آيات من القرآن الكريم

وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ
ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ

بقوتهم، وقد تضمنت تقريعا لاذعا على حسبانهم أن لا حياة وراء حياتهم الدنيوية وأن لا حكمة وغاية وراء وجود الكون. واستهدفت ما استهدفته سابقاتها من إثارة خوفهم وارعوائهم فضلا عن توكيدها حقيقة الآخرة الإيمانية واتساقها مع الحكمة والعدل والحق.
ولقد أورد ابن كثير في سياق تفسير هذه الآيات حديثا أخرجه ابن أبي حاتم عن أيفع بن عبد الكلاعي قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ الله إذا أدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار قال يا أهل الجنة لم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قال لنعم ما أنجزتم في يوم أو بعض يوم. رحمتي ورضواني وجنتي امكثوا فيها خالدين مخلدين. ثم قال يا أهل النار لم لبثتم في الأرض عدد سنين. قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فيقول بئس ما أنجزتم في يوم أو بعض يوم.
ناري وسخطي امكثوا فيهما خالدين مخلّدين»
.
وينطوي في الحديث تبشير وإنذار نبويان متساوقان مع الهدف القرآني الذي نوّهنا به كما هو المتبادر.
ومع ما ذكرناه من صلة الآيات وهدفها ففيها وبخاصة في الآيتين الأخيرتين فيهما تلقين مستمرّ المدى موجه إلى الناس عامة في كل ظرف ومكان ليرعووا ويتّعظوا ويتجهوا نحو الله عز وجل مما تكرر وعرف منه أمثلة عديدة.
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ١١٧ الى ١١٨]
وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (١١٧) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١١٨)
. في الآية الأولى إنذار لكل من يدعو مع الله إلها آخر ويشركه معه في الاتجاه والعبادة بدون برهان. فحسابه عند ربه ولن يلقى فلاحا. وفي الآية الثانية أمر للنبي ﷺ بأن يطلب من الله الغفران والرحمة ويقرر له صفته الكمالية في الرحمة وكونه خير الراحمين.
وقد جاءت الآية الأولى كخاتمة للسياق السابق الذي حكى فيه مواقف الكفار

صفحة رقم 338

وأقوالهم وأنذرهم وأوعدهم. كما جاءت هي والآية الثانية خاتمة لآيات السورة.
وطابع الختام المألوف في كثير من السور السابقة ظاهر عليهما أيضا. والآية الأخيرة ذات مغزى رائع في مقامها وإطلاقها.
ومن تحصيل الحاصل أن يقال إن تعبير لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ [١١٧] لا يمكن أن يعني أن هناك شركا قد يكون قائما على برهان وسائغا. وإنما هو تعبير أسلوبي يتضمن نفي قيام أي برهان على ذلك أولا والتشديد في التنديد لأن شرك المشركين لا يستند إلى أي تعليل في أية شبهة من حقّ ومنطق ثانيا. وقد تكرر هذا الأسلوب كثيرا ومرّت منه أمثلة عديدة.

صفحة رقم 339
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية