آيات من القرآن الكريم

لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ۗ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ۖ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗ ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الأنبياء
[سورة] "الأنبياء" -مكية.
قوله تعالى ذكره: ﴿اقترب لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ﴾ إلى قوله: ﴿وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ﴾.
معناه: دنا حساب الله لناس على أعمالهم ونقمته منهم ﴿وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ﴾ يعني: في الدنيا.
روى أبو هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: " في غفلة في الدنيا ".
وروي أن أصحاب النبي عليه السلام كان يقول بعضهم لبعض كل يوم، ما الخبر؟. أي: ما حدث؟. فمر رجل برجل يبني حائطاً له، فقال له: ما الخبر؟ فقال: نزلت: " اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ". فنزل وترك البناء، فلم يبن ذلك الحائط بعدها.
فالمعنى: قرب [من الناس حسابهم وهم قد غفلوا عما يراد بهم من محاسبة

صفحة رقم 4725

ربهم لهم على أعمالهم.
قال ابن عباس: " عنى بذلك الكفار " دليله، قوله: ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون.
ومعنى الآية ما يأتي الكفار.
وقال ابن عباس: " اقترب للناس حسابهم " معناه: قرب عذابهم.
قوله: ﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ﴾.
أي: ما يأتيهم من قرآن يذكرهم الله به ويعظمهم إلا استمعوه وهم يلعبون، لا يعتبرون ولا يتفكرون في وعده ووعيده.
ومعنى " محدث " أي: محدث عند النبي ﷺ، لأنه لم يكن يعلمه فعلمه بإنزال جبريل صلى الله عليهما وسلم إياه عليه فهو محدث في علم النبي عليه السلام ومعرفته. غير محدث عند الله تعالى ذكره.
وقد قيل: عني بذلك: أن النبي ﷺ كان يذكرهم ويعظهم فتذكيره لهم محدث على الحقيقة.
وقال: ﴿مِّن رَّبِّهِمْ﴾ لأنه لا ينطبق إلا بما يؤمر به، قال تعالى ذكره:

صفحة رقم 4726

﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى﴾ [النجم: ٣] فالله أمره بوعظهم، وتذكيرهم، فلذلك قال: " من ربهم ".
ثم قال: ﴿لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ﴾.
أي: غافلة، لا يتدبرون حكمه ولا يتفكرون فيما أودعه كتابه.
ثم قال تعالى: ﴿وَأَسَرُّواْ النجوى الذين ظَلَمُواْ﴾.
أي: أسر هؤلاء الناس الذين اقترب حسابهم، النجوى بينهم، أي: أظهروا المناجاة بينهم، فقالوا: هل محمد إلا بشر مثلكم، وهو يزعم أنه رسول من عند الله إليكم.
وقيل: ﴿وَأَسَرُّواْ النجوى الذين ظَلَمُواْ﴾ أي: قالوا ذلك سراً.
وقال أبو عبيدة: " هو من الأضداد ".
وقوله: ﴿قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ القول فِي السمآء والأرض﴾ [الأنبياء: ٤].
الآية يدل على أنه بمعنى أخفوا.
ثم قال: ﴿أَفَتَأْتُونَ السحر وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ﴾.
زعموا أن محمداً ﷺ وشرف وكرم ساحر، وأن ما جاء به سحر. أي تقبلون ما جاءكم به وهو سحر وأنتم تبصرون أنه بشر مثلكم.
وفي الضمير الذي أتى بلفظ الجمع في قوله تعالى: ﴿وَأَسَرُّواْ النجوى الذين ظَلَمُواْ﴾ مع

صفحة رقم 4727

الكلام على موضع " الذين " من الإعراب ستة أقوال:
الأول: أن يكون ﴿الذين ظَلَمُواْ﴾ بدلاً من الواو في ﴿وَأَسَرُّواْ﴾.
فيكون التقدير: ﴿وَأَسَرُّواْ النجوى الذين ظَلَمُواْ﴾.
والثاني: أن يكون ﴿الذين ظَلَمُواْ﴾ رفعاً بابتداء مضمر، والتقدير: " هم الذين ظلموا ".
والثالث: أن يكون ﴿الذين ظَلَمُواْ﴾ رفعاً بفعلهم. والتقدير: يقول الذين ظلموا هل هذا.
والرابع: أن يكون ﴿الذين ظَلَمُواْ﴾ في موضع نصب بإضمار، أعني.
والخامس: أن يكون على لغة من جمع الفعل مقدماً، كما حكي: أكلوني البراغيث، وهو قول الأخفش.
والسادس: أن يكون ﴿الذين ظَلَمُواْ﴾ بدلاً من الناس أو نعتاً. كأنه قال: اقترب للناس الذين ظلموا حسابهم.
والوقف على ﴿وَأَسَرُّواْ النجوى﴾ حسن على القول الثاني والثالث والرابع.

صفحة رقم 4728
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية