
الجزء السابع عشر
سورة الأنبياء
مكية
وآياتها مائة واثنتا عشرة آية
بسم الله الرحمن الرحيم
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ (١) مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٢) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَذَا إِلا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ (٣) قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاء وَالأرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٤) بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأوَّلُونَ (٥) مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (٦)شرح الكلمات:
اقترب١ للناس حسابهم: أي قرب زمن حسابهم وهو يوم القيامة.
وهم في غفلة: أي عما هم صائرون إليه
معرضون: أي عن التأهب ليوم الحساب بصالح الأعمال بعد ترك

الشرك والمعاصي.
من ذكر من ربهم محدث: أي من قرآن نازل من ربهم محدث جديد النزول.
وهم يلعبون: أي ساخرين مستهزئين.
لاهية قلوبهم: مشغولة عنه بما لا يغني من الباطل والشر والفساد.
واسروا النجوى.: أي أخفوا مناجاتهم بينهم.
أضغاث أحلام: أي أخلاط رآها في المنام.
بل افتراه: أي اختلقه وكذبه ولم يوح إليه.
أفهم يؤمنون: أي لا يؤمنون فالاستفهام للنفي.
معنى الآيات:
يخبر تعالى فيقول وقوله الحق: ﴿اقترب للناس١ حسابهم﴾ أي دنا وقرب وقت حسابهم على أعمالهم خيرها وشرها ﴿وهم في٢ غفلة﴾ عما ينتظرهم من حساب وجزاء ﴿معرضون﴾ عما يدعون إليه من التأهب ليوم الحساب بترك الشرك والمعاصي والتزود بالإيمان وصالح الأعمال. وقوله تعالى: ﴿ما يأتيهم من ذكر٣ من ربهم محدث٤﴾ أي ما ينزل الله من قرآن يعظهم به ويذكرهم بما فيه ﴿إلا استمعوه وهم يلعبون﴾ أي استعموه وهم هازئون ساخرون لاعبون غير متدبرين له ولا متفكرين فيه. وقوله تعالى: ﴿لاهية قلوبهم﴾ أي مشغولة عنه منصرفة عما تحمل الآيات المحدثة النزول من هدى ونور، ﴿وأسروا النجوى الذين ظلموا٥﴾ وهم المشركون قالوا في تناجيهم بينهم: ﴿هل هذا إلا بشر مثلكم﴾ أي ما محمد إلا إنسان مثلكم فكيف تؤمنون به وتتابعونه على ما جاء. به،
٢ الجملة حالية أي: اقترب للناس حسابهم والحال أنّهم في غفلة معرضون.
٣ محدث: أي: في نزوله وقراءة جبريل له على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ كان ينزل آية آية وسورة سورة وجائز أن يكون الذكر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقرينة الآيات كقوله: ﴿هل هذا إلا بشر مثلكم﴾ وقوله: ﴿قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولاً..﴾ فرسول بدلا، ق قوله: (ذكرا) وقوله (إلا استمعوه) ي: الرسول وهم يلعبون. قاله الحسن بن الفضل.
٤ لاهية: ساهية معرضة عن ذكر الله تعالى. يقال: لهيت عن الشيء إذا تركته وسهرت عنه، وهو نعت تقدّم عن الاسم فنصب على الحال نحو: (خاشعة أبصارهم)، (ودانية عليهم ظلالها) وكقول كثير عزّة:
لعزة موحشا طلل
يلوح كأنه خِلَلُ
٥ ﴿الذين ظلموا﴾ بدل من واو الجماعة في: ﴿وأسروا النجوى﴾.

إنه ما هو إلا ساحر ﴿أفتأتون السحر وأنتم تبصرون﴾ مالكم أين ذهبت عقولكم؟ قال تعالى لرسوله: ﴿قل ربي١ يعلم القول في السماء والأرض وهو السميع... ﴾ لأقوال عباده ﴿العليم﴾ بأعمالهم فهو تعالى سميع لما تقولون من الكذب عليم بصدقي وحقيقة ما أدعوكم إليه.
وقوله تعالى: ﴿بل قالوا﴾ أي أولئك المتناجون الظالمون ﴿أضغاث أحلام﴾ أي قالوا في القرآن يأتيهم من ربهم محدث لهم؛ ليهتدوا به قالوا فيه أضغاث أي أخلاط رؤيا منامية وليس بكلام الله ووحيه، ﴿بل افتراه﴾ انتقلوا من قول إلى آخر لحيرتهم ﴿بل هو شاعر﴾ أي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما يقوله ليس من جنس الشعر الذي هو ذكر أشياء لا واقع لها ولا حقيقة. وقوله تعالى عنه: ﴿فليأتنا بآية كما أرسل الأولون﴾ أي إن كان رسولاً كما يدعي وليس بشاعر ولا ساحر فليأتنا بآية أي معجزة كآية صالح أو موسى أو عيسى كما أرسل بها الأنبياء الأولون. قال تعالى: ﴿ما آمنت قبلهم من٢ قرية﴾ أي أهل قرية ﴿أهلكناها﴾ بالعذاب لما جاءتها الآية فكذبت أفهم٣ يؤمنون أي لا يؤمنون إذ شأنهم شأن غيرهم، فلذا لا معنى لإعطائهم الآية من أجل الإيمان ونحن نعلم أنهم لا يؤمنون.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- قرب الساعة.
٢- بيان ما كان عليه المشركون من غفلة ولهو وإعراض، والناس اليوم أكثر منهم في ذلك.
٣- بيان حيرة المشركين إزاء الوحي الإلهي والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٤- المعجزات لم تكن يوماً سبباً في هداية الناس بل كانت سبب إهلاكهم إذ هذا طبع الإنسان إذا لم يرد الإيمان والهداية فإنه لا يهتدي ولو جاءته كل آية.
٢ ﴿من﴾ : زائدة لتقوية الكلام وتوكيد النفي المستفاد من حرف (ما).
٣ الاستفهام للإنكار أي: إنكار إيمانهم لو جاءتهم الآية أي: فهم لا يؤمنون.