آيات من القرآن الكريم

ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۖ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ
ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ

وقوله ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ مضى تفسيره في هذه السورة.
﴿وَلَا هُدًى﴾ قال ابن عباس: ليس معه من ربه رشاد ولا بيان ﴿وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ﴾ له نور (١).
٩ - وقوله: ﴿ثَانِيَ عِطْفِهِ﴾ يقال: ثنيت الشيء، إذا حنيته (٢) وعطفته (٣).
ذكرنا ذلك في قوله: ﴿يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ [هود: ٥].
والعِطْفُ: الجانب (٤). وعِطْفَا الرجل: ناحيتاه عن يمين وشمال، ومنكب الرجل: عطفه وإبطه.
قال ابن الإعرابي: عطف كل إنسان ودابة: شقاه من لَدُنْ رأسه إلى وركيه (٥).
وأصله من العطف، وهو: اللي، والعطف: الموضع الذي يعطفه الإنسان، أي: يلويه ويميله عند الإعراض والانحراف عن الشيء (٦).

(١) قال الشنقيطي في "أضواء البيان" ٥/ ٤٠: قال بعض العلماء في قوله في هذه الآية الكريمة "بغير علم" أي بدون علم ضروري حاصل لهم بما يجادلون به "ولا هدى" أي استدلال ونظر عقلي يهتدي به العقل للصواب "ولا كتاب منير" أي وحي نّير واضح يعلم به ما يجادل به، فليس عنده علم ضروري، ولا علم مكتسب بالنظر الصحيح العقلي، ولا علم من وحي، فهو جاهلٌ محضٌ من جميع الجهات.
(٢) في (أ): (حسه)، مهملة.
(٣) "تهذيب اللغة" للأزهري ١٥/ ١٣٤ (ثنى) بنصِّه.
(٤) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٤٧ ب.
(٥) من قوله: وعطفا الرجل... إلى هنا، نقلاً عن "تهذيب اللغة" للأزهري ٢/ ١٨٠ (عطف).
(٦) انظر: (عطف) في: "الصحاح" للجوهري ٤/ ١٤٠٥، "لسان العرب" ٩/ ٢٥٠ - ٢٥١، "القاموس المحيط" ٣/ ١٧٦.

صفحة رقم 278

واختلفت (١) عبارة المفسرين في تفسير قوله ﴿ثَانِيَ عِطْفِهِ﴾:
قال ابن عباس: مستكبرًا في نفسه (٢).
وقال الضحاك: شامخًا (٣) بأنفه (٤).
وقال مجاهد وقتادة: لاويًا عنقه (٥).
وقال ابن زيد والعوفي: معرضًا عما يُدعى إليه كبرًا (٦).
ونحوه (٧). قال ابن جريج (٨).
وقال السدي: معرضًا من العظمة ينظر في جانب واحد (٩).
وهذه الألفاظ تعود إلى معنى واحد وهو الإعراض والتكبر.

(١) في (أ): (واختلف).
(٢) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٤٧ ب.
ورواه الطبري ١٧/ ١٢١ وإسناده حسن، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٣ وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٣) في (ظ): (سافحًا)، وهو خطأ.
(٤) ذكره عنه الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٤٧ ب.
(٥) ذكره عنهما الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٤٧ ب. ورواه عن مجاهد الطبري ١٧/ ١٢١.
ورواه عن قتادة عبد الرزاق ٢/ ٣٣، والطبري ١٧/ ١٢١. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٢ وعزاه لابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٦) ذكره عنهما الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٤٧ ب.
وعن ابن زيد رواه الطبري ١٧/ ١٢١، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٢. وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم.
وعن العوفي رواه الطبري ١٧/ ١٢١ من طريق العوفي عن ابن عباس.
(٧) في (ظ): (ونحو ما قال)، وفي (د)، (ع): (ونحو قال).
(٨) ذكره عنه الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٤٧ ب. ورواه الطبري ١٧/ ١٢١.
(٩) ذكر السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٢ عن قتادة مثل هذا القول.

صفحة رقم 279

قال أبو إسحاق: وهذا يوصف به المتكبر. والمعنى: ومن الناس من يجادل في الله متكبرًا (١) (٢).
وقال المبرد: ﴿ثَانِيَ عِطْفِهِ﴾ عبارة عن التكبر والتهاون. تقول العرب: أتانا فلان ثاني عطفه وثاني جيده وشماخًا بأنفه. وأنشد (٣):
يَهْدِي إلى خَنَاهُ ثاني الجيد (٤)
أي: متهاونًا. قال: والعطف ما انعطف من العنق والمنكبين. وسمي الرداء العطاف؛ لأنه يقع في ذلك الموضع (٥).
وانتصب "ثاني" على الحال، والتنوين فيه مقدر، والإضافة في تقدير

(١) في (أ): (مكبرا).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤١٤.
(٣) في (أ) زيادة: (فقال قوله وأنشد).
(٤) هذا عجز بيت للشمَّاخ من قصيدة يهجو بها الربيع بن علباء السلمي، وصدره:
نبئت أن ربيعًا إن رعى إبلا
وهو في "ديوانه" ص ١١٥، و"مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٤٦، و"المعاني الكبير" لابن قتيبة ١/ ٤٩٦، و"الكامل" للمبرد ١/ ١٠، ٢/ ٤٠٣ و"الاقتضاب" للبطليوسي ٣/ ٤١١. قال ابن قتيبة في المعاني: أي صارت له إبل يرعاها، أرادك أن استغنى واستطال بذلك.
"ثاني الجيد" أي رخي البال غير مكنز.
وقال البطليوسي: يقول لما كثرت إبله وحسنت حاله أبطرته النعمة. وقيل معناه: أنا نغزوه في أيام الربيع حين يهيج الحيوان وطلب السفاد، وفي ذلك الوقت يغزو بعضهم بعضا.
(٥) انظر: "الكامل" للمبرّد ١/ ١٠، ٢/ ٤٠٣ ففيه نحو من هذا، وفيه البيت.
وفي "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ٣٨٢ عن المبرد: العطف: ما انثنى من العنق... الموضع.

صفحة رقم 280

الانفصال (١)، كما ذكرنا في قوله: ﴿بَالِغَ الْكَعْبَةِ﴾ [المائدة: ٩٥] و ﴿غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ﴾ [المائدة: ١] ومواضع أخرى (٢).
ومثل قوله ﴿ثَانِيَ عِطْفِهِ﴾ في المعنى قوله: ﴿لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ﴾ [المنافقون: ٥] الآية
وقوله ﴿لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [قال ابن عباس: عن طاعة الله (٣) (٤).
والمعنى: يجادل في الله بغير علم مستكبرًا لاويًا عنقه ليضل عن سبيل الله] (٥) ويذهب عنه لا (٦) أنّ له على ما يجادل فيه محجة أو دلالة (٧) أو لديه فيه بيانًا. ومثل هذا في المعنى قوله ﴿إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٥٤) لِيَكْفُرُوا﴾ (٨) [النحل: ٥٤. ٥٥] فيمن جعل اللام الجارة، أي أشركوا ليكفروا بما بيناه لهم، لا لأنَّ (٩) لهم على ذلك حجة وبيانًا.
وقوله: ﴿لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ﴾ قال ابن عباس: يريد الذي (١٠) أصابه يوم بدر (١١).

(١) انظر: "المعاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤١٤.
(٢) عند قوله تعالى ﴿ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾ [النساء: ٩٧].
(٣) لفظ الجلالة لم يرد في (أ).
(٤) ذكره القرطبي ١٢/ ١٣ من غير نسبة لأحد.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ).
(٦) في (ظ): (إلا)، وهو خطأ.
(٧) (أو دلالة): ساقط من (أ).
(٨) في (ظ): (يكفرون) بدلا من (يشركون)، وهو خطأ.
(٩) في (أ): (أنَّ).
(١٠) بعد قوله: (الذي) يبدأ المفقود من نسخة الظاهرية (ظ) ومقداره صفحتان.
(١١) ذكره عنه الرازي ٢٣/ ١٢، وانظر: "تنوير المقباس" ص ٢٠٦.

صفحة رقم 281
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية