آيات من القرآن الكريم

فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَٰذَا إِلَٰهُكُمْ وَإِلَٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ
ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ

سؤال عن سبب العجلة «١» فكان الذي ينطبق عليه من الجواب أن يقال: طلب زيادة رضاك أو الشوق إلى كلامك وتنجز موعدك. وقوله هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي كما ترى غير منطبق عليه.
قلت: قد تضمن ما واجهه به رب العزة شيئين، أحدهما: إنكار العجلة في نفسها. والثاني:
السؤال عن سبب المستنكر والحامل عليه، فكان أهمّ الأمرين إلى موسى بسط العذر وتمهيد العلة في نفس ما أنكر عليه، فاعتل بأنه لم يوجد منى إلا تقدّم يسير، مثله لا يعتدّ به في العادة ولا يحتفل به. وليس بيني وبين من سبقته إلا مسافة قريبة يتقدّم بمثلها الوفد رأسهم ومقدمهم، ثم عقبه بجواب السؤال عن السبب فقال وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى ولقائل أن يقول: حار لما ورد عليه من التهيب لعتاب الله، فأذهله ذلك عن الجواب المنطبق المرتب على حدود الكلام.
[سورة طه (٢٠) : آية ٨٥]
قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (٨٥)
أراد بالقوم المفتونين: الذين خلفهم مع هرون وكانوا ستمائة ألف ما نجا من عبادة العجل منهم إلا اثنا عشر ألفا. فإن قلت: في القصة أنهم أقاموا بعد مفارقته عشرين ليلة، وحسبوها أربعين مع أيامها، وقالوا: قد أكملنا العدة، ثم كان أمر العجل بعد ذلك، فكيف التوفيق بين هذا وبين قوله تعالى لموسى عند مقدمه فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ؟ قلت: قد أخبر الله تعالى عن الفتنة المترقبة، بلفظ الموجودة الكائنة على عادته. أو افترص السامري غيبته فعزم على إضلالهم غب انطلاقه، وأخذ في تدبير ذلك. فكان بدء الفتنة موجودا. قرئ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ أى وهو أشدّهم ضلالا: لأنه ضال مضل، وهو منسوب إلى قبيلة من بنى إسرائيل يقال لها السامرة. وقيل: السامرة قوم من اليهود يخالفونهم في بعض دينهم: وقيل: كان من أهل باجرما.
وقيل: كان علجا من كرمان، واسمه موسى بن ظفر، وكان منافقا قد أظهر الإسلام، وكان من قوم يعبدون البقر.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٨٦ الى ٨٨]
فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (٨٦) قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (٨٧) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (٨٨)

(١). قال محمود: «إن قلت: سئل عن سبب العجلة... الخ» قال أحمد: وإنما أراد الله تعالى بسؤاله عن سبب العجلة وهو أعلم: أن يعلم موسى أدب السفر، وهو أنه ينبغي تأخير رئيس القوم عنهم في المسير ليكون نظره محيطا بطائفته ونافذا فيهم ومهيمنا عليهم. وهذا المعنى لا يحصل في تقدمه عليهم، ألا ترى الله عز وجل كيف علم هذا الأدب لوطا فقال: وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ فأمره أن يكون أخيرهم. على أن موسى عليه السلام إنما أغفل هذا الأمر مبادرة إلى رضا الله عز وجل، ومسارعة إلى الميعاد، وذلك شأن الموعود بما يسره، يود لو ركب إليه أجنحة الطير، ولا أسر من مواعدة الله تعالى له صلى الله عليه وسلم.

صفحة رقم 81

الأسف: الشديد الغضب. ومنه قوله عليه السلام في موت الفجأة «رحمة المؤمن وأخذة أسف للكافر «١» » وقيل: الحزين. فإن قلت. متى رجع إلى قومه؟ قلت: بعد ما استوفى الأربعين: ذا القعدة وعشر ذى الحجة. وعدهم الله سبحانه أن يعطيهم التوراة التي فيها هدى ونور، ولا وعد أحسن من ذاك وأجمل، حكى لنا أنها كانت ألف سورة كل سورة ألف آية، يحمل أسفارها سبعون جملا الْعَهْدُ الزمان، يريد: مدّة مفارقته لهم. يقال: طال عهدى بك، أى: طال زماني بسبب مفارقتك. وعدوه أن يقيموا على أمره وما تركهم عليه من الإيمان، فأخلفوا موعده بعبادتهم العجل بِمَلْكِنا قرئ بالحركات الثلاث، أى: ما أخلفنا موعدك بأن ملكنا أمرنا، لو ملكنا أمرنا وخلينا وراءنا لما أخلفناه، ولكنا غلبنا من جهة السامري وكيده. أى: حملنا أحمالا من حلىّ القبط التي استعرناها منهم. أو أرادوا بالأوزار: أنها آثام وتبعات، لأنهم كانوا معهم في حكم المستأمنين في دار الحرب. وليس للمستأمن أن يأخذ مال الحربي، على أن الغنائم لم تكن تحل حينئذ فَقَذَفْناها في نار السامري، التي أوقدها في الحفرة وأمرنا أن نطرح فيها الحلىّ. وقرئ حملنا فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ أراهم أنه يلقى حليا في يده مثل ما ألقوا. وإنما ألقى التربة التي أخذها من موطئ حيزوم فرس جبريل. أوحى إليه وليه الشيطان أنها إذا خالطت مواتا صار حيوانا فَأَخْرَجَ لَهُمْ السامري من الحفرة عجلا خلقه الله من الحلىّ التي سبكتها النار يخور كما تخور العجاجيل.
فإن قلت: كيف أثرت تلك التربة في إحياء الموات؟ قلت: أما يصحّ أن يؤثر الله سبحانه روح القدس بهذه الكرامة الخاصة كما آثره بغيرها من الكرامات، وهي أن يباشر فرسه بحافره تربة إذا لاقت تلك التربة جمادا أنشأه الله إن شاء عند مباشرته حيوانا. ألا ترى كيف أنشأ المسيح

(١). أخرجه أحمد من طريق عبد الله بن عبيد بن عمير عن عائشة «سألت رسول الله ﷺ عن موت الفجأة- فذكره وله طريق أخرى عند عبد الرازق مرفوعة. وفيها يحيى بن العلاء الرازي وهو ضعيف. ورواه هو وابن أبى شيبة والطبراني من حديثهما موقوفا. وعن ابن مسعود أيضا موقوفا، وفي الباب عن أنس في الجنائز لابن شاهين وعن عبيد بن خالد عند أبى داود بلفظ «موت الفجأة أخذة أسف». [.....]

صفحة رقم 82
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية