آيات من القرآن الكريم

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ

وقال الزمخشري والبيضاوي: ولأن الله يهدي به الذين يعلم أنهم مؤمنون، أو يثبّت الذين آمنوا على الهدى.
الفصل الإلهي بين الأمم وخضوع كل ما في الكون لعزة الله
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ١٧ الى ١٨]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١٧) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (١٨)
الإعراب:
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا.. وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا الخبر: إما محذوف، وإما قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ لأنها فيها معنى الجزاء، فحمل الخبر على المعنى.
وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ إما معطوف على مَنْ في قوله تعالى: يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ لأن السجود بمعنى الانقياد، وكل مخلوق منقاد تحت قدرة الله تعالى، وإما مبتدأ وخبره:
إما مِنَ النَّاسِ أي من الناس الذين هم الناس على الحقيقة، وهم الصالحون المتقون، وإما محذوف، وهو مثاب، أي وكثير من الناس ثبت له الثواب، دل عليه خبر مقابله وهو قوله:
حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ.
البلاغة:
وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ بينهما طباق.

صفحة رقم 175

المفردات اللغوية:
وَالَّذِينَ هادُوا هم اليهود وَالصَّابِئِينَ هم فرقة بين اليهود والنصارى، أو قوم يعبدون الملائكة، ويقرءون الزبور وَالْمَجُوسَ أتباع المتنبئ، قوم يعبدون الشمس والقمر والنار ويقولون: إن هناك إلهين اثنين للخير والشر وهما النور والظلمة. وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا عبدة الأصنام والأوثان يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يقضي بينهم لإظهار المحق من المبطل، فيدخل المؤمنين الجنة، ويدخل غيرهم النار عَلى كُلِّ شَيْءٍ من عملهم شَهِيدٌ عالم به علم مشاهدة، مراقب لما يتعلق به.
يَسْجُدُ لَهُ يخضع له بما يراد منه، وهو السجود بالتسخير والانقياد لإرادته تعالى، وهناك سجود بالاختيار خاص بالإنسان. وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أي ويسجد له كثير من الناس سجود طاعة، فهو فاعل فعل مضمر، أو هو مبتدأ دل عليه قسيمه المقابل له بعده، وخبره: حق له الثواب، وهم المؤمنون بما هو أكثر من الخضوع في سجود الصلاة وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ أي وكثير منهم ثبت له العذاب، وهم الكافرون لأنهم أبوا السجود والخضوع لله بشرط الإيمان وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ أي ومن يجعله شقيا لما علم منه من اكتساب الشقاوة فما له أحد يكرمه ويسعده إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ من الإهانة والإكرام.
المناسبة:
هناك ارتباط عام وارتباط خاص بين هذه الآيات وما قبلها، أما الارتباط العام: فبعد أن ذكر تعالى أحوال المشركين والمنافقين والمؤمنين، أبان هنا أن الله يقضي بينهم جميعا ليبين المحق من المبطل، وأما الارتباط الخاص، فبعد أن ذكر تعالى في الآية السابقة أَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ أتبعه في الآية الأولى ببيان من يهديه ومن لا يهديه.
ثم أردفه في الآية الثانية ببيان أنه ما كان ينبغي لأهل الأديان المختلفة أن يختلفوا لأن جميع العوالم خاضعة لسلطانه وقدرته، وساجدة لعظمته طوعا أو كرها.

صفحة رقم 176

التفسير والبيان:
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا... إن الله تعالى يقضي بين أهل الأديان المختلفة من المؤمنين بالله ورسله، واليهود، والنصارى، والمجوس، والمشركين الذين يعبدون مع الله غيره، ويحكم بينهم بالعدل، فيدخل من آمن به الجنة، ومن كفر به النار، فإنه تعالى شهيد على أعمالهم، حفيظ لأقوالهم وأفعالهم، عليم بسرائرهم، وما تكنّ ضمائرهم.
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ... أي ألم تعلم أن الله تعالى يخضع ويسجد لعظمته كل شيء طوعا وكرها، وسجود كل شيء بما يختص به، فيسجد له من في السموات: وهو الملائكة، ومن في الأرض وهم الإنس والجن، والشمس والقمر والنجوم من العوالم العلوية، والشجر والدوابّ (الحيوانات كلها) من العالم السفلي، وكثير من الناس حقّ له الثواب أو يسجد لله طوعا مختارا متعبدا بذلك، أي ثبت وتقرر، وكثير حق عليه العقاب، ممن امتنع وأبى واستكبر.
وقد نص على هذه الأشياء لأنها قد عبدت من دون الله، فأبان تعالى أنها تسجد لخالقها، وأنها مربوبة مسخرة منقادة لله تعالى.
ومن يهنه الله فيشقيه، أو من يهنه بالشقاء والكفر لسوء استعداده للإيمان، لا يقدر أحد على دفع الهوان عنه، ولا يسعده أحد لأن الأمر بيده تعالى، يوفق من يشاء ويخذل من يريد.
إن الله تعالى يفعل في عباده ما يشاء من الإهانة والإكرام، لا رادّ لقضائه، ولا معقّب لحكمه.
ونظير الآية كثير، مثل: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ، عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ، سُجَّداً لِلَّهِ، وَهُمْ داخِرُونَ [النحل ١٦/ ٤٨].

صفحة رقم 177

ومثل وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ، وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الإسراء ١٧/ ٤٤].
وأما إطلاق المشيئة لله تعالى فيوضحه
ما رواه ابن أبي حاتم عن علي: أنه قيل لعلي: «إن هاهنا رجلا يتكلم في المشيئة، فقال له علي: يا عبد الله، خلقك الله كما يشاء، أو كما شئت؟ قال: بل كما شاء، قال: فيمرضك إذا شاء أو إذا شئت؟
قال: بل إذا شاء، قال: فيشفيك إذا شاء أو إذا شئت؟ قال: بل إذا شاء، قال: فيدخلك حيث شئت أو حيث شاء؟ قال: بل حيث يشاء، قال:
والله، لو قلت غير ذلك، لضربت الذي فيه عيناك بالسيف»
«١».
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآية الأولى على أن الله تعالى يقضي بالعدل بين أهل الأديان المختلفة، وهم المؤمنون بالله وبرسوله صلّى الله عليه وسلم، واليهود: وهم المنتسبون إلى ملة موسى عليه السلام، والصابئون: وهم قوم يعبدون النجوم، والنصارى: وهم المنتسبون إلى ملة عيسى، والمجوس: وهم عبدة النيران القائلون بأن للعالم أصلين: نور وظلمة، والمشركون: وهم العرب ونحوهم عبدة الأوثان. هذه الفرق الست: خمسة منها للشيطان، وواحدة منها للرحمن. وإنه تعالى يقضي ويحكم بينهم، فللكافرين النار، وللمؤمنين الجنة، إن الله تعالى شهيد على أعمال خلقه وحركاتهم وأقوالهم.
ودلت الآية الثانية على أن القلب والعقل يرى أن جميع ما في العوالم العلوية والسفلية من الكواكب والجمادات والنباتات والإنسان والحيوان يسجد لله تعالى سجود تذلل وانقياد لتدبير الله عز وجل في جميع الأحوال من ضعف وقوة، وصحة وسقم، وحسن وقبح، وسجود خضوع لعظمته وسلطانه وجبروته.

(١) تفسير ابن كثير: ٣/ ٢١١

صفحة رقم 178
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية