آيات من القرآن الكريم

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ

﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (٦٥) وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الإنْسَانَ لَكَفُورٌ (٦٦) ﴾.

صفحة رقم 449

وَهَذَا أَيْضًا مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى قُدْرَتِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ، فَإِنَّهُ يُرْسِلُ (١) الرِّيَاحَ، فَتُثِيرُ سَحَابًا، فَيُمْطِرُ عَلَى الْأَرْضِ الجُرُز الَّتِي (٢) لَا نَبَاتَ فِيهَا، وَهِيَ هَامِدَةٌ يَابِسَةٌ سَوْدَاءُ قَحْلَةٌ، ﴿فَإِذَا أَنزلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ﴾ [الْحَجِّ: ٥].
وَقَوْلُهُ: ﴿فَتُصْبِحُ الأرْضُ مُخْضَرَّةً﴾، الْفَاءُ هَاهُنَا لِلتَّعْقِيبِ، وَتَعْقِيبُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ، كَمَا قَالَ: ﴿خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: ١٤]، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: "أَنَّ بَيْنَ كُلِّ شَيْئَيْنِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا" وَمَعَ هَذَا هُوَ مُعَقَّبٌ (٣) بِالْفَاءِ، وَهَكَذَا هَاهُنَا قَالَ: ﴿فَتُصْبِحُ الأرْضُ مُخْضَرَّةً﴾ أَيْ: خَضْرَاءَ بَعْدَ يُبْسِهَا ومُحُولها (٤).
وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ (٥) الْحِجَازِ: أَنَّهَا تُصْبِحُ عَقِبَ الْمَطَرِ خَضْرَاءَ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾ أَيْ: عَلِيمٌ بِمَا فِي أَرْجَاءِ الْأَرْضِ وَأَقْطَارِهَا وَأَجْزَائِهَا مِنَ الْحَبِّ وَإِنْ صَغُرَ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، فَيُوَصِّلُ إِلَى كُلٍّ مِنْهُ قِسْطَهُ مِنَ الْمَاءِ فَيُنْبِتُهُ بِهِ، كَمَا قَالَ لُقْمَانُ: ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾ [لُقْمَانَ: ١٦]، وَقَالَ: ﴿أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ﴾ [النَّمْلِ: ٢٥]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [الْأَنْعَامِ: ٥٩]، وَقَالَ ﴿وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ﴾ الْآيَةَ [يُونُسَ: ٦١] ؛ وَلِهَذَا قَالَ أُمَيَّةُ بْنُ [أَبِي] (٦) الصَّلْتِ-أَوْ: زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفيل-فِي قَصِيدَتِهِ:
وَقُولا لَه: مَن يُنْبِتُ الحبَّ فِي الثَّرَى... فَيُصبحَ منْهُ البَقْلُ يَهْتَزُّ رَابيَا؟...

ويُخْرجُ منْهُ حَبَّه في رُؤُوسه فَفي ذَاك آيَاتٌ لمَنْ كَانَ وَاعيا (٧)
وَقَوْلُهُ: ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ أَيْ: مُلْكُهُ جَمِيعُ الْأَشْيَاءِ، وَهُوَ غَنِيٌّ عَمَّا سِوَاهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ فَقِيرٌ إِلَيْهِ، عَبْدٌ لَدَيْهِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ﴾ أَيْ: مِنْ حَيَوَانٍ، وَجَمَادٍ، وَزُرُوعٍ، وَثِمَارٍ. كَمَا قَالَ: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾ [الْجَاثِيَةِ: ١٣] أَيْ: مِنْ إِحْسَانِهِ وَفَضْلِهِ وَامْتِنَانِهِ، ﴿وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ﴾ أَيْ: بِتَسْخِيرِهِ وَتَسْيِيرِهِ، أَيْ: فِي الْبَحْرِ العَجَاج، وَتَلَاطُمِ الْأَمْوَاجِ، تَجْرِي الْفُلْكُ بِأَهْلِهَا (٨) بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ، وَرِفْقٍ وَتُؤَدَةٍ، فَيَحْمِلُونَ فِيهَا مَا شاءوا من تجائر وبضائع
(١) في أ: "وأنه مرسل".
(٢) في أ: "الذي".
(٣) في أ: "تعقيب".
(٤) في أ: "وقحوطا".
(٥) في هـ ت: "أرض" والمثبت من ف، أ.
(٦) زيادة من ف، أ.
(٧) انظر: السيرة النبوية لابن هشام (١/٢٢٨).
(٨) في أ: "بأمرها".

صفحة رقم 450
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
سامي سلامة
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1420
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية