
وقد قيل إنها في موضع نصب على المصدر،: أنه قال: بعداً بعداً لما توعدون.
ثم قال: ﴿إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾.
أي: قال الإشراف من قوم هود: ما حياتنا إلا حياتنا في الدنيا نموت فلا نرجع، ويحيى آخرون فيولدون أحياء وما نحن بمبعوثين بعد الموت، وهذا مثل قولهم: ﴿هَلْ نَدُلُّكُمْ على رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [سبأ: ٧] فتحقيق المعنى أنهم قالوا: نموت نحن ويحيا أولادنا، ولا بعث بعد الموت.
وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، والمعنى: نحيا ونموت فلا نحيا.
وقيل: المعنى: نكون أمواتاً نطفاً، ثم نحيا في الدنيا.
قوله تعالى ذكره: ﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افترى على الله كَذِباً﴾ إلى قوله: ﴿ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾.
أي: قالوا: ما هو إلا رجل افترى على الله كذبا في قوله: ﴿مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ﴾ وفي وعده/ إياكم بالخروج بعد موتكم وكونكم تراباً وعظاماً.
﴿وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ﴾ أي: بمصدقين له فيما قال.
﴿قَالَ رَبِّ انصرني بِمَا كَذَّبُونِ﴾.
أي: قال، هود يا رب، انصرني بتكذيبهم إياي، وذلك لما يئس من إيمان قومه، فأجابه الله جلّ ذكره: ﴿عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ﴾ أي: عن وقت قليل ليندمن على تكذيبهم لك وذلك حين ينزل بهم العذاب.

ثم قال تعالى: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة بالحق﴾.
أي: فانتقمنا منهم ونصرناه عليهم، فأرسلنا الصيحة عليهم، فأخذتهم بالحق. أي: باستحقاقهم لذلك. فمعنى " بالحق " باستحقاقهم للهلاك بكفرهم.
وقيل: معنى " بالحق " بالعدل من الله لهم، لم يظلمهم فيما أنزل عليهم من العذاب.
﴿فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَآءً﴾.
أي: بمنزلة الغثاء، وهو ما ارتفع من السيل ونحوه مما لا ينتفع به في شيء، فهو مثل.
وتقدير الكلام: فأهلكناهم، فجعلناهم كالشيء الذي لا ينتفع به.
قال ابن عباس: جُعِلوا كالشيء البالي من الشجر ".
وقال مجاهد: " كالرميم الهامد الذي يحتمل السيل "، وهم قوم صالح.
روي أن الله جلّ ذكره بعث ملكاً من ملائكته فصاح بهم صيحة هلكوا بأجمعهم.
وروي أنه جبريل ﷺ وعليهم أجمعين.
وقوله تعالى: ﴿فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ الظالمين﴾.
أي: أبعد الله القوم الكافرين بهلاكهم إذا كفروا بربهم فأبعدهم من كل خير ومنفعة.

وقال مجاهد أولئك ثمود.
وقيل: هم عاد، لأن عاداً كانوا قبل ثمود.
ثم قال: ﴿ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ * مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ﴾ أي: ثم خلقنا من بعد هلاك ثمود قروناً آخرين، ما يتقدم هلاك أمة من تلك الأمم قبل مجيء أجلها الذي أجله الله تعالى لهلاكها.
﴿وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ﴾ عن الهلاك بعد مجيء الأجل الذي أجل لهلاكها وهذا كله وعيد لقريش وإعلام منه أن تأخيره في آجالهم مع كفرهم إنما ذلك ليبلغوا الأجل الذي أجل لهم، فتحل بهم نقمته كسنته فيمن قبلهم من الأمم السابقة وفيه دلالة على رد قول من يقول إن الإنسان يجوز أن يقتل قبل أجله الذي سماه الله له وقدره أجلاً لموته، وهو قول خارج عن مذاهب أهل الحق، بل كل يموت عند انقضاء أجله بموت أو قتل أو غرق أو حرق أو بغير ذلك. لا تموت نفس قبل أجلها الذي كتبه الله لها، ولا تتأخر في البقاء بعد ذلك الأجل.
ثم قال: ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا﴾.
أي: ثم أرسلنا إلى الأمم التي أنشأناها بعد ثمود رسلاً يتبع بعضها بعضاً، وبعضها في أثر بعض، قاله ابن عباس ومجاهد وابن زيد.
ثم قال: ﴿كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً﴾ أي: بالهلاك، أهلك

بعضهم في آثار بعض.
﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ﴾ أي: يتحدث بهم من يأتي بعدهم في الشر. ولا يقال: جعلناهم أحاديث في الخير. والأحاديث جمع أحدوثة وقيل جمع حديث.
ثم قال تعالى: ﴿فَبُعْداً لِّقَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ﴾.
أي: فابعد الله قوماً لا يؤمنون بالله ولا يصدقون رسله.
ثم قال: ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا موسى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا﴾ أي: ثم أرسلنا موسى بعد الرسل الذين تقدم ذكرهم وأخاه هارون بأدلتنا ﴿وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾ أي: وحجة ظاهرة لمن رآها إنها من عند الله. ﴿إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ﴾، أي وأشراف قومه من القبط، فاستكبروا عن الإيمان بها ﴿وَكَانُواْ قَوْماً عَالِينَ﴾، أي: قد علوا على من في ناحيتهم وعلى بني إسرائيل بالظلم وقهروهم.
وقال ابن زيد: ﴿قَوْماً عَالِينَ﴾ أي: علوا على رسلهم وعصوا ربهم.
ثم قال تعالى: ﴿فقالوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ﴾.
أي: لنا مطيعون متذللون، يأتمرون لأمرهم، ويدينون لهم. يقال لكل من دان لملك: هو عابد له.
ثم قال: ﴿فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُواْ مِنَ المهلكين﴾.

أي: فكذب فرعون وملاؤه موسى وهارون فكانوا ممن أهلكهم الله. كما أهلك من قبلهم من الأمم بتكذيبها رسله.
ثم قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى الكتاب لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾.
أي: ولقد أعطينا موسى التوراة ليهتدي بها بنو إسرائيل ويعملوا بما فيها، ﴿وَجَعَلْنَا ابن مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً﴾ أي: حجة لنا ودلالة على قدرتنا على/ إنشاء الأجسام من غير أصل، كما أنشأنا خلق عيسى من غير أب. وقال آية، لم يقل آيتين، لأن الآية فيهما واحدة.
وقيل في الكلام حذف، مثل والله ورسوله أحق أن يرضوه. تقديره: وجعلنا ابن مريم آية وأمة آية، ثم حذف إحدى الآيتين لدلالة الباقية عليها. فالآية في مريم، ولادتها من غير ذكر، والآية في عسى، إحياؤه الموتى، وإبراؤه الأكمة والأبرص وإخراجه من الطين طيراً يطير وكل بإذن الله جلّ ذكره.
ثم قال: ﴿وَآوَيْنَاهُمَآ إلى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾ أي وضممناهما إلى ربوة، أي إلى مكان مرتفع عما حوله.
قال أبو هريرة هي الرملة من فلسطين. " وروي أن النبي ﷺ قال: هي الرملة

" وقال ابن المسيب هي دمشق، وقاله ابن عباس وقال قتادة هي بيت المقدس.
وكان كعب يقول بيت المقدس أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلاً.
وقال وهب بن منبه هي مصر وكذلك قال ابن زيد عن أبيه زيد. قال ابن زيد: الربوة من ربا مصر. وليس الربا إلا بمصر والماء يرسل فتكون الربا عليها القرى ولولا الربا لغرقت تلك القرى.
قال ابن جبير الربوة: النشرز من الأرض.
وقال الضحاك: ما ارتفع من الأرض.
وقال ابن عباس: الربوة المستوى، وكذلك قال مجاهد. وقوله: ﴿ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾ أي: ذات أرض منبسطة وساحة واسعة وذات ماء طاهر لعين الناظر.

قال ابن عباس " ومعين " هو الماء الجاري، وهو النهر الذي قال الله: ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً﴾ ".
وقال الضحاك: " ومعين " الماء الظاهر.
وقال قتادة ذات قرار أي ثمار " ومعين " وماء وهي بيت المقدس.
وقوله: " ومعين " هي فعيل بمعنى مفعول على قول من جعله لما يرى بالعين فالميم زائدة.
وقيل: هو فعيل بمعنى مفعول والميم أصلية.
قال علي بن سليمان: يقال معن الماء إذا جرى وكثر، فهو معهين وممعون.
وحكى ابن الأعرابي: معن الماء يمعن: إذا جرى وسهل وأمعن أيضاً.
وقيل: يجوز أن يكون فعيلاً من المعنى مشتقاً من الماعون والمعنى في اللغة: الشيء القليل، والماعون، فاعول وهو الزكاة، مشتق أيضاً من المعن، سميت الزكا.