
سُوىً
، يعني: لا نجاوزه مكاناً سوى ذلك المكان، وهذه قراءة نافع وأبي عمرو والكسائي وابن كثير يقرءون بالكسر، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة سُوىً بضم السين ومعناه:
الإنصاف، وقال بعضهم: سُوى وسِوَى لغتان، وقال مجاهد: مكاناً منصفاً بينهم، وقال السدي: أي: عدلاً بينهم، وقال القتبي: أي وسطاً بين الفريقين.
قوله عز وجل: قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ، يعني: يوم عيد لهم، وهو يوم النيروز.
وروي عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: «هو يوم عاشوراء». وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى، يعني: إذا حشر الناس واجتمعوا على وقت الضحى، فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ يعني: رجع إلى أهله، فَجَمَعَ كَيْدَهُ يعني: سحرته، ثُمَّ أَتى يعني: أتى الميعاد. قرأ بعضهم: يَوْمُ الزِّينَةِ بنصب الميم، والمعنى: يقع في يَوْمُ الزِّينَةِ وقراءة العامة يَوْمُ الزِّينَةِ رفع على معنى خبر الابتداء.
ثم قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً، يعني: ضيّق الله عليكم الدنيا، لا تختلقوا على الله كذباً قال الزجاج: وَيْلَكُمْ منصوب على أن ألزمهم الله ويلاً، قال: ويجوز أن يكون على النداء كما قال: يا وَيْلَتَنا [الكهف: ٤٩] فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ، يعني: يأخذكم بعذاب ويهلككم. قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص فَيُسْحِتَكُمْ بضم الياء وكسر الحاء، وقرأ الباقون فَيُسْحِتَكُمْ بالنصب وهما لغتان. يقال: سحته وأسحته إذا استأصله وأهلكه. وَقَدْ خابَ، يعني: خسر مَنِ افْتَرى يعني: اختلق على الله كذبا.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٦٢ الى ٦٦]
فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى (٦٢) قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى (٦٣) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى (٦٤) قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى (٦٥) قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى (٦٦)
قال عز وجل: فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ يعني: تناظروا أمرهم بينهم- يعني: اختلفوا فيما بينهم سراً من فرعون وهم السحرة، وقالوا فيما بينهم: إن كان ما يقول موسى حقاً واجباً فيكون الغلبة لموسى، فذلك قوله عز وجل: فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ، يعني: تناظروا أمرهم بينهم «١» - وَأَسَرُّوا النَّجْوى، يعني: أخفوا الكلام. قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ، يعني: موسى وهارون، يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما قرأ أبو عمرو: أَن هذين لساحران لأن إِنْ تنصب ما بعدها. وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص إِنْ هذانِ بجزم إن وتشديد نون هذانّ عند ابن كثير خاصة، وقرأ الباقون أن بالنصب والتشديد هذانِ لَساحِرانِ

بالتخفيف. وقال أبو عبيد: نقرأ بهذا، ورأيت في مصحف عثمان رضي الله عنه بهذا اللفظ إن هذين لساحران إنّ هذين ليس فيه ألف، وهكذا رأيت رفع الاثنين في جميع المصاحف بإسقاط الألف، وإذا كتبوا بالنصب والخفض كتبوها بالياء. وحكى الكسائي، عن أبي الحارث بن كعب وخثعم وزيد وأهل تلك الناحية: الرفع مكان النصب وقال القائل:
أَي قلوص راكب تراها | طاروا علاهن فطر علاها |
إنَّ أبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا | قَدْ بلغا في المجد غَايَتَاهَا |
فَمَنْ يك أمسى بالمدينة رَحْلُه | فَإِنِّي وَقَيَّارٍ بِهَا لَغَرِيبُ |
ثم قال الله عزّ وجلّ: وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى، يقول برجالكم الأمثل فالأمثل. يقول:
ليغلبا على الرجال من أهل العقول والشرف، وقال القتبي: يقال: هؤلاء طريقة القوم، أي:
أشرافهم، ويقال: أراد سنتكم ودينكم، وقال الزجاج: معناه، يذهبا بأهل طريقتكم، كما قال:
وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف: ٨٢].
ثم قال عز وجل: فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ قرأ أبو عمرو فاجمعوا بجزم الألف ونصب الميم، يعني: جيئوا بكل كيد تقدرون عليه، لا تبقوا منه شيئاً. وقرأ الباقون: فَأَجْمِعُوا بقطع الألف وكسر الميم، ومعناه: ليكن عزمكم كلكم على الكيد مجمعاً عليه، ولا تختلفوا فتخذلوا.
وقال أبو عبيدة: بهذا نقرأ، لأن الناس عليها ولصحتها في العربية يقال: أجمعت الأمر واجتمعت عليه، وإنما يقال: جمعت الشيء المتفرق فتجمّع.
ثمّ قال: ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا، يعني: جميعاً. قال أبو عبيد: الصف المصلى، وقال الزجاج:
ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا يعني: الموضع الذي تجتمعون فيه لعيدكم وصلاتكم. قال: ويجوز أن يكون قوله ثم ائتوا مصطفين مجتمعين ليكون أنظم لأمركم، وأشد لهيبتكم. وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ يعني:
قد فاز ونجا اليوم مَنِ اسْتَعْلى أي: من علا بالغلبة.
ثم جمع فرعون بينهم وبين موسى عليه السلام ف قالُوا يا مُوسى، يعني: السحرة، إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ يعني: أن تطرح عصاك على الأرض، وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى إلى الأرض.
قالَ لهم موسى: بَلْ أَلْقُوا، فألقوا في الكلام مضمر. فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ، يعني: تراءت إلى موسى مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى، يعني: كأنها حيات تسير. وروي عن الحسن أنه كان يقرأ بالتاء تُخَيَّلُ لأن جمع العصي مؤنث، وقراءة العامة بالياء يعني: سعيها. صفحة رقم 404