آيات من القرآن الكريم

قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ
ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ

فَوَجَبَ أَنْ لَا يَمْتَنِعَ،
وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ هَارُونَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَرَّ بِالسَّامِرِيِّ وَهُوَ يَصْنَعُ الْعِجْلَ فَقَالَ:
مَا تَصْنَعُ؟ فَقَالَ: أَصْنَعُ مَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ فَادْعُ لِي فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَعْطِهِ مَا سَأَلَ فَلَمَّا مَضَى هَارُونُ قَالَ السَّامِرِيُّ:
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ يَخُورَ فَخَارَ
وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ ذَلِكَ مُعْجِزًا لِلنَّبِيِّ، أَمَّا قَوْلُهُ: فَقالُوا هَذَا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَفِيهِ إِشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّ الْقَوْمَ إِنْ كَانُوا فِي الْجَهَالَةِ بِحَيْثُ اعْتَقَدُوا أَنَّ ذَلِكَ الْعِجْلَ المعمول في تلك الساعة هو الخالق للسموات وَالْأَرْضِ فَهُمْ مَجَانِينُ وَلَيْسُوا بِمُكَلَّفِينَ وَلِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْجُنُونِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْجَمْعِ الْعَظِيمِ مُحَالٌ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدُوا ذَلِكَ فَكَيْفَ قَالُوا: هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى، وَجَوَابُهُ: لَعَلَّهُمْ كَانُوا مِنَ الْحُلُولِيَّةِ فَجَوَّزُوا حُلُولَ الْإِلَهِ أَوْ حُلُولَ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ فِي ذَلِكَ الْجِسْمِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ لِأَنَّ ظُهُورَ الْخُوَارِ لَا يُنَاسِبُ الْإِلَهِيَّةَ، وَلَكِنْ لَعَلَّ الْقَوْمَ كَانُوا فِي نِهَايَةِ الْبَلَادَةِ وَالْجَلَافَةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَنَسِيَ فَفِيهِ وُجُوهٌ. الْأَوَّلُ: أَنَّهُ كَلَامُ اللَّه تَعَالَى كَأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنِ السَّامِرِيِّ أَنَّهُ نَسِيَ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى حُدُوثِ الْأَجْسَامِ وَأَنَّ الْإِلَهَ لَا يَحِلُّ فِي شَيْءٍ وَلَا يَحِلُّ فِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ بَيَّنَ الْمَعْنَى الَّذِي يَجِبُ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً أَيْ لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِمْ أَنَّ مَنْ لَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ لَا يَكُونُ إِلَهًا وَلَا يَكُونُ لِلْإِلَهِ تَعَلُّقٌ بِهِ فِي الْحَالِيَّةِ وَالْمَحَلِّيَّةِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ هَذَا قَوْلُ السَّامِرِيِّ وَصَفَ بِهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالْمَعْنَى أَنَّ هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ مُوسَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْإِلَهُ فَذَهَبَ يَطْلُبُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ:
فَنَسِيَ وَقْتَ الْمَوْعِدِ فِي الرُّجُوعِ أَمَّا قَوْلُهُ: أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً فَهَذَا اسْتِدْلَالٌ عَلَى عَدَمِ إِلَهِيَّتِهَا بِأَنَّهَا لَا تَتَكَلَّمُ وَلَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِلَهَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً
[مَرْيَمَ: ٤٢] وَإِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أَكْثَرِ الْأَمْرِ لَا يُعَوِّلُ إِلَّا عَلَى دَلَائِلِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام بقي هاهنا بَحْثَانِ.
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: قَالَ الزَّجَّاجُ: الِاخْتِيَارُ أَنْ لَا يَرْجِعُ بِالرَّفْعِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ وَهَذَا كَقَوْلِهِ: وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا [الْمَائِدَةِ: ٧١] بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا تَكُونُ وَقُرِئَ بالنصب أيضا على أَنْ هَذِهِ هِيَ النَّاصِبَةُ لِلْأَفْعَالِ.
الْبَحْثُ الثَّانِي: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ النَّظَرِ فِي مَعْرِفَةِ اللَّه تَعَالَى وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا [الْأَعْرَافِ: ١٤٨] وَهُوَ قَرِيبٌ فِي الْمَعْنَى مِنْ قَوْلِهِ فِي ذَمِّ عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ: أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها [الْأَعْرَافِ: ١٩٥] وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْعِجْلَ لَوْ كَانَ يُكَلِّمُهُمْ لَكَانَ إِلَهًا لَأَنَّ الشَّيْءَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَشْرُوطًا بِشُرُوطٍ كَثِيرَةٍ فَفَوَاتُ وَاحِدٍ مِنْهَا يَقْتَضِي فَوَاتَ الْمَشْرُوطِ، وَلَكِنَّ/ حُصُولَ الْوَاحِدِ فِيهَا لَا يَقْتَضِي حُصُولَ الْمَشْرُوطِ. الثَّالِثُ:
قَالَ بَعْضُ الْيَهُودِ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَا دَفَنْتُمْ نَبِيَّكُمْ حَتَّى اخْتَلَفْتُمْ؟ فَقَالَ:
إِنَّمَا اخْتَلَفْنَا عَنْهُ وَمَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ، وَأَنْتُمْ مَا جَفَّتْ أَقْدَامُكُمْ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ حَتَّى قُلْتُمْ لِنَبِيِّكُمُ اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلهة؟
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٩٠ الى ٩١]
وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (٩١)

صفحة رقم 90

اعْلَمْ أَنَّ هَارُونَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ شَفَقَةً مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى الْخَلْقِ أَمَّا شَفَقَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَلِأَنَّهُ كَانَ مَأْمُورًا مِنْ عِنْدِ اللَّه بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَكَانَ مَأْمُورًا مِنْ عِنْدِ أَخِيهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَوْلِهِ: اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ [الْأَعْرَافِ: ١٤٢] فَلَوْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ لَكَانَ مُخَالِفًا لِأَمْرِ اللَّه تَعَالَى وَلِأَمْرِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، أَوْحَى اللَّه تَعَالَى إِلَى يُوشَعَ بْنِ نُونٍ أَنِّي مُهْلِكٌ مِنْ قَوْمِكَ أَرْبَعِينَ أَلْفًا مِنْ خِيَارِهِمْ وَسِتِّينَ أَلْفًا مِنْ شِرَارِهِمْ، فَقَالَ: يَا رَبِّ هَؤُلَاءِ الْأَشْرَارُ فَمَا بَالُ الْأَخْيَارِ؟ فَقَالَ: إِنَّهُمْ لَمْ يَغْضَبُوا لِغَضَبِي.
وَقَالَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ قَالَ أَنَسٌ قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أَصْبَحَ وَهْمُّهُ غَيْرُ اللَّه تَعَالَى فَلَيْسَ مِنَ اللَّه فِي شَيْءٍ وَمَنْ أَصْبَحَ لَا يَهْتَمُّ بِالْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ.
وَعَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم: «مثل المؤمنين في تواددهم وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوٌ مِنْهُ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ الْغُورِيُّ: كُنْتُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فَرَأَيْتُ زَوْرَقًا فِيهَا دِنَانٌ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا لَطِيفٌ فَقُلْتُ لِلْمَلَّاحِ: أَيْشٍ هَذَا فَقَالَ: أَنْتَ صُوفِيٌّ فُضُولِيٌّ وَهَذِهِ خُمُورُ الْمُعْتَضِدِ، فَقُلْتُ لَهُ: أَعْطِنِي ذَلِكَ الْمِدْرَى، فَقَالَ لِغُلَامِهِ: أَعْطَهِ حَتَّى نُبْصِرَ أَيْشٍ يَعْمَلُ فَأَخَذْتُ الْمِدْرَى وَصَعَدْتُ الزَّوْرَقَ فَكُنْتُ أَكْسِرُ دِنًّا دِنًّا وَالْمَلَّاحُ يَصِيحُ حَتَّى بَقِيَ وَاحِدٌ فَأَمْسَكْتُ فَجَاءَ صَاحِبُ السَّفِينَةِ فَأَخَذَنِي وَحَمَلَنِي إِلَى الْمُعْتَضِدِ وَكَانَ سَيْفُهُ قَبْلَ كَلَامِهِ فَلَمَّا وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَيَّ قَالَ مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ الْمُحْتَسِبُ، قَالَ مَنْ وَلَّاكَ الْحِسْبَةَ؟ قُلْتُ: الَّذِي وَلَّاكَ الْخِلَافَةَ. قَالَ: لِمَ كَسَرْتَ هَذِهِ الدِّنَانَ؟ قُلْتُ شَفَقَةً عَلَيْكَ إِذَا لَمْ تَصِلْ يَدِي إِلَى دَفْعِ مَكْرُوهٍ عَنْكَ. قَالَ: فَلِمَ أَبْقَيْتَ هَذَا الْوَاحِدَ قُلْتُ إِنِّي لَمَّا كَسَرْتُ هَذِهِ الدِّنَانَ فَإِنِّي إِنَّمَا كَسَرْتُهَا حَمِيَّةً فِي دِينِ اللَّه فَلَمَّا وَصَلْتُ إِلَى هَذَا أُعْجِبْتُ فَأَمْسَكْتُ وَلَوْ بَقِيتُ كَمَا كُنْتُ لَكَسَرْتُهُ، فَقَالَ: اخْرُجْ يَا شَيْخُ فَقَدْ وَلَّيْتُكَ الْحِسْبَةَ، فَقُلْتُ كُنْتُ أَفْعَلُهُ للَّه تَعَالَى فَلَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ شُرْطِيًّا. وَأَمَّا الشَّفَقَةُ عَلَى/ الْمُسْلِمِينَ فَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ رَقِيقَ الْقَلْبِ مُشْفِقًا عَلَى أَبْنَاءِ جِنْسِهِ وَأَيُّ شَفَقَةٍ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَرَى جَمْعًا يَتَهَافَتُونَ عَلَى النَّارِ فَيَمْنَعَهُمْ مِنْهَا،
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «يَقُولُ اللَّه تَعَالَى اطْلُبُوا الْفَضْلَ عِنْدَ الرُّحَمَاءِ مِنْ عِبَادِي تَعِيشُوا فِي أَكْنَافِهِمْ فَإِنِّي جَعَلْتُ فِيهِمْ رَحْمَتِي وَلَا تَطْلُبُوهَا فِي الْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ فَإِنَّ فِيهِمْ غَضَبِي»
وَعَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: «خَرَجْتُ أُرِيدُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ مَعَهُ فَجَاءَ صَغِيرٌ فَبَكَى فَقَالَ لِعُمَرَ: ضُمَّ الصَّبِيَّ إِلَيْكَ فَإِنَّهُ ضَالٌّ فَأَخَذَهُ عُمَرُ فَإِذَا امْرَأَةٌ تُوَلْوِلُ كَاشِفَةً رَأْسَهَا جَزَعًا عَلَى ابْنِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَدْرِكِ الْمَرْأَةَ فَنَادَاهَا فَجَاءَتْ فَأَخَذَتْ وَلَدَهَا وَجَعَلَتْ تَبْكِي وَالصَّبِيُّ فِي حِجْرِهَا فَالْتَفَتَتْ فَرَأَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَحْيَتْ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَ ذَلِكَ:
أَتَرَوْنَ هَذِهِ رَحِيمَةً بِوَلَدِهَا؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه كَفَى بِهَذِهِ رَحْمَةً فَقَالَ «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ اللَّه أَرْحَمُ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا»
.
وَيُرْوَى: «أَنَّهُ بَيْنَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ إِذْ نَظَرَ إِلَى شَابٍّ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنَّ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا فَسَمِعَ الشَّابُّ ذَلِكَ فَوَلَّى، فَقَالَ: إِلَهِي وَسَيِّدِي هَذَا رَسُولُكَ يَشْهَدُ عَلَيَّ بِأَنِّي مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ صَادِقٌ، فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَنِي فِدَاءَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُشْعِلَ النَّارَ بِي حَتَّى تَبَرَّ يَمِينُهُ وَلَا تُشْعِلِ النَّارَ بِأَحَدٍ آخَرَ، فَهَبَطَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ بَشِّرِ الشَّابَّ بِأَنِّي قَدْ أَنْقَذْتُهُ مِنَ النَّارِ بِتَصْدِيقِهِ لَكَ وَفِدَائِهِ أُمَّتَكَ بِنَفْسِهِ وَشَفَقَتِهِ عَلَى الْخَلْقِ».
إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالشَّفَقَةَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَاجِبٌ. ثُمَّ إِنَّ هَارُونَ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَأَى الْقَوْمَ مُتَهَافِتِينَ عَلَى النَّارِ وَلَمْ يُبَالِ بِكَثْرَتِهِمْ وَلَا بِقُوَّتِهِمْ بَلْ صَرَّحَ بِالْحَقِّ فقال: يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ الآية وهاهنا دَقِيقَةٌ وَهِيَ أَنَّ الرَّافِضَةَ تَمَسَّكُوا
بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعَلِيٍّ: «أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى»
ثُمَّ إِنَّ هَارُونَ مَا مَنَعَتْهُ

صفحة رقم 91
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية