
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ١ الى ١١]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (٢) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (٣) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (٤)وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (٥) إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٦) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (٧) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (٨) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ (٩)
أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ (١٠) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١١)
تفسير المفردات
الفلاح: الظفر بالمراد، وأفلح: دخل فى الفلاح كأبشر دخل فى البشارة، والمؤمن: هو المصدّق بما جاء عن ربه على لسان نبيه من التوحيد والنبوة والبعث والجزاء، والخاشع: هو الخاضع المتذلل مع خوف وسكون للجوارح، واللغو: هجر القول وقبيحه، والزكاة: تزكية النفس وطهارتها بفعل العبادة المالية. والفرج: سوءة الرجل والمرأة، وحفظه: التعفف عن الحرام، وابتغى: طلب، وراء ذلك: أي غير ذلك، والعادون: أي المتناهون فى العدوان ومجاوزة الحدود الشرعية، والأمانات:
واحدها أمانة، وهى ما ائتمن المرء عليه من قبل الله كالتكاليف الشرعية أو من قبل الناس كالأموال المودعة لديه والنذور والعقود ونحوها، والعهد: ما عقده الإنسان على نفسه مما يقربه إلى ربه، وما أمر به الله كما قال: «الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا» والرعي: الحفظ. والراعي: القائم على الشيء لحفظه وإصلاحه، يحافظون: أي يواظبون عليها، والفردوس: أعلى الجنة. صفحة رقم 4

الإيضاح
حكم الله سبحانه بالفلاح لمن كان جامعا لخصال سبع من خصال الخير:
(١) الإيمان (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) أي فاز وسعد المصدّقون بالله ورسله واليوم الآخر.
(٢) الخشوع فى الصلاة (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) أي الذين هم مخبتون لله أذلاء منقادون له خائفون من عذابه،
روى الحاكم أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يصلى رافعا بصره إلى السماء، فلما نزلت هذه الآية رمى ببصره إلى نحو مسجده
أي موضع سجوده، والخشوع واجب على المرء فى الصلاة لوجوه:
(١) للتدبر فيما يقرأ كما قال: «أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها» والتدبر لا يكون بدون الوقوف على المعنى كما قال: «وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا» أي لتقف على عجائب أسراره وبديع حكمه وأحكامه.
(ب) لتذكر الله والخوف من وعيده كما قال: «أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي».
(ج) إن المصلى يناجى ربه، والكلام مع الغفلة ليس بمناجاة البتة، ومن ثم قالوا: صلاة بلا خشوع جسد بلا روح، وجمهور العلماء على أن الخشوع ليس شرطا للخروج من عهدة التكليف وأداء الواجب، وإنما هو شرط لحصول الثواب عند الله وبلوغ رضوانه.
(٣) الإعراض عن اللغو (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) أي والذين يعرضون عن كل ما لا يعنيهم، وعن كل كلام ساقط حقّه أن يلغى كالكذب والهزل والسب، إذ لهؤلاء من الجدّ ما يشغلهم، فهم فى صلاتهم معرضون عن كل شى إلا عن خالقهم، وفى خارجها معرضون عن كل ما لا فائدة فيه، فهم متجهون للجد وصالح العمل، فهم قد استفادوا من خشوع الصلاة درسا انتفعوا منه بعدها، وتخلقوا بأخلاق للنبيين والصديقين.

(٤) تطهيرهم لأنفسهم بأداء الزكاة (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ) أي والذين هم لأجل طهارة أنفسهم وتزكيتها يؤدون المفروض للفقير والمسكين كما قال: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها» وقال: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى» (٥) حفظ الفرج (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) أي والذين يحفظون فروجهم فى كافة الأحوال إلا فى حال تزوجهم أو تسرّيهم (قربان الأمة بالملك) فإنهم حينئذ يكونون غير ملومين، والمراد بهذا الوصف مدحهم بنهاية العفة والإعراض عن الشهوات.
(فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) أي فمن طلب غير أربع من الحرائر وما شاء من الإماء فأولئك هم المتناهون فى العدوان والمتعدّون لحدود الله.
(٦) رعاية الأمانة والعهد (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) أي والذين إذا ائتمنوا لم يخونوا، بل يؤدون الأمانة لأهلها، وإذا عاهدوا أو عاقدوا أوفوا بما عاهدوا عليه، إذ الخيانة وخلف العهد من صفات المنافقين كما
جاء فى الحديث: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذ ائتمن خان»
وقصارى ذلك- إنهم يؤدون ما ائتمنوا وعوهدوا عليه من الرب أو العبد كالتكاليف الشرعية والأموال المودعة والعقود التي عاقدوا الناس عليها.
(٧) المحافظة على الصلوات (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ) أي والذين يواظبون عليها على أكمل وجه فى الأوقات التي رسمها الدين،
روى عن ابن مسعود أنه قال: «سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت يا رسول الله: أىّ العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت ثم أىّ؟ قال: بر الوالدين قلت ثم أىّ؟ قال:
الجهاد فى سبيل الله» رواه الشيخان.
وقد افتتح سبحانه هذه الصفات الحميدة بالصلاة واختتمها بالصلاة، دلالة على عظيم فضلها، وكبير مناقبها،
وقد ورد فى الحديث: «اعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن».