آيات من القرآن الكريم

ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ
ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ

أَنْ يَتَأَوَّلُوا مَا يَتَشَابَهُ فِي الدِّينِ بِالتَّأْوِيلَاتِ الصَّحِيحَةِ وَيَطْلُبُوا مَا أَشْكَلَ مِنْهُ مِنَ الْمُجْمَلِ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْأُصُولُ الْمُحْكَمَةُ حَتَّى لَا تَلْحَقَهُمْ حَيْرَةٌ وَلَا تَعْتَرِيَهُمْ شُبْهَةٌ وَقُرِئَ (لَهَادٍ الَّذِينَ آمَنُوا) بِالتَّنْوِينِ، وَلَمَّا بَيَّنَ سُبْحَانَهُ حَالَ الْكَافِرِينَ أَوَّلًا ثُمَّ حَالَ الْمُؤْمِنِينَ ثَانِيًا عَادَ إِلَى شَرْحِ حَالِ الْكَافِرِينَ مَرَّةً أُخْرَى فَقَالَ: وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ أَيْ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ مِنَ الرَّسُولِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَعْصَارَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ لَا تَخْلُو مِمَّنْ هَذَا وَصْفُهُ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَيْ فَجْأَةً مِنْ دُونِ أَنْ يَشْعُرُوا ثُمَّ جَعَلَ السَّاعَةَ غَايَةً لِكُفْرِهِمْ، وَأَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ عِنْدَ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ عَلَى وَجْهِ الْإِلْجَاءِ. وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْيَوْمِ الْعَقِيمِ/ وَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا:
أَنَّهُ يَوْمُ بَدْرٍ وَإِنَّمَا وُصِفَ يَوْمُ الْحَرْبِ بِالْعَقِيمِ لِوُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ أَوْلَادَ النِّسَاءِ يُقْتَلُونَ فِيهِ فَيَصِرْنَ كَأَنَّهُنَّ عُقُمٌ لَمْ يَلِدْنَ وَثَانِيهَا: أَنَّ الْمُقَاتِلِينَ يُقَالُ لَهُمْ أَبْنَاءُ الْحَرْبِ فَإِذَا قُتِلُوا وُصِفَ يَوْمُ الْحَرْبِ بِالْعَقِيمِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَثَالِثُهَا: هُوَ الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ يُقَالُ رِيحٌ عَقِيمٌ إِذَا لَمْ تُنْشِئْ مَطَرًا وَلَمْ تُلَقِّحْ شَجَرًا وَرَابِعُهَا: أَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ فِي عِظَمِ أَمْرِهِ، وَذَلِكَ لِقِتَالِ الْمَلَائِكَةِ فِيهِ الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّمَا وُصِفَ بِالْعَقِيمِ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ فِيهِ خَيْرًا وَثَانِيهَا: أَنَّهُ لَا لَيْلَ فِيهِ فَيَسْتَمِرُّ كَاسْتِمْرَارِ الْمَرْأَةِ عَلَى تَعَطُّلِ الْوِلَادَةِ وَثَالِثُهَا: أَنَّ كُلَّ ذَاتِ حَمْلٍ تَضَعُ حَمْلَهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَكَيْفَ يَحْصُلُ الْحَمْلُ فِيهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ اللَّه تَعَالَى وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَكُونَ الْمُرَادُ يَوْمَ بَدْرٍ، لِأَنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ، فَإِنْ قِيلَ لَمَّا ذَكَرَ السَّاعَةَ. فَلَوْ حَمَلْتُمُ الْيَوْمَ الْعَقِيمَ عَلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَزِمَ التَّكْرَارُ قُلْنَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ السَّاعَةَ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْقِيَامَةِ وَالْيَوْمُ الْعَقِيمُ هُوَ نَفْسُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَعَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ لَمْ يَكُنْ تَكْرَارًا لَأَنَّ فِي الْأَوَّلِ ذَكَرَ السَّاعَةَ، وَفِي الثَّانِي ذَكَرَ عَذَابَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالسَّاعَةِ وَقْتَ مَوْتِ كُلِّ أَحَدٍ وَبِعَذَابِ يَوْمٍ عَقِيمٍ الْقِيَامَةَ.
أَمَّا قَوْلُهُ: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ فَمِنْ أَقْوَى مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْيَوْمَ الْعَقِيمَ هُوَ ذَلِكَ الْيَوْمُ وَأَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا مَالِكَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سِوَاهُ فَهُوَ بِخِلَافِ أَيَّامِ الدُّنْيَا الَّتِي مَلَّكَ اللَّه الْأُمُورَ غَيْرَهُ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمْ لَا حَاكِمَ سِوَاهُ وَذَلِكَ زَجْرٌ عَنْ مَعْصِيَتِهِ ثُمَّ بَيَّنَ كَيْفَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ، وَأَنَّهُ يُصَيِّرُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَالْكَافِرِينَ فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ وَصْفُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَإِنْ قِيلَ التَّنْوِينُ فِي (يَوْمَئِذٍ) عَنْ أَيِّ جُمْلَةٍ يَنُوبُ؟ قُلْنَا تَقْدِيرُهُ: الْمُلْكُ يَوْمَ يُؤْمِنُونَ أَوْ يَوْمَ تَزُولُ مِرْيَتُهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ.
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٥٨ الى ٦٢]
وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٥٨) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (٥٩) ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٦٠) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٦١) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٦٢)

صفحة رقم 242

[في قَوْلُهُ تَعَالَى وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا] اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْمُلْكَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَنَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ وَيُدْخِلُ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّاتِ أَتْبَعَهُ بِذِكْرِ وَعْدِهِ الْكَرِيمِ لِلْمُهَاجِرِينَ، وَأَفْرَدَهُمْ بِالذِّكْرِ تَفْخِيمًا لِشَأْنِهِمْ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ مَنْ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ طَالِبًا لِنُصْرَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَرُّبًا إِلَى اللَّه تَعَالَى، وَقَالَ آخَرُونَ بَلِ الْمُرَادُ مَنْ جَاهَدَ فَخَرَجَ مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ فِي سَرَايَاهُ لِنُصْرَةِ الدِّينِ وَلِذَلِكَ ذَكَرَ الْقَتْلَ بَعْدَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ. وَاخْتَلَفُوا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ قَوْمٌ الْمُرَادُ قَوْمٌ مَخْصُوصُونَ، رَوَى مُجَاهِدٌ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي طَوَائِفَ خَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ لِلْهِجْرَةِ فَتَبِعَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَقَاتَلُوهُمْ، وَظَاهِرُ الْكَلَامِ لِلْعُمُومِ. ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَصَفَهُمْ بِرِزْقِهِمْ وَمَسْكَنِهِمْ، أَمَّا الرِّزْقُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: لَا شُبْهَةَ فِي أَنَّ الرِّزْقَ الْحَسَنَ هُوَ نَعِيمُ الْجَنَّةِ، وَقَالَ الْأَصَمُّ إِنَّهُ الْعِلْمُ وَالْفَهْمُ كَقَوْلِ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً [هُودٍ: ٨٨] فَهَذَا فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ الْجَنَّةُ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ رِزْقًا حَسَنًا حَلَالًا وَهُوَ الْغَنِيمَةُ وَهَذَانَ الْوَجْهَانِ ضَعِيفَانِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَهُ جَزَاءً عَلَى هِجْرَتِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّه بَعْدَ الْقَتْلِ وَالْمَوْتِ وَبَعْدَهُمَا لَا يَكُونُ إِلَّا نَعِيمُ الْجَنَّةِ.
المسألة الثَّانِيَةُ: لَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ اجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ فِي كُلِّ وَعْدٍ فِي الْقُرْآنِ لِأَنَّ هَذَا الْمُهَاجِرَ لَوِ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً لَكَانَ حُكْمُهُ فِي الْمَشِيئَةِ عَلَى قَوْلِنَا، وَلَخَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلْجَنَّةِ قَطْعًا عَلَى قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ. فَإِنْ قِيلَ فَمَا فَضْلُهُ عَلَى سَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْوَعْدِ إِنْ كَانَ كَمَا قُلْتُمْ؟ قُلْنَا فَضْلُهُمْ يَظْهَرُ لِأَنَّ ثَوَابَهُمْ أَعْظَمُ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ [الْحَدِيدِ: ١٠] فَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ هَاجَرَ مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَارَقَ دِيَارَهُ وَأَهْلَهُ لِتَقْوِيَتِهِ وَنُصْرَةِ دِينِهِ مَعَ شِدَّةِ قُوَّةِ الْكُفَّارِ وَظُهُورِ صَوْلَتِهِمْ صَارَ فِعْلُهُ كَالسَّبَبِ لِقُوَّةِ الدِّينِ، وَعَلَى هَذَا الوجه عَظُمَ مَحَلُّ الْأَنْصَارِ حَتَّى صَارَ ذِكْرُهُمْ وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِمْ تَالِيًا لِذِكْرِ الْمُهَاجِرِينَ لَمَّا آوَوْهُ وَنَصَرُوهُ.
المسألة الثَّالِثَةُ: اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ كُلَّ الرِّزْقِ مِنْ عِنْدِهِ عَلَى وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: التَّفَاوُتُ إِنَّمَا كَانَ بِسَبَبِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مُخْتَصٌّ بِأَنْ يَرْزُقَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الرِّزْقِ، وَغَيْرُهُ إِنَّمَا يَرْزُقُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الرِّزْقِ مِنْ جِهَةِ اللَّه تَعَالَى وَثَالِثُهَا: أَنَّ غَيْرَهُ يَنْقُلُ الرِّزْقَ مِنْ يَدِهِ إِلَى يَدِ غَيْرِهِ لَا أَنَّهُ يَفْعَلُ/ نَفْسَ الرِّزْقِ وَرَابِعُهَا: أَنَّ غَيْرَهُ إِذَا رَزَقَ فَإِنَّمَا يَرْزُقُ لِانْتِفَاعِهِ بِهِ، إِمَّا لِأَجْلِ أَنْ يَخْرُجَ عَنِ الْوَاجِبِ، وَإِمَّا لِأَجْلِ أَنْ يَسْتَحِقَّ بِهِ حَمْدًا أَوْ ثَنَاءً، وَإِمَّا لِأَجْلِ دَفْعِ الرِّقَّةِ الْجِنْسِيَّةِ، فَكَانَ الْوَاحِدُ مِنَّا إِذَا رَزَقَ فَقَدْ طَلَبَ الْعِوَضَ، أَمَّا الْحَقُّ سُبْحَانَهُ فَإِنَّ كَمَالَهُ صِفَةٌ ذَاتِيَّةٌ لَهُ فَلَا يَسْتَفِيدُ مِنْ شَيْءٍ كَمَالًا زَائِدًا فَكَانَ الرِّزْقُ الصَّادِرُ مِنْهُ لِمَحْضِ الْإِحْسَانِ وَخَامِسُهَا: أَنَّ غَيْرَهُ إِنَّمَا يَرْزُقُ لَوْ حَصَلَ فِي قَلْبِهِ إِرَادَةُ ذَلِكَ الْفِعْلِ، وَتِلْكَ الْإِرَادَةُ مِنَ اللَّه، فَالرَّازِقُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّه تَعَالَى وَسَادِسُهَا: أَنَّ الْمَرْزُوقَ يَكُونُ تَحْتَ مِنَّةِ الرَّازِقِ وَمِنَّةُ اللَّه تَعَالَى أَسْهَلُ تَحَمُّلًا مِنْ مِنَّةِ الْغَيْرِ، فَكَانَ هُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ وَسَابِعُهَا: أَنَّ الْغَيْرَ إِذَا رُزِقَ فَلَوْلَا أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَعْطَى ذَلِكَ الْإِنْسَانَ أَنْوَاعَ الْحَوَاسِّ وَأَعْطَاهُ السَّلَامَةَ وَالصِّحَّةَ وَالْقُدْرَةَ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِذَلِكَ الرِّزْقِ لَمَا أَمْكَنَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَرِزْقُ الْغَيْرِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا بِرِزْقِ اللَّه وَمَلْحُوقًا بِهِ حَتَّى يَحْصُلَ الِانْتِفَاعُ. وَأَمَّا رِزْقُ اللَّه تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى رِزْقِ غَيْرِهِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ.
المسألة الرَّابِعَةُ: قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَادِرٌ وَثَانِيهَا: أَنَّ غَيْرَ اللَّه يَصِحُّ مِنْهُ أَنْ يَرْزُقَ وَيَمْلِكَ، وَلَوْلَا كَوْنُهُ قَادِرًا فَاعِلًا لَمَا صَحَّ ذَلِكَ وَثَالِثُهَا: أَنَّ الرِّزْقَ لَا يَكُونُ إِلَّا حَلَالًا لِأَنَّ قَوْلَهُ

صفحة رقم 243

خَيْرُ الرَّازِقِينَ دَلَالَةٌ عَلَى كَوْنِهِمْ مَمْدُوحِينَ وَالْجَوَابُ: لَا نِزَاعَ فِي كَوْنِ الْعَبْدِ قَادِرًا، فَإِنَّ عِنْدَنَا الْقُدْرَةَ مَعَ الدَّاعِي مُؤَثِّرَةٌ فِي الْفِعْلِ بِمَعْنَى الِاسْتِلْزَامِ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَبَحْثٌ لَفْظِيٌّ وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ فِيهِ.
المسألة الْخَامِسَةُ: لَمَّا قَالَ تَعَالَى: ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا فَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْوَعْدِ، ظَنَّ قَوْمٌ أَنَّ حَالَ الْمَقْتُولِ فِي الْجِهَادِ وَالْمَيِّتِ عَلَى فِرَاشِهِ سَوَاءٌ، وَهَذَا إِنْ أَخَذُوهُ مِنَ الظَّاهِرِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ، لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي الْوَعْدِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَفْضِيلٍ وَلَا تَسْوِيَةٍ، كَمَا أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. وَإِنْ أَخَذُوهُ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ فَهُوَ حَقٌّ، فَإِنَّهُ
رَوَى أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمَقْتُولُ فِي سَبِيلِ اللَّه تَعَالَى، وَالْمُتَوَفَّى فِي سَبِيلِ اللَّه بِغَيْرِ قَتْلٍ، هُمَا فِي الْخَيْرِ وَالْأَجْرِ شَرِيكَانِ»
وَلَفْظُ الشَّرِكَةِ مُشْعِرٌ بِالتَّسْوِيَةِ، وَإِلَّا فَلَا يَبْقَى لِتَخْصِيصِهِمَا بِالذِّكْرِ فَائِدَةٌ.
وَرُوِيَ أَيْضًا: أَنَّ طَوَائِفَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّه هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قُتِلُوا قَدْ عَلِمْنَا مَا أَعْطَاهُمُ اللَّه مِنَ الْخَيْرِ، وَنَحْنُ نُجَاهِدُ مَعَكَ كَمَا جَاهَدُوا، فَمَا لَنَا إِنْ مِتْنَا مَعَكَ. فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى التَّسْوِيَةِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا طَلَبُوا مِقْدَارَ الْأَجْرِ، فَلَوْلَا التَّسْوِيَةُ لَمْ يَكُنِ الْجَوَابُ مُفِيدًا. أَمَّا الْمَسْكَنُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
المسألة الْأُولَى: قُرِئَ مُدْخَلًا بِضَمِّ الْمِيمِ وَهُوَ مِنَ الْإِدْخَالِ، وَمَنْ قَرَأَ بِالْفَتْحِ فَالْمُرَادُ الْمَوْضِعُ.
المسألة الثَّانِيَةُ: قِيلَ فِي الْمُدْخَلِ الَّذِي يَرْضَوْنَهُ إِنَّهُ خَيْمَةٌ مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ لَا فَصْمَ فِيهَا وَلَا وَصْمَ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مِصْرَاعٍ، وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ هُوَ أَنْ يُدْخِلَهُمُ الْجَنَّةَ مِنْ غَيْرِ مَكْرُوهٍ تَقَدَّمَ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا: إِنَّمَا قَالَ يَرْضَوْنَهُ، لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ فِي الْجَنَّةِ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ/ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ فَيَرْضَوْنَهُ وَلَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها [التَّوْبَةِ: ٢٤] وَقَوْلُهُ: فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ [الْحَاقَّةِ: ٢١] وَقَوْلُهُ: ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً [الْفَجْرِ: ٢٨] وَقَوْلُهُ: وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ [التَّوْبَةِ: ٧٢].
المسألة الثَّالِثَةُ: إِنْ قِيلَ مَا مَعْنَى وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ وَمَا تَعَلُّقُهُ بِمَا تَقَدَّمَ؟ قُلْنَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَسْتَحِقُّونَهُ فَيَفْعَلُهُ بِهِمْ وَيَزِيدُهُمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَرْضَوْنَهُ فَيُعْطِيهِمْ ذَلِكَ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الْحَلِيمُ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ لِحِلْمِهِ لَا يُعَجِّلُ بِالْعُقُوبَةِ فِيمَنْ يُقْدِمُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، بَلْ يُمْهِلُ لِيَقَعَ مِنْهُ التَّوْبَةُ فَيَسْتَحِقَّ مِنْهُ الْجَنَّةَ.
أَمَّا قَوْلُهُ: ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ فَفِيهِ مَسَائِلُ:
المسألة الْأُولَى: قَوْلُهُ: ذلِكَ قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ أَيِ الْأَمْرُ مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ إِنْجَازِ الْوَعْدِ لِلْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا.
المسألة الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ مَعْنَاهُ: قَاتَلَ مَنْ كَانَ يُقَاتِلُهُ، ثُمَّ كَانَ الْمُقَاتِلُ مَبْغِيًّا عَلَيْهِ بِأَنِ اضْطُرَّ إِلَى الْهِجْرَةِ وَمُفَارَقَةِ الْوَطَنِ وَابْتُدِئَ بِالْقِتَالِ، قَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لَقُوا قَوْمًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنَ الْمُحَرَّمِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ يَكْرَهُونَ الْقِتَالَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَاحْمِلُوا عَلَيْهِمْ، فَنَاشَدَهُمُ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَكُفُّوا عَنْ قِتَالِهِمْ لِحُرْمَةِ الشَّهْرِ، فَأَبَوْا وَقَاتَلُوهُمْ. فَذَلِكَ بَغْيُهُمْ عَلَيْهِمْ، وَثَبَتَ الْمُسْلِمُونَ لَهُمْ فَنُصِرُوا عَلَيْهِمْ. فَوَقَعَ فِي أَنْفُسِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْقِتَالِ فِي

صفحة رقم 244

الشَّهْرِ الْحَرَامِ مَا وَقَعَ، فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ: وَعَفَا عَنْهُمْ وَغَفَرَ لَهُمْ وَهَاهُنَا سُؤَالَاتٌ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: أَيُّ تَعَلُّقٍ لِهَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا؟ الْجَوَابُ: كَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ مَعَ إِكْرَامِي لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ بِهَذَا الْوَعْدِ لَا أَدَعُ نُصْرَتَهُمْ فِي الدُّنْيَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْهِمْ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: هَلْ يَرْجِعُ ذَلِكَ إِلَى الْمُهَاجِرِينَ خَاصَّةً أَوْ إِلَيْهِمْ وَإِلَى الْمُؤْمِنِينَ؟ الْجَوَابُ: الْأَقْرَبُ أَنَّهُ يَعُودُ إِلَى الْفَرِيقَيْنِ فَإِنَّهُ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمَا، وَبَيَّنَ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ وَبَعْدَ الْقَتْلِ وَالْمَوْتِ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا.
السُّؤَالُ الثَّالِثُ: مَا الْمُرَادُ بِالْعُقُوبَةِ الْمَذْكُورَةِ؟ الْجَوَابُ: فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: الْمُرَادُ مَا فَعَلَهُ مُشْرِكُو مَكَّةَ مَعَ الْمُهَاجِرِينَ بِمَكَّةَ مِنْ طَلَبِ آثَارِهِمْ، وَرَدِّ بَعْضِهِمْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ مَنْ عَاقَبَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ بِمِثْلِ مَا فَعَلُوا فَسَيَنْصُرُهُ عَلَيْهِمْ، وَهَذِهِ النُّصْرَةُ الْمَذْكُورَةُ تُقَوِّي تَأْوِيلَ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى مُجَاهَدَةِ الْكُفَّارِ لَا عَلَى الْقِصَاصِ، لِأَنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ لَا يَلِيقُ إِلَّا بِذَلِكَ وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الْقِصَاصِ وَالْجِرَاحَاتِ، وَهِيَ آيَةٌ مَدَنِيَّةٌ عَنِ الضَّحَّاكِ.
السُّؤَالُ الرَّابِعُ: لِمَ سَمَّى ابْتِدَاءَ فِعْلِهِمْ بِالْعُقُوبَةِ؟ الْجَوَابُ: أَطْلَقَ اسْمَ الْعُقُوبَةِ عَلَى الْأَوَّلِ/ لِلتَّعَلُّقِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّانِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها [الشُّورَى: ٤٠] ويُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ
[النِّسَاءِ: ١٤٢].
السُّؤَالُ الْخَامِسُ: أَيُّ تَعَلُّقٍ لِقَوْلِهِ: وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ بِمَا تَقَدَّمَ؟ الْجَوَابُ: فِيهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: أَنَّ اللَّه تَعَالَى نَدَبَ الْمُعَاقِبَ إِلَى الْعَفْوِ عَنِ الْجَانِي بِقَوْلِهِ: فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشُّورَى: ٤٠] وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى [الْبَقَرَةِ: ٢٣٧]، وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [الشُّورَى: ٤٣] فَلَمَّا لَمْ يَأْتِ بِهَذَا الْمَنْدُوبِ فَهُوَ نَوْعُ إِسَاءَةٍ، فَكَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ: إِنِّي قَدْ عَفَوْتُ عَنْ هَذِهِ الْإِسَاءَةِ وَغَفَرْتُهَا، فَإِنِّي أَنَا الَّذِي أَذِنْتُ لَكَ فِيهِ وَثَانِيهَا: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَإِنْ ضَمِنَ لَهُ النَّصْرَ عَلَى الْبَاغِي، لَكِنَّهُ عَرَّضَ مَعَ ذَلِكَ بِمَا كَانَ أَوْلَى بِهِ مِنَ الْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ فَلَوَّحَ بِذِكْرِ هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ دَلَّ بِذِكْرِ الْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ عَلَى أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْعُقُوبَةِ، لِأَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِالْعَفْوِ إِلَّا الْقَادِرُ عَلَى ضِدِّهِ.
السُّؤَالُ السَّادِسُ: أَيُّ تَعَلُّقٍ لِقَوْلِهِ: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ بِمَا قَبْلَهُ؟
وَالْجَوَابُ: مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: ذَلِكَ أَيْ ذَلِكَ النَّصْرُ بِسَبَبِ أَنَّهُ قَادِرٌ وَمِنْ آيَاتِ قُدْرَتِهِ الْبَالِغَةِ كَوْنُهُ خَالِقًا لِلَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمُتَصَرِّفًا فِيهِمَا، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَالِمًا بِمَا يَجْرِي فِيهِمَا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ قَادِرًا عَلَى النَّصْرِ مُصِيبًا فِيهِ وَثَانِيهَا: الْمُرَادُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مَعَ ذَلِكَ النَّصْرِ يَنْعَمُ فِي الدُّنْيَا بِمَا يَفْعَلُهُ مِنْ تَعَاقُبِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَوُلُوجِ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ.
السُّؤَالُ السَّابِعُ: مَا مَعْنَى إِيلَاجِ اللَّيْلِ فِي النَّهَارِ وَإِيلَاجِ النَّهَارِ فِي اللَّيْلِ الْجَوَابُ: فِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَحْصُلُ ظُلْمَةُ هَذَا فِي مَكَانِ ضِيَاءِ ذَلِكَ بِغَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ، وَضِيَاءُ ذَلِكَ فِي مَكَانِ ظُلْمَةِ هَذَا بِطُلُوعِهَا، كَمَا يُضِيءُ الْبَيْتُ بِالسِّرَاجِ وَيُظْلِمُ بِفَقْدِهِ وَثَانِيهِمَا: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَزِيدُ فِي أَحَدِهِمَا مَا يَنْقُصُ مِنَ الْآخَرِ مِنَ السَّاعَاتِ.
السُّؤَالُ الثَّامِنُ: أَيُّ تَعَلُّقٍ لِقَوْلِهِ: وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ بِمَا تَقَدَّمَ؟ الْجَوَابُ: الْمُرَادُ أَنَّهُ كَمَا يَقْدِرُ عَلَى مَا

صفحة رقم 245
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية