
ورأى البيضاوي إضافة رابع وهو لوط. قال القرطبي: وجعلهم صالحين إنما يتحقق بخلق الصلاح والطاعة لهم، وبخلق القدرة على الطاعة، ثم ما يكتسبه العبد، فهو مخلوق لله تعالى.
٤- جعلهم رؤساء يقتدى بهم في الخيرات وأعمال الطاعات، يعملون بأمر الله وبما أنزله عليهم من الوحي والأمر والنهي، ويهدون الناس إلى دين الله الحق بأمر الله لهم، ويدعونهم إلى التوحيد.
٥- الإيحاء لهم بأن يفعلوا الطاعات.
٦- أمرهم بإقامة الصلاة المفروضة التي هي أشرف العبادات البدنية.
٧- الوحي لهم أيضا بإيتاء الزكاة الواجبة التي هي أشرف العبادات المالية.
وكانوا مشتغلين بالعبودية، مطيعين لأوامر الله تعالى، كأنه سبحانه وتعالى لما وفي بعهد الربوبية في الإحسان والإنعام، فهم أيضا وفّوا بعهد العبودية، وهو الاشتغال بالطاعة والعبادة.
القصة الثالثة- قصة لوط عليه السلام
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٧٤ الى ٧٥]
وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ (٧٤) وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥)
الإعراب:
وَلُوطاً منصوب بفعل مقدر، تقديره: وآتينا لوطا آتيناه، وقيل: تقديره: واذكر لوطا.

البلاغة:
وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا مجاز مرسل علاقته المحلية، أي أدخلناه في الجنة لأنها مكان تنزل الرحمات.
المفردات اللغوية:
وَلُوطاً هو ابن أخي إبراهيم الخليل عليهما السلام، كما عرفنا حُكْماً حكمة، أو نبوة، أو فصلا بين الخصوم وَعِلْماً بما ينبغي علمه للأنبياء وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ هي قرية سدوم التي بعث إليها لوط عليه السلام الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ أي يعمل أهلها، وصفها بصفة أهلها الْخَبائِثَ أي الأعمال الخبيثة من اللواط وغيره كالرمي بالبندق واللعب بالطيور قَوْمَ سَوْءٍ مصدر ساء نقيض سرّ، وقوله: إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ كالتعليل لما سبق وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا بأن أنجيناه من قومه، وجعلناه في أهل رحمتنا أو في جنتنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ الذين سبقت لهم منا الحسنى.
المناسبة:
بعد بيان ما أنعم الله تعالى به على إبراهيم عليه السلام، ذكر نعمه على لوط عليه السلام، لما بينهما من القرابة والاشتراك في النبوة. ولوط: هو لوط بن هاران بن آزر، كان قد آمن بإبراهيم عليه السلام واتبعه وهاجر معه، كما قال تعالى: فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ، وَقالَ: إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي [العنكبوت ٢٩/ ٢٦].
التفسير والبيان:
وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً أي آتى الله لوطا النبوة والحكمة (وهي ما يجب فعله) والحكم: وهو حسن الفصل في الخصومات بين الناس، وكذلك آتاه علما بما ينبغي للأنبياء وهو كل ما يتعلق بالعقيدة والعبادة وطاعة الله تعالى، وبعثه إلى «سدوم» وتوابعها وهي سبع قرى، فخالفوه وكذبوه، فأهلكهم الله، ودمر عليهم، كما أخبر في مواضع من القرآن العزيز. وهاتان نعمتان على لوط، والنعمة الثالثة هي:

وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ أي ونجاه الله من عذابه الذي عذّب به أهل القرية «سدوم» الذين كانوا يرتكبون خبائث الأعمال، وأخطرها اللواط. وسبب ذلك أنهم كما قال تعالى:
إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ أي إنهم كانوا جماعة سوء وقبح، خارجين عن طاعة الله، مرتكبين معاصيه، والفسوق: الخروج.
والنعمة الرابعة هي: وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا أي وجعلناه من أهل رحمتنا أو في جنتنا، كما
جاء في الحديث الصحيح: «قال الله عز وجل للجنة: أنت رحمتي، أرحم بك من أشاء من عبادي»
وقيل: الرحمة: هي النبوة، أو الثواب. والسبب هو كما قال:
إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ أي من الذين يعملون الصالحات، ويؤدون الطاعات، بفعل الأوامر، واجتناب النواهي.
فقه الحياة أو الأحكام:
أنعم الله تعالى على لوط عليه السلام بأربع نعم وهي:
١- إيتاؤه الحكم: أي النبوة، والحكمة: وهي ما يجب فعله.
٢- تعليمه العلم النافع: وهو المعرفة بأمر الدين، وما يقع به الحكم بين الخصوم.
٣- إنجاؤه من العذاب الذي حل بالقرى التي أرسل إليها، لارتكاب أهلها خبائث الأعمال، وأهمها اللواط، ولأنهم قوم سوء فاسقين، أي خارجين عن طاعة الله تعالى.
٤- إدخاله في جنان الخلد التي هي متنزل الرحمات الإلهية لأنه من القوم الصالحين الذين آمنوا بالله، وأطاعوا ربهم، وائتمروا بأمره، وانتهوا عن نهيه.