آيات من القرآن الكريم

وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ
ﯧﯨﯩﯪﯫ ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ

العبادة في شيء أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ أن يطلب الفضل عليكم ويرأسكم، كقوله تعالى وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ. بِهذا إشارة إلى نوح عليه السلام، أو إلى ما كلهم به من الحث على عبادة الله، أى: ما سمعنا بمثل هذا الكلام، أو بمثل هذا الذي يدعى وهو بشر أنه رسول الله، وما أعجب شأن الضلال لم يرضوا للنبوّة ببشر وقد رضوا للإلهية بحجر: وقولهم ما سَمِعْنا بِهذا يدل على أنهم وآباؤهم كانوا في فترة متطاولة. أو تكذبوا في ذلك لانهماكهم في الغى، وتشمرهم لأن يدفعوا الحق بما أمكنهم وبما عنّ لهم، من غير تمييز منهم بين صدق وكذب. ألا تراهم: كيف جننوه وقد علموا أنه أرجح الناس عقلا وأوزنهم قولا. والجنة:
الجنون أو الجنّ، أى: به جنّ يخبلونه حَتَّى حِينٍ أى احتملوه واصبروا عليه إلى زمان، حتى ينجلي أمره عن عاقبة، فإن أفاق من جنونه وإلا قتلتموه.
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٢٦ الى ٣٠]
قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (٢٦) فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٢٧) فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٨) وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٢٩) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (٣٠)
في نصرته إهلاكهم، فكأنه قال: أهلكهم بسبب تكذيبهم إياى، أو انصرني بدل ما كذبوني، كما تقول: هذا بذاك، أى بدل ذاك ومكانه. والمعنى: أبدلنى من غمّ تكذيبهم، سلوة النصرة عليهم. أو انصرني بإنجاز ما وعدتهم من العذاب، وهو ما كذبوه فيه حين قال لهم إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ. بِأَعْيُنِنا بحفظنا وكلاءتنا، كأن معه من الله حفاظا يكلئونه بعيونهم، لئلا يتعرض له ولا يفسد عليه مفسد عمله. ومنه قولهم عليه من الله عين كالئة وَوَحْيِنا أى نأمرك كيف تصنع ونعلمك. روى أنه أوحى إليه أن يصنعها على مثال جؤجؤ الطائر. روى أنه قيل لنوح عليه السلام: إذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب أنت ومن معك في السفينة، فلما نبع الماء من التنور أخبرته امرأته فركب. وقيل: كان تنور آدم عليه السلام، وكان من حجارة، فصار إلى نوح. واختلف في مكانه، فعن الشعبي: في مسجد الكوفة عن يمين الداخل مما يلي باب كندة، وكان نوح عمل السفينة وسط المسجد. وقيل:

صفحة رقم 183

بالشام بموضع يقال له عين وردة. وقيل بالهند. وعن ابن عباس رضى الله عنه: التنور وجه الأرض. وعن قتادة: أشرف موضع في الأرض، أى أعلاه. وعن على رضى الله عنه: فار التنور: طلع الفجر. وقيل: معناه أن فوران التنور كان عند تنوير الفجر. وقيل: هو مثل، كقولهم: حمى الوطيس. والقول هو الأوّل. يقال: سلك فيه: دخله. وسلك غيره، وأسلكه. قال:
حتّى إذا أسلكوهم في قتائده «١»
مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ من كل أمّتى زوجين، وهما أمة الذكر وأمّة الأنثى، كالجمال والنوق، والحصن والرماك اثْنَيْنِ واحدين مزدوجين، كالجمل والناقة، والحصان والرمكة: روى أنه لم يحمل إلا ما يلد ويبيض. وقرئ: من كل، بالتنوين، أى: من كل أمّة زوجين. واثنين:
تأكيد وزيادة بيان.
جيء بعلى مع سبق الضارّ، كما جيء باللام مع سبق النافع. قال الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى، وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ ونحوه قوله تعالى لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ وقول عمر رضى الله عنه: ليتها كانت كفافا، لا علىّ ولا لي. فإن قلت:
لم نهاه عن الدعاء لهم بالنجاة؟ قلت: لما تضمنته الآية من كونهم ظالمين، وإيجاب الحكمة أن يغرقوا لا محالة، لما عرف من المصلحة في إغراقهم، والمفسدة في استبقائهم، وبعد أن أملى لهم الدهر المتطاول فلم يزيدوا إلا ضلالا، ولزمتهم الحجة البالغة لم يبق إلا أن يجعلوه عبرة للمعتبرين. ولقد بالغ في ذلك حيث أتبع النهى عنه، الأمر بالحمد على هلاكهم والنجاة منهم، كقوله فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، ثم أمره أن يدعوه بدعاء هو أهم وأنفع له، وهو طلب أن ينزله في السفينة أو في الأرض عند خروجه منها، منزلا يبارك له فيه ويعطيه الزيادة في خير الدارين، وأن يشفع الدعاء بالثناء عليه المطابق لمسألته، وهو قوله وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ. فإن قلت: هلا قيل: فقولوا، لقوله فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ

(١).
حتى إذا أسلكوهم في قتائده شلا كما تطرد الجمالة الشرد
لعبد مناف بن ربع الهذلي، يصف قوما أغير عليهم فدفعوا العدو حتى أدخلوه في قتائده، وهي ثنية بعينها، أو عقبه بعينها، أى: في طرائقها. وسلكه في كذا وأسلكه أيضا كما هنا: أدخله فيه. وروى: سلكوهم أيضا. وشلا:
أى طردا نصب بسلوكهم، لأن فيه معنى طردوهم: وإذا: حرف زائد لا جواب له، لأن البيت آخر القصيد كما في الصحاح. وقيل «شلا» هو جوابه، فهو نصب بمحذوف، أى: حبسوا بها حبسا، لكن لا يلائم التشبيه في قوله «كما تطرد» إلا أن يرجع لسلوكهم. والجمالة: جمع جمال وهو صاحب الجمل. والشرد- بفتحتين-: الإبل المنتشرة، أو بضمتين: جمع شرود كعروس.

صفحة رقم 184
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية