
ثم قال عز وجل: وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً، يعني: قادة في الخير، ويقال: أكرمناهم بالإمامة والنبوة. يَهْدُونَ بِأَمْرِنا، أي: يدعون الخلق بِأَمْرِنا إلى أمرنا وإلى ديننا. وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ، يعني: أمرناهم بالأعمال الصالحة، ويقال: بالدعاء إلى الله عز وجل، أي قول لا إله إلا الله. وَإِقامَ الصَّلاةِ، يعني: إتمام الصلاة، وَإِيتاءَ الزَّكاةِ يعني: الزكاة المفروضة وصدقة التطوع. وَكانُوا لَنا عابِدِينَ، يعني: مطيعين.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٧٤ الى ٧٥]
وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ (٧٤) وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥)
. وقوله عز وجل: وَلُوطاً، يعني: واذكر لوطاً إذ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً، يعني: النبوة والفهم، ويقال: وَلُوطاً، يعني: وأوحينا إليهم، وآتينا لوطا يعني: وآتينا لوطاً حكماً وعلماً، أي: النبوة والفهم. وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ، يعني: مدينة سدوم الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ، يعني: اللواطة. إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ، يعني: عاصين. وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا، يعني: أكرمنا لوطا عليه السلام في الدنيا بطاعتنا وفي الآخرة بالجنة. إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ، أي: من المرسلين.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٧٦ الى ٧٧]
وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦) وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (٧٧)
. قوله عز وجل: وَنُوحاً، يعني: واذكر نوحاً عليه السلام إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ، أي: دعا على قومه مِن قَبْلُ إبراهيم وإسحاق عليهما السلام، فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ يعني: الغرق. وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ، أي: على القوم الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا، يعني: كذبوا نوحاً بما أنذرهم من الغرق، ويقال: نَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ، أي: نجيناه من القوم الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا. إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ، يعني: كفارا، فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ يعني:
الصغير والكبير فلم يبق منهم أحد إلا هلك بالطوفان.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٧٨ الى ٧٩]
وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ (٧٨) فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ (٧٩)
قال عز وجل: وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ، يعني: واذكر داود وسليمان عليهما السلام، إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ يعني: الزرع إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ وذلك أن غنماً لقوم وقعت في زرع رجل، فأفسدته. قال ابن عباس في رواية أبي صالح: «إن غنم قوم

وقعت في كرم قوم ليلاً حين خرج عناقيده، فأفسدته، فاختصموا إلى داود بن أيشا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقوَّم داود الكرم والغنم، فكانت القيمتان سواء، أي: قيمة الغنم وقيمة ما أفسدت من الكرم، فدفع الغنم إلى صاحب الكرم، فخرجوا من عنده، فمروا بسليمان فقال: بمَ قضى بينكم الملك؟
فأخبروه فقال: نِعْمَ ما قضى به، وغير هذا كان أرفق للفريقين جميعاً. فرجع أصحاب الكرم والغنم إلى داود، فأخبروه بما قال سليمان، فأرسل داود إلى سليمان عليهما السلام فقال: كيف رأيت قضائي بين هؤلاء فإني لم أقض بالوحي، إنما قضيت بالرأي؟ فقال: نِعْمَ ما قضيت.
فقال: عزمت عليك بحق النبوة وبحق الوالد على ولده، إلا أخبرتني. فقال سليمان: غير هذا كان أرفق بالفريقين. فقال: وما هو؟ قال سليمان: يأخذ أهل الكرم الغنم، ينتفعون بألبانها وسمنها وصوفها ونسلها، ويعمل أهل الغنم لأهل الكرم في كرمهم، حتى إذا عاد الكرم كما كان ردوه. فقال داود: نِعْمَ ما قضيت به، فقضى داود بينهم بذلك.
وقال بعضهم: كان ذلك القضاء نافذاً فلم ينقض ذلك. وكان سليمان في ذلك اليوم ابن إحدى عشرة سنة، فذلك قوله: إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ يعني: دخلت فيه غنم القوم، ويقال:
نفشت أي: دخلت فيه بالليل من غير حافظ لها. وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، عن الزهري رحمهم الله قال: «النفش لا يكون إلا ليلا، والعمل بالنهار» وروى قتادة، عن الشعبي رحمه الله أن شاة وقعت في غزل الحواك، فاختصموا إلى شريح رحمه الله، فقال شريح: انظروا أوقعت فيه ليلاً أو نهاراً. فإن كان بالليل يضمن، وإن كان بالنهار لا يضمن، ثم قرأ شريح: إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وقال: النفش بالليل والعمل بالنهار، وكلاهما الرعي بلا راع.
وروى سعيد بن المسيب أن ناقة البراء بن عازب دخلت حَائِطاً لقوم فأفسدته، فقضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أن حفظ الأموال على أهلها بالنهار، وعلى أهل الماشية ما أصابت الماشية بالليل». وبهذا الخبر أخذ أهل المدينة، وقال أهل العراق: لا يضمن ليلاً كان أو نهاراً، إلا أن يتعمد صاحبها فيرسلها فيه، وذهبوا إلى ما روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «جُرْحُ العَجْماءِ جبار».
ثمّ قال: وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ، يعني: عالمين.
قوله عز وجل: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ، يعني: ألهمناها سليمان. وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً، يعني: النبوة والفهم بالحكم. وروي عن الحسن البصري رحمه الله أنه قال: لولا هذه الآية، لم يجرأ أحد منا أن يفتي في الحوادث.
ثم قال: وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ، يعني: كلما سبح داود، تسبح معه الجبال والطير، أي: سخرنا الجبال والطير يسبحن معه إذا سبح. وقال: كان داود يمر بالجبال مسبّحا، وهي تجاوبه وكذلك الطير. وقال قتادة: يُسَبِّحْنَ أي يصلين معه إذا صلى، يعني:
كل ما سبح داود تسبح معه الجبال والطير، أي: سخرنا الطير والجبال يسبحن معه. وَكُنَّا فاعِلِينَ، يعني: نحن فعلنا ذلك بهما.