آيات من القرآن الكريم

وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ
ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ

وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ أَيْ لَعَادِلُونَ عَنْ هَذَا الطَّرِيقِ، لِأَنَّ طَرِيقَ الِاسْتِقَامَةِ وَاحِدَةٌ وَمَا يُخَالِفُهُ فَكَثِيرٌ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ فَفِيهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: الْمُرَادُ ضَرَرُ الْجُوعِ وَسَائِرُ مَضَارِّ الدُّنْيَا وَثَانِيهَا: الْمُرَادُ ضَرَرُ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ ضَرَرُ الْآخِرَةِ وَعَذَابُهَا فَبَيَّنَ أَنَّهُمْ قَدْ بَلَغُوا فِي التَّمَرُّدِ وَالْعِنَادِ الْمَبْلَغَ الَّذِي لَا مَرْجِعَ فِيهِ إِلَى دَارِ الدنيا، وأنهم لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ [الْأَنْعَامِ: ٢٨] لِشِدَّةِ لَجَاجِهِمْ فِيمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ فالمعنى لتمادوا في ضلالهم وهم متحيرون.
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٧٦ الى ٨٠]
وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ (٧٦) حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٧) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ (٧٨) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٧٩) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٨٠)
اخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ: وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ عَلَى وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ الْحَنَفِيُّ وَلَحِقَ بِالْيَمَامَةِ مَنَعَ الْمِيرَةَ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَأَخَذَهُمُ اللَّه بِالسِّنِينَ حَتَّى أَكَلُوا الْجُلُودَ وَالْجِيَفَ، فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ بعثت رحمة العالمين، ثُمَّ قَتَلْتَ الْآبَاءَ بِالسَّيْفِ وَالْأَبْنَاءَ بِالْجُوعِ، فَادْعُ اللَّه يَكْشِفُ عَنَّا هَذَا الْقَحْطَ. فَدَعَا فَكُشِفَ عَنْهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَةَ، وَالْمَعْنَى أَخَذْنَاهُمْ بِالْجُوعِ فَمَا أَطَاعُوا وَثَانِيهَا:
هُوَ الَّذِي نَالَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ مِنَ الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ، يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ مَعَ شِدَّتِهِ مَا دَعَاهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ عَنِ الْأَصَمِّ وَثَالِثُهَا:
الْمُرَادُ/ مَنْ عُذِّبَ مِنَ الْأُمَمِ الْخَوَالِي فَمَا اسْتَكانُوا أَيْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ لِرَبِّهِمْ عَنِ الْحَسَنِ وَرَابِعُهَا: أَنَّ شِدَّةَ الدُّنْيَا أَقْرَبُ إِلَى الْمُكَلَّفِ مِنْ شِدَّةِ الْآخِرَةِ، فَإِذَا لَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِمْ شِدَّةُ الدُّنْيَا فَشِدَّةُ الْآخِرَةِ كَذَلِكَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ [الْأَنْعَامِ: ٢٨].
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذابٍ شَدِيدٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابَ الْجُوعِ الَّذِي هُوَ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ وَالثَّانِي: إِذَا عُذِّبُوا بِنَارِ جَهَنَّمَ فَحِينَئِذٍ يُبْلِسُونَ كَقَوْلِهِ: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ [الرُّومِ: ١٢]، لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ [الزُّخْرُفِ: ٧٥] وَالْإِبْلَاسُ الْيَأْسُ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ، وَقِيلَ السُّكُونُ مَعَ التَّحْسِيرِ. وَهَاهُنَا سُؤَالَاتٌ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: مَا وَزْنُ اسْتَكَانَ؟ الْجَوَابُ: اسْتَفْعَلَ من السكون أَيِ انْتَقَلَ مِنْ كَوْنٍ إِلَى كَوْنٍ، كَمَا قِيلَ اسْتَحَالَ إِذَا انْتَقَلَ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ افْتَعَلَ مِنَ السُّكُونِ أُشْبِعَتْ فَتْحَةُ عَيْنِهِ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: لِمَ جَاءَ اسْتَكانُوا بلفظ الماضي ويَتَضَرَّعُونَ بِلَفْظِ الْمُسْتَقْبَلِ؟ الْجَوَابُ: لِأَنَّ الْمَعْنَى امْتَحَنَّاهُمْ فَمَا وَجَدْنَا مِنْهُمْ عَقِيبَ الْمِحْنَةِ اسْتِكَانَةً، وَمَا مِنْ عَادَةِ هَؤُلَاءِ أَنْ يَتَضَرَّعُوا حَتَّى يُفْتَحَ عَلَيْهِمْ بَابُ الْعَذَابِ الشَّدِيدِ وَقُرِئَ فَتَّحْنَا.

صفحة رقم 288
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية