
وقاتم الأعماق خاوي المخترق
٢٨ - قوله: ﴿لِيَشْهَدُوا﴾ أي: ليحضروا مشاهد مكة ومشاعرها. يعني: الناس الذين ذكروا في قوله ﴿يَأْتُوكَ﴾.
قولى: ﴿مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ قال ابن عباس في رواية أبي رزين: هي الأسواق (١).
وهو قول سعيد بن جبير والسدي: يعني التجارة (٢). واختيار ابن قتيبة (٣).
وعلى هذا المنافع تختص بمنافع الدنيا.
وقال في رواية عطاء: منافع لهم في الدنيا والآخرة (٤).
وهو قول مجاهد: يعني التجارة، وما يرضي الله سبحانه من عمل الدنيا والآخرة (٥).
والمنافع على هذا القول شائعة في الأجر والتجارة (٦).
(٢) ذكره عن سعيد الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٥١ ب، ورواه عنه الطبري ١٧/ ١٤٦.
وذكره عن السدي ابن الجوزي في "زاد المسير" ٥/ ٤٢٤.
(٣) انظر: "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٢٩٢.
(٤) رواه ابن أبي حاتم كما في "الدر المنثور" ٦/ ٣٧ عنه، وذكره ابن كثير ٣/ ٢١٦ عنه رضي الله عنه ولم يبين من رواه عنه.
(٥) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٣٦، والطبري ١٧/ ١٤٧.
(٦) قال ابن الجوزي ٥/ ٤٢٥: وهو أصح.

وقال العوفي، وسعيد بن المسيب، والباقر (١): هي العفو والمغفرة (٢). فخصوا المنافع بمنافع الآخرة.
وهذا القول اختيار أبي إسحاق، قال: ليشهدوا ما ندبهم الله إليه مما فيه النفع لهم في آخرتهم (٣).
قوله: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾ قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد أيام الحج، وهي يوم عرفة والنحر وأيام التشريق (٤).
(٢) ذكره عنهم جميعًا الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٥١ ب. وعن الباقر رواه الطبري ١٧/ ١٤٧.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢٣ قال الطبري -رحمه الله- في "تفسيره" ١٧/ ١٤٧: وأولى الأقوال بالصواب: قول من قال: عني بذلك ليشهدوا منافع لهم من العمل الذي يرضي الله والتجارة، وذلك أن الله عم لهم منافع جميع ما يشهد له الموسم ويأتي له مكة أيام الموسم من منافع الدنيا والآخرة ولم يخصص من ذلك شيئا من منافعهم بخبر ولا عقل، فذلك على العموم في المنافع التي وصفت.
(٤) ذكره عن ابن عباس من رواية عطاء البغوي في "تفسيره" ٥/ ٣٧٨. وذكره الرازي ٢٣/ ٢٩ عنه من رواية عطاء لكن ليس فيها ذكر يوم عرفة.
وهذه الرواية التي ذكرها الواحدي هنا عن ابن عباس ضعيفة.
وقد جاء عن ابن عباس روايات في المراد بالأيام المعلومات أصحها أن الأيام المعلومات هي أيام العشر. رواه البخاري عنه تعليقًا بصيغة الجزم كتاب: العيدين، باب: فضل العمل في أيام التشريق ٢/ ٤٥٧، ووصله ابن حجر في "الفتح" ٢/ ٤٥٨، و"تغليق التعليق" ٢/ ٣٧٧ من رواية عبد بن حميد في "تفسيره" من طريق عمرو بن دينار: سمعت ابن عباس -وفيه: والأيام المعلومات أيام العشر.
ورواه البيهقي في "السنن الكبرى" ٥/ ٢٢٨ من طريق هُشيم، حدثنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: المعلومات: العشر. وإسناده صحيح.
وذكره ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ٢١٦ من رواية شعبة وهشيم، عن أبي بشر، عن=

وهذا القول اختيار أبي إسحاق (١). وقال الحسن وقتادة: الأيام المعلومات أيام عشر ذي الحجة، والمعدودات أيام التشريق (٢).
وإنما قيل لهذه معدودات لأنها قليلة، وقيل لتلك معلومات للحرص على علمها (٣) بحسابها من أجل وقت الحج في آخرها (٤).
وقال مقاتل: المعلومات: أيام التشريق (٥). وهذا قول القرظي، لأنه
وذكر هذا القول عن ابن عباس السيوطي في "الدر المنثور" ١/ ٥٦٢ فقال: وأخرج الفريابي وعبد بن حميد والمروزي في العيدين وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في "الشعب والضياء" في "المختاره" من طرق، عن ابن عباس قال: الأيام المعلومات أيام العشر، والأيام المعدودات أيام التشريق.
(١) اختار أبو إسحاق الزجاج في كتابه "معاني القرآن" ٣/ ٤٢٣ أن الأيام المعلومات هي يوم النحر والأيام التي بعده ينحر فيها -قال: لأن الذكر هاهنا يدل على التسمية على ما ينحر لقوله: (على ما رزقهم من بهيمة الأنعام).
فلم يذكر الزجاج يوم عرفة؛ لأن يوم عرفة ليس من أيام النحر، فقول الواحدي: وهذا القول -يعني قول ابن عباس في رواية عطاء- اختيار أبي إسحاق. خطأ.
(٢) رواه عن قتادة عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٣٧، والطبري ١٧/ ١٤٨. وذكره عن الحسن الزمخشري ٣/ ١١، وابن الجوزي ٥/ ٤٢٥، وابن كثير ٣/ ٢١٦. وهذا القول هو أصح الروايات عن ابن عباس كما قدمنا. وهو قول أكثر المفسرين كما قال الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٥١ ب.
وقال ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ٢١٦ - بعد ذكره هذا القول عن ابن عباس: وروى مثله عن أبي موسى الأشعري، ومجاهد، وقتادة، وعطاء، وسعيد بن حبير، والحسن والضحاك، وعطاء الخراساني، وإبراهيم النخعي، وهو مذهب الشافعي، والمشهور عن أحمد بن حنبل. أهـ.
(٣) في (أ): (عملها)، وهو خطأ.
(٤) هذا قول الثعلبي في تفسيره "الكشف والبيان" (جـ ٣ ل ٥١ ب).
(٥) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٥١ ب.

جعل المعدودات والمعلومات واحدة (١). والاختيار قول ابن عباس.
قال أبو إسحاق: لأن الذكر هاهنا يدل على التسمية على ما ينحر لقوله ﴿عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ (٢).
[يعني أن هذه الأيام يجب أن تختص بأيام الذبح، لأن قوله ﴿لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ (٣) المراد به التسمية عند الذبح.
قال قتادة: كان (٤) يقال: إذا ذبحت نسيكتك فقل: بسم الله والله أكبر، اللهم منك عن فلان (٥). ونحو هذا ذكر الكلبي.
وأول وقت الذبح يوم النحر إذا طلعت الشمس، ومضى من اليوم مقدار صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فمن ذبح قبل هذا لم يحتسب من الضحايا، وآخر أيام الذبح إذا غربت الشمس يوم الثالث عشر، فهي أربعة أيام، والليالي في خلال هذه الأيام وقت (٦) ذبح (٧).
ومن فسر المعلومات بالعشر من ذي الحجة قال: لما كان يقع هذا النوع من الذكر في آخر يوم منها جاز أن يوصف الذكر بأنه فيها كلها، لأن هذا اليوم وهو اليوم العاشر من جملة العشر فالذكر واقع في العشر، والعشر
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢٣.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٤) (كان): ساقطة من (أ).
(٥) ذكره عنه السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٣٧ وعزاه لعبد بن حميد وابن أبي حاتم.
(٦) في (ظ): (للذبح).
(٧) انظر: "الأم" ٢/ ١٨٧، "الحاوي الكبير" للماوردي ٤/ ٣٧٨، "المغني" لابن قدامة ٥/ ٣٠٠ - ٣٠١، "روضة الطالبين" للنووي ٣/ ١٩٩ - ٢٠٠، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي ١٢/ ٤٢ - ٤٤.

ليس تخلو من هذا الذكر.
قوله: ﴿عَلَى مَا رَزَقَهُمْ﴾ أي: على ذبح ما رزقهم من بهيمة الأنعام.
قال ابن عباس: يريد البدن من الإبل والبقر والضأن والمعز، كل ذلك يريدون بها الله سبحانه وتعالى.
و ﴿بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ هي الأنعام، وذكرنا الكلام في هذا مستقصى في أول سورة المائدة.
وفي هذا دليل على أن الضحايا والهدايا مختصة بالأنعام، وتفسيرها ما ذكره ابن عباس، وذكرناه في مواضع (١).
قوله تعالى: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا﴾ قال ابن عباس: أجاز الله تعالى الأكل مما أهديت، وأما الكفارة فلا يأكل منها أصحابُها.
قال أبو إسحاق: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا﴾ ليس بأمر لازم، من شاء أكل من أضحيته ومن شاء لم يأكل، وإنما هو إباحة كما قال: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة: ٢]، وإنما قال ﴿فَاصْطَادُوا﴾ لأنه قد كان حظر عليهم الصيد وهم محرمون، فأباح لهم الصيد، وكذلك هذا الأمر هاهنا بعد حظرهم كان (٢) على أنفسهم أكل الأضاحي، لأن أهل الجاهلية كانوا إذا نحروا لم يستحلوا أن يأكلوا من نسائكهم شيئًا، فأعلم الله عز وجل أن ذلك جائز (٣).
هذا معنى قول ابن عباس: أجاز الله الأكل بما أهديت. وقوله (٤) (أما الكفارة فلا يأكل منها أصحابها): كل هدي كان صاحبه متطوعًا به جاز له
(٢) كان: ليست عند الزجاج، وهي في جميع النسخ.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢٣.
(٤) يعني ابن عباس.

الأكل، فأما إذا كان كفارة وجبرانًا لنقصان نسك أو ترك نسك، فلا يجوز له أن يأكل منه، وذلك مثل دم القرآن والتمتع (١)؛ لأنه وجب بترك أحد الميقاتين، وكذلك دم الإساءة لأنه وجب بسبب مجاوزة الميقات وكذلك دما (٢) القَلَمِ والحلق وسائر المحظورات (٣)، وإنما أكل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من لحم هديه (٤)، لأنه أفرد الحج فلم يجب عليه في حجه دم (٥).
والذي ذكرنا في قوله ﴿فَكُلُوا﴾ أنه أمر إباحة هو قول جميع المفسرين (٦).
(٢) في (ظ): (دم).
(٣) انظر: "الأم" ٢/ ١٨٤، "أحكام القرآن" للجصاص ٣/ ٣٣٧، "الحاوي" ٤/ ١٨٧، "المغني" ٥/ ٤٤٤ - ٤٤٦، "روضة الطالبين" ٣/ ٢٢١ - ٢٢٢، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي ١٢/ ٤٤.
(٤) روى مسلم في "صحيحه" كتاب: الحج، باب: حجة النبي -صلى الله عليه وسلم- ٢/ ٨٩٢ من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر، فطبخت، فأكلا من لحمها وشربا من مرقها.
(٥) الصواب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان قارنًا للأحاديث الصحيحة الصريحة، ومن ذلك ما رواه مسلم في "صحيحه" كتاب: الحج، باب: جواز التحلل بالإحصار وجواز القرآن ٢/ ٩٠٤ عن ابن عمر أنه أوجب حجا مع عمرته، وطاف لهما طوافًا واحدًا، ثم قال: هكذا فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وانظر بسط القول في هذا الأمر وتحقيقه في "زاد المعاد" لابن القيم ٢/ ١٠٧ - ١٢٢.
(٦) انظر: "أحكام القرآن" للجصاص ٣/ ٢٣٥.

قال إبراهيم ومجاهد: إن شاء أكل وإن شاء لم يأكل. وكان أهل الجاهلية إذا نحروا لم يستحلوا أكل ذبائحهم (١).
قوله ﴿وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ قال ابن عباس: البائس: الذي ظهر بؤسه في ثيابه ووجهه، وبان البؤس عليه. والفقير الذي لم يظهر بؤسه، وثيابه نقيه، ووجهه وجه غني (٢).
وهذا الذي ذكره يوجب الفرق بينهما، وحينئذ فيجب أن يكون (والفقير) بواو العطف، وإذا ذكر معه (٣) بغير حرف العطف فهو من صفة البائس.
والبائس: الذي ناله (٤) بؤس، وهو شدة الفقر. يقال: قد بؤس وبئس، إذا صار ذا بؤس. ذكر ذلك الزجاج (٥).
وروي عن ابن عباس: أنه فسر البائس هاهنا بالزَّمِن (٦).
وذكره ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ٢١٧ عن إبراهيم بنحو ما ذكره الواحدي مع تقديم وتأخير.
وذكره عنه السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٣٧ بلفظ (كان المشركون لا يأكلون ذبائح نسائكهم) فأنزل الله (فكلوا..) فرخص للمسلمين فمن شاء..
وعزاه لعبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
وعن مجاهد رواه الطبري ١٧/ ١٤٨ دون قوله: وكان المشركون.
(٢) ذكره عنه الرازي ٢٣/ ٢٩.
(٣) (معه): ساقطة من (ظ)، (د)، (ع).
(٤) في (أ): (يناله).
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢٣.
(٦) رواه الطبري ١٧/ ١٤٨ من رواية العوفي عنه.

وقال عطاء ومجاهد: هو الذي يسألك (١) ويمد إليك يده (٢).
قال أصحابنا: من أهدى أو ضحى فحسن أن يأكل النصف ويتصدق بالنصف لقوله: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا﴾ فتقسم الأضحية على هذين الأمرين (٣)، ومنهم من قال: يقسمها أثلاثًا لما روى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنما نهيتكم عن أكل لحوم الأضاحي لأجل الدافة التي دفت، ألا فكلوا (٤) وادخروا (٥) وائتجروا" (٦) أي: اطلبوا الأجر بالإطعام. فيقسمها أثلاثًا على الأوامر الثلاثة (٧).
الدافة: الجماعة التي (٨) يدفون أي: يسيرون سيرًا ليس بالشديد (٩).
(٢) رواه الطبري ١٧/ ١٤٩. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٣٨. وعزاه لعبد بن حميد.
(٣) انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي ٤/ ٣٨٥، "روضة الطالبين" للنووي ٣/ ٢٢٣.
(٤) في (ظ)، (د)، (ع): (كلوا).
(٥) في (أ): (فادخروا).
(٦) رواه الإمام أحمد في "مسنده" ٦/ ٥١، ومسلم في "صحيحه" كتاب: الأضاحي ٣/ ١٥٦١، وأبو داود في "سننه" كتاب: الأضاحي باب: حبس لحوم الأضاحي ٨/ ٧ - ٨، والنسائي في "سننه" كتاب: الضحايا، باب: الادخار من الضحايا ٧/ ٢٣٥ من حديث عائشة رضي الله عنها باللفظ المذكور هنا، لكن في روايتهم (وتصدقوا) بدل (وائتجروا).
وقد وردت هذه اللفظة في الحديث الذي رواه أبو داود في "سننه" كتاب: الأضاحي، باب: حبس لحوم الأضاحي ٨/ ٩ من حديث نبيشة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنا كنا نهيناكم عن لحومها أن تأكلوها فوق ثلاث لكي تسعكم، فقد جاء الله بالسعة، فكلوا وادخروا وائتجروا".
(٧) انظر: "الحاوي الكبير" ٤/ ٣٨٠، "روضة الطالبين" ٣/ ٢٢٣.
(٨) (التي): ساقطة من (ظ)، (د)، (ع).
(٩) ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" ١٤/ ٧٢ (دف) من رواية أبي عبيد، عن أبي عمرو.