عليه السلام لجارية معاوية بن الحكم السلمى (اين الله) فقالت فى السماء فقال (من انا) فقالت أنت رسول الله فقال (أعتقها فانها مؤمنة) ونحو ذلك من الاخبار الدالة على ثبوت المكان له تعالى فمصروفة عن ظواهرها محمولة على محل ظهور آثار صفاته العليا ولذا خص السماء بالذكر لانها مهبط الأنوار ومحل النوازل والاحكام ومن هذا ظهر ان من قال ان الله فى السماء عالم أراد به المكان كفر وان أراد به الحكاية عما جاء فى ظاهر الاخبار لا يكفر لانها مؤولة والأذهان السليمة والعقول المستقيمة لا تفهم بحسب السليقة من مثل هذه التشبيهات الأعين التنزيه- يروى- ان امام الحرمين رفع الله درجته فى الدارين نزل ببعض الأكابر ضيفا فاجتمع عنده العلماء والأكابر فقام واحد من اهل المجلس فقال ما الدليل على تنزيهه تعالى عن المكان وهو قال الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى فقال الدليل عليه قول يونس عليه السلام فى بطن الحوت لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فتعجب منه الناظرون فالتمس صاحب الضيافة بيانه فقال الامام ان هاهنا فقيرا مديونا بألف درهم أد عنه دينه حتى أبينه فقبل صاحب الضيافة دينه فقال ان رسول الله ﷺ لما ذهب فى المعراج الى ما شاء الله من العلى قال هناك (لا احصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك) ولما ابتلى يونس عليه السلام بالظلمات فى قعر البحر ببطن الحوت قال لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فكل منهما خاطب بقوله أنت وهو خطاب الحضور فلو كان هو فى مكان لما صح ذلك فدل ذلك على انه ليس فى مكان فان قلت فليكن فى كل مكان قلت قد أشرت الى انه فى كل مكان بآثار صفاته وأنوار ذاته لا بذاته كما ان الشمس فى كل مكان بنورها وظهورها لا بوجودها وعينها ولو كان فى كل مكان بالمعنى الذي اراده جهلة المتصوفة فيقال فاين كان هو قبل خلق هذه العوالم ألم يكن له وجود متحقق فان قالوا لا فقد كفروا وان قالوا بالحلول والانتقال فكذلك لان الواجب لا يقارن الحادث الا بالتأثير والفيض وظهور كمالاته فيه لكن لا من حيث انه حادث مطلقا بل من حيث ان وجوده مستفاض منه فافهم فان قلت فاذا كان تعالى منزها عن الجهة والمكان فما معنى رفع الأيدي الى السماء وقت الدعاء قلت معناه الاستعطاء من الحزانة لان خزائنه تعالى فى السماء كما قال وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ وقال وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ فثبت ان العرش مظهر استواء الصفة الرحمانية وان من يثبت له تعالى مكانا فهو من المجسمة ومنهم جهلة المتصوفة القائلون بانه تعالى فى كل مكان ومن يليهم من العلماء الزائغين عن الحق الخارجين عن طريق العقل والنقل والكشف فمثل مذهبهم وقذره كمثل مذهبهم وقذره فنعوذ بالله تعالى من التلوث بلوث الجهل والزيغ والضلال ونعتصم به عما يعصم من الوهم والخيال والحق حق والأشياء أشياء ولا ينظر الى الحق بعين الأشياء الا من ليس فى وجهه حياء لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ سواء كان ذلك بالجزئية منهما او بالحلول فيهما وَما بَيْنَهُما من الموجودات الكائنة فى الجو دائما كالهواء والسحاب او أكثريا كالطير اى له تعالى وحده دون غيره لا شركة ولا استقلالا كل ما ذكر ملكا وتصرفا واحياء واماتة وإيجادا واعداما وَما تَحْتَ الثَّرى
صفحة رقم 365
بيان لكون ما ذكر من الخالقية والرحمانية والمالكية والعالمية أسماءه وصفاته من غير تعدد فى ذاته تعالى فانه روى ان المشركين حين سمعوا النبي عليه السلام يقول يا الله يا رحمن قالوا ينهانا ان يعبد الهين وقد يدعو الها آخر. والحسنى تأنيث الأحسن يوصف به الواحدة المؤنثة والجمع من المذكر والمؤنث كما رب اخرى وآياتنا الكبرى وفضل اسماء الله فى الحسن على سائر الأسماء لدلالتها على معانى التقديس والتمجيد والتعظيم والربوبية والافعال التي هى النهاية فى الفضل والحسن قال فى تفسير الكبير يقال ان الله اربعة آلاف اسم ثلاثة آلاف منها لا يعلمها الا الله والأنبياء اما الالف الرابعة فان المؤمنين يعلمونها فثلاثمائة فى التوراة وثلاثمائة فى الإنجيل وثلاثمائة فى الزبور ومائة فى القرآن تسعة وتسعون ظاهرة وواحد مكنون من أحصاها دخل الجنة وليس حسن الأسماء لذواتها لانها ألفاظ وأصوات بل حسنها لحسن معانيها ثم ليس حسن المسمى حسنا ينطلق بالصورة والخلقة فان ذلك محال على من ليس بجسم بل حسن يرجع الى معنى الإحسان مثلا اسم الستار والغفار والرحيم انما كانت حسنى لانها ذالة على معنى الإحسان- روى- ان حكيما ذهب اليه قبيح وحسن والتمسا الوصية فقال للحسن أنت حسن ولا يليق بك الفعل القبيح وللقبيح أنت قبيح إذا فعلت القبيح عظم قبحك الهنا اسماؤك حسنة وصفاتك حسنة فلا تظهر لنا من تلك الأسماء الحسنة والصفات الحسنة الا الإحسان ويكفينا قبح أفعالنا وسيرتنا فلا تضم اليه قبح العقاب ووحشة العذاب وفى الحديث (اطلبوا الحوائج عند حسان الوجوه) وذلك لانهم إذا قضوا الحاجات قضوا بوجه طلق وان ردوا ردوا بوجه طلق
كشته از لطف حق بعرصه خاك
حسن صورت دليل سيرت پاك
وقال بعضهم
يدل على معروفه حسن وجهه
وما زال حسن الوجه احدى الشواهد
وفى الحديث (إذا بعثتم الىّ رجلا فابعثوه حسن الوجه حسن الاسم) الهنا حسن وجوهنا قبيح بعصياننا فمن هذا الوجه نستحيى طلب الحوائج وحسن الأسماء والصفات يدلنا عليك فلا تردنا عن إحسانك خائبين خاسرين قال موسى الهى أي خلق أكرم عليك قال الذي لا يزال لسانه رطبا من ذكرى قال فأى خلقك اعلم قال الذي يلتمس انى اعلم علم غيره قال فأى خلقك اعدل قال الذي يقضى على نفسه كما يقضى على الناس قال فأى خلقك أعظم جرما قال الذي يتهمنى وهو الذي يسألنى ثم لا يرضى بما قضيته له الهنا لانتهمك فانا نعلم ان كل ما أحسنت فهو فضل وكل ما لا تفعله فهو عدل فلا تؤاخذنا بسوء اعمالنا: قال الحافظ
در دائره قسمت ما نقطه تسليميم
لطف آنچهـ تو انديشى حكم آنچهـ تو فرمايى
وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى يحتمل ان يكون أول ما اخبر الله به من امر موسى فان السورة من أوائل ما نزل فيكون الاستفهام للانكار اى لم يأتك الى الآن خبر موسى وقصته وقد أتاك الآن بطريق الوحى فتنبه له واذكر لقومك ما فيه من امر التوحيد ونحوه ويحتمل انه قد أتاه ذلك سابقا فيكون استفهام تقرير فكأنه قال قد أتاك إِذْ رَأى ناراً ظرف
صفحة رقم 368