آيات من القرآن الكريم

وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ
ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ

ثم بين السبب فيما نالهم من العذاب فقال:
(إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ: رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) أي إن فريقا من عبادى ممن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فى الدنيا يقولون:
ربنا آمنا بك وبرسلك وبما جاءوا به من لدنك، فاستر زلّاتنا، وآمن روعاتنا، ولا تخزنا يوم العرض، ولا تعذبنا بعذابك، فإنك أرحم من رحم أهل البلاء.
(فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ) أي فتشاغلتم بهم، ساخرين منهم، ودأبتم على هذا، حتى نسيتم ذكرى، ولم تخافوا عقابى، وكنتم تضحكون منهم استهزاء بهم.
والخلاصة- إنكم أضفتم إلى سيئاتكم، الاستهزاء بمن يفعلون الحسنات، ويتقربون إلى رب الأرض والسموات، روى أنها نزلت فى كفار قريش وقد كانوا يستهزئون بالفقراء من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كبلال وعمار وصهيب.
ونحو الآية قوله: «إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ».
ثم ذكر ما جازى به أولئك المستضعفين فقال:
(إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ) أي إنى جزينهم بصبرهم على الأذى والسخرية بهم- بالفوز بالنعيم المقيم.
والخلاصة- إنهم صبروا فجوزوا أحسن الجزاء.
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ١١٢ الى ١١٨]
قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (١١٢) قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ (١١٣) قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١٤) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (١١٥) فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (١١٦)
وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (١١٧) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١١٨)

صفحة رقم 60

تفسير المفردات
اللبث: الإقامة، العادّين: الحفظة العادين لأعمال العباد وأعمارهم، والعبث: ما خلا من الفائدة الحق: أي الثابت الذي لا يبيد ولا يزول ملكه، والعرش: هو مركز تدبير العالم، ووصفه بالكريم لشرفه، وكل ما شرف فى جنسه يوصف بالكرم كما فى قوله: «وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ» وقوله: «وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً» يدعو: يعبد، حسابه: أي جزاؤه.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر إنكارهم للبعث وأنهم لا يعترفون بحياة إلا ما كان فى هذه الدنيا، وأنه بعد الفناء لا حياة ولا إعادة- ذكر هنا أنهم بعد أن يستقروا فى النار ويوقنوا أنهم مخلدون فيها أبدا، يسألون سؤال تقريع وتوبيخ عن مدة لبثهم فى الأرض، ليستبين لهم أن ما ظنوه أمدا طويلا يسير بالنسبة إلى ما أنكروه، وحينئذ يزدادون حسرة وألما على ما كانوا يعتقدون فى الدنيا حين رأوا خلاف ما ظنوا، ثم بين بعدئذ ما هو كالدليل على وجود البعث، وهو تمييز المطيع من العاصي، ولولاه لكان خلق العالم عبثا، تنزه ربنا عن ذلك. ثم أتبع هذا بالرد على من أشرك معه غيره، وأنذره بالعذاب الأليم، ثم أمر رسوله أن يطلب منه غفران الذنوب، وأن يثنى عليه بما هو أهله.

صفحة رقم 61

الإيضاح
(قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ؟) أي قال الملك المأمور بسؤالهم: كم لبثتم فى الأرض أحياء؟.
(قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) فقد نسى هؤلاء الأشقياء مدة لبثهم فى الدنيا، لعظيم ما هم فيه من البلاء والعذاب، وقصّر عندهم الأمد الذي مكثوه فيها، ما حل بهم من نقمة الله، حتى حسبوا أنهم لم يمكثوا إلا يوما أو بعض يوم، ولعل بعضهم يكون قد أقام بها الزمان الطويل والسنين الكثيرة.
(فَسْئَلِ الْعادِّينَ) أي فاسأل الحفظة العارفين لأعمال العباد وأعمارهم كما روى ذلك جماعة عن مجاهد.
(قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أي قال لهم الملك: ما لبثتم إلا زمنا يسيرا، ولو كنتم تعلمون شيئا من العلم لعملتم على مقتضى ذلك، ولما صدر منكم ما أوجب خلودكم فى النار، ولما قلنا لكم «اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ».
روى مرفوعا «إن الله تعالى إذا أدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار قال:
يا أهل الجنة كم لبثتم فى الأرض عدد سنين؟ قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم، قال: لنعم ما أنجزتم فى يوم أو بعض يوم رحمتى ورضوانى وجنتى، امكثوا فيها خالدين مخلدين، ثم يقول يا أهل النار. كم لبثتم فى الأرض عدد سنين؟ قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم، فيقول بئسما أنجزتم فى يوم أو بعض يوم نارى وسخطى، امكثوا فيها خالدين مخلدين»

: ثم زاد فى توبيخهم على تماديهم فى الغفلة وتركهم النظر الصحيح فيما يرشد إلى حقية البعث والقيامة فقال:
(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) أي أظننتم أيها الأشقياء أنا إنما خلقناكم إذ خلقناكم لعبا وباطلا؟ كلا، بل خلقناكم لنهذبكم ونعلمكم، لترتقوا إلى عالم أرقى مما أنتم فيه، لا كما ظننتم أنكم لا ترجعون إلينا للحساب والجزاء.

صفحة رقم 62

وفى هذا إشارة إلى أن الحكمة تقتضى تكليفهم وبعثهم لمجازاتهم على ما قدموا من عمل، وأسلفوا من سعى فى الحياة الدنيا.
ثم نزه الله نفسه عما يصفه به المشركون فقال:
(فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) أي تنزه ربنا ذو الملك والملكوت الذي لا يزول، وليس هناك معبود سواه، وهو ذو العرش الكريم الذي يدبر فيه نظام الكون علويّه وسفليّه وجميع ما خلق عن أن يخلق الخلق عبثا، وأن تخلوا أفعاله عن الحكم والمقاصد الحميدة، وأن يكون له ولد أو شريك.
وبعد أن ذكر أنه الملك الحق الذي لا إله إلا هو- أتبعه ببيان أن من ادعى أن فى الكون إلها سواه فقد ادعى باطلا، وركب شططا فقال:
(وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ) أي ومن يعبد مع ذلك المعبود الذي لا تصلح العبادة إلا له، معبودا آخر لا بيّنة له به، فحزاؤه عند ربه، وهو موفيه ما يستحقه من جزاء وعقاب.
وفى ذلك من شديد التوبيخ والتقريع ما لا يخفى.
(إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) أي إنه لا يسعد أهل الشرك، ولا ينجيهم من العذاب.
وما ألطف افتتاح السورة بفلاح المؤمنين، وختمها بخيبة الكافرين، وعدم فوزهم بما يؤملون!.
وبعد أن شرح أحوال الكافرين وجهلهم فى الدنيا وعذابهم فى الآخرة، أمر رسوله بالانقطاع إليه، والالتجاء إلى غفرانه ورحمته بقوله:
(وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) أي وقل أيها الرسول: رب استر على ذنوبى بعفوك عنها، وارحمني بقبول توبتى وترك عقابى على ما اجترحت من آثام وأوزار، وأنت ربّنا خير من رحم ذا ذنب، فقبل توبته وتجاوز عن عقابه إنك ربنا خير غافر، وإنك المتولى للسرائر، والمرجوّ لإصلاح الضمائر، وصلّ ربّنا على محمد وآله.

صفحة رقم 63

أخرج البخاري ومسلم والترمذي وابن حبان فى جماعة عن أبى بكر أنه قال «يا رسول الله علّمنى دعاء أدعو به فى صلاتى قال: قل اللهم إنى ظلمت نفسى ظلما كثيرا، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لى مغفرة من عندك، وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم».
خلاصة ما تضمنته السورة من الحكم والأحكام والآداب
(١) فوز المؤمنين ذوى الصفات الفاضلة بدخول الجنات خالدين فيها أبدا.
(٢) ذكر حال النشأة الأولى.
(٣) خلق السموات السبع وإنزال المطر من السماء وإنشاء الجنات من النخيل والأعناب وذكر منافع الحيوان للإنسان.
(٤) قصص بعض الأنبياء كنوح وشعيب وموسى وهرون وعيسى عليهم السلام ثم أمرهم جميعا بأكل الطيبات وعمل الصالحات.
(٥) لا يكلف الله عباده إلا بما فيه يسر وسجاحة.
(٦) وصف ما يلقاه الكافرون من النكال والوبال يوم القيامة وتأنيبهم على عدم الإيمان بالرسول، وتفنيد المعاذير التي اعتذروا بها.
(٧) ذكر ما أنعم به على عباده من الحواس والمشاعر.
(٨) إنكار المشركين للبعث والجزاء والحجاج على إثبات ذلك.
(٩) النعي على من أثبت الولد والشريك لله.
(١٠) دعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم ربه ألا يجعله فى القوم الظالمين حين عذابهم.

صفحة رقم 64

(١١) تعليم نبيه صلّى الله عليه وسلّم الأدب فى معاملة الناس، وأمره أن يدعوه بدفع همزات الشياطين عنه.
(١٢) طلب الكفار العودة إلى الدنيا حين رؤية العذاب، لعلهم إذا عادوا عملوا صالحا.
(١٣) وصف أهوال يوم القيامة وبيان ما فيها من الشدائد.
(١٤) أوصاف السعداء والأشقياء.
(١٥) تأنيب الكافرين على طلبهم العودة إلى الدنيا وزجرهم على هذا الطلب.
(١٦) سؤال المشركين عن مدة لبثهم فى الدنيا، وبيان أنهم ينسون ذلك.
(١٧) النعي على من عبد مع الله إلها آخر.
وصلّى الله على سيدنا محمد النبي الأمى وعلى آله وصحبه وسلم.

صفحة رقم 65
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية