهم آله دمن الله، بل أتيناهم بالبقين، وهو ما أتاهم به محمد ﷺ من الإسلام، وأن لا يُعبد شيء سوى الله ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ فيما يضيفون إلى الله من الولد والشريك ﴿مَا اتخذ الله مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ﴾ في القدم حين ابتدع الأشياء.
﴿مِنْ إِلَهٍ﴾ أي: لاعتزل كل إله منهم بما خلق فانفرد به ﴿وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ﴾. أي: ولتغالبوا، فغلب القوي الضعيف، لأن القوي لا يرضى أن يحاده الضعيف، والضعيف لا يصلح أن يكون إلهاً/، لأنه عاجز بضعفه. والعاجز مذولو مغلوب مقهور، وليس هذه من صفات المعبود الخالق، وإنما هي من صفات المخلوق المملوك.
ثم قال تعالى: ﴿سُبْحَانَ الله عَمَّا يَصِفُونَ﴾.
أي: عما يصفون به الله.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿عَالِمِ الغيب والشهادة﴾.
أي: يعلم ما غاب عن خلقه من جميع الأشياء. فلم يروه ولم يعلموه وما شاهدوه، فرأوه وعلموه.
والرفع الاختيار عند النحويين البصريين والكوفيين في " عالم الغيب " على إضمار مبتدأ، أو على البعث لله في قوله: ﴿مَا اتخذ الله﴾ عالم الغيب، وحجة البصريين في اختيارهم الرفع أن قبله رأس آية، وقد تم الكلام دون، فاستؤنف على إضمار مبتدأ.
وحجة الكوفيين منهم الفراء أن الرفع أولى به، لأنه لو كان مخفوضاً لقال:

صفحة رقم 4996

(وتعالى) بالواو. فدخول الفاء بعده يدل على أنه أراد " هو عالم " واحتج في ذلك بأنك لو قلت: مررت بعبد الله المسحن وأحسنت إليه، جئت بالواو، لأنك خفضت ولم تستأنف، تريد: مررت بعدب الله الذي أحسن وأحسنت إليه. قال: ولو قلت: " المحسن " بالرفع، لم يكن إلا بالفاء، تريد: هو المحسن فحسنت إليه، فالفاء عنده تدل على انقطاع الكلام. وقد خالف هو نفسه هذا الأصل في المزمل، فاختار: " ورب المشرق " بالخفض، وبعده " فاتخذه " ومن أصله أن الفاء تدل على الاستئناف.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ﴾.
أي: قل يا محمد: رب أن ترني ما يهلك به هؤلاء المشركين، فلا تهلكني بما تهلكهم به، أي: إذا أردت بهم عقوبة فأخرجني عنهم ولا تجعلني في القوم الظالمين، ولكن اجعلني فيمن قد رضيت عنه.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِنَّا على أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ﴾.
أي: إنا نقدر يا محمد أن نريك تعجيل العذاب في هؤلاء المشركين فلا يحزنك كفرهم وتكذيبهم إياك، فإنما نؤخرهم ليبلغ الكتاب أجله فيستوفوا أيامهم وما قدر لهم من رزق.

صفحة رقم 4997
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية