آيات من القرآن الكريم

فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ
ﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫ ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ ﰿ

وكان اقتراحه أن يكون المكان مكانا سوى أي مكانا مستويا متوسطا بين الطرفين، حتى لا يكون عذر في التخلف.
٥- اختار موسى يوم العيد (يوم الزينة) لتعلو كلمة الله، ويظهر دينه، ويكبت الكفر، ويزهق الباطل، أمام الناس قاطبة في المجمع العام، ليشيع الخبر، ويتناقل جميع أهل المدن والقرى والحضر والأعراب قصة الأمر العجيب، ونبأ المعجزة الكبرى. ثم عين موسى عليه السلام من اليوم وقتا معينا بقوله:
وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى أي في ضحوة الناس بعد طلوع الشمس، حيث تكون الرؤية واضحة، والنفوس مستعدة نشيطة، ولأنه أول النهار، فلو امتد الأمر فيما بينهم كان في النهار متسع. وكان ذلك بالصدفة مناسبا للسحرة، لتسخين الحبال والأدوات المعبأة بالزئبق.
- ٨- جمع فرعون السحرة وتحذير موسى لهم
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٦٠ الى ٦٤]
فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى (٦٠) قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى (٦١) فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى (٦٢) قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى (٦٣) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى (٦٤)
الإعراب:
إِنْ هذانِ لَساحِرانِ إِنْ إما مخففة من الثقيلة لم تعمل، وإما بمعنى «ما» واللام بمعنى «إلا» أي ما هذان إلا ساحران. وهذان الوجهان على مذهب الكوفيين. ومن قرأ بالتشديد

صفحة رقم 233

إِنْ أتى به على لغة بني الحارث بن كعب، فإنهم يقولون: مررت برجلان، وقبض منه درهمان، وهي لغة من يأتي في المثنى بالألف في أحواله الثلاث.
وقيل: إن بمعنى «نعم» أي نعم هذان لساحران، لكن فيه ضعف، لدخول اللام في الخبر، وهو قليل في كلامهم. وقرئ «إن هذين لساحران».
فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ قرئ: أجمعوا بقطع الهمزة ووصلها، ففي قراءة القطع نصب كَيْدَكُمْ ب فَأَجْمِعُوا على تقدير حذف حرف الجر، أي فأجمعوا على كيدكم. فحذف حرف الجر، فاتصل الفعل به فنصبه، يقال: أجمع على كذا: إذا عزم عليه، فحذف الجار من الآية، كما في آية: وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ [البقرة ٢/ ٢٣٥] أي على عقدة النكاح.
وعلى قراءة فاجمعوا بوصلها، لم يفتقر إلى تقدير حذف حرف الجر لأنه يتعدى بنفسه.
ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا مصدر في موضع الحال، أي ائتوا مصطفين، أو مفعول به، أي ائتوا إلى صف، والأول أوجه.
المفردات اللغوية:
فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ أدبر وانصرف عن المجلس. فَجَمَعَ كَيْدَهُ أي جمع ذوي كيده من السحرة، والكيد: ما يكاد به من السحرة وأدواتهم. ثُمَّ أَتى أي أتى بالموعد بهم. قالَ لَهُمْ مُوسى وهم اثنان وسبعون مع كل واحد حبل وعصا. وَيْلَكُمْ أي هلاك لكم. لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً بأن تدعوا آياته سحرا، وتشركوا أحدا مع الله. والافتراء: الاختلاق والكذب.
فَيُسْحِتَكُمْ يهلككم. بِعَذابٍ شديد من عنده. وَقَدْ خابَ خسر. مَنِ افْتَرى كذب على الله، كما خاب فرعون، فإنه افترى واحتال ليبقى الملك معه، فلم ينفعه.
فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ فتفاوض السحرة وتشاوروا في أمر موسى، حين سمعوا كلامه.
وَأَسَرُّوا النَّجْوى بالغوا في إخفاء الكلام بينهم. قالُوا لأنفسهم. وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى المثلى: مؤنث أمثل بمعنى أشرف، أي يذهبا بمذهبكم الذي هو أفضل المذاهب، بإظهار مذهبه وإعلاء دينه، لقوله تعالى حكاية لقول فرعون: إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ [غافر ٤٠/ ٢٦].
فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ بهمزة القطع من أجمع أي أحكموا كيدكم الذي يكاد به، وبهمزة الوصل من جمع، أي لم ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا أي مصطفين لأنه أهيب في صدور الرائين. وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى فاز اليوم من غلب.

صفحة رقم 234

المناسبة:
بعد اتفاق موسى وفرعون على موعد المبارزة وهو يوم عيد لهم، ذكر الله تعالى ما قام به فرعون من تدبير أمره بجمع السحرة وآلاتهم، ثم ذكر ما حذرهم به موسى من عذاب شديد إن أقدموا على إبطال آيات الله، فأوقع الخلاف بينهم، وعقدوا المشاورات في خطتهم، فاتفقوا على وحدة الصف أمام موسى وهارون اللذين يريدان الغلبة والتفوق على دينهم الذي هو في زعمهم أفضل الأديان.
التفسير والبيان:
فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ، فَجَمَعَ كَيْدَهُ، ثُمَّ أَتى أي انصرف فرعون وشرع في جمع السحرة من مدائن مملكته، فجمع ما يكيد به من سحره وحيله وآلاته وأنصاره، وقد كان السحر شائعا عندهم، ثم أقبل في الموعد المعين، وجلس في مكان خاص به مع كبار أعوانه، كجناح العروض العسكرية المخصص اليوم لرئيس الدولة، وجاء موسى مع أخيه هارون، وجاءت السحرة ووقفوا صفوفا، وبدأ فرعون يحرضهم ويستحثهم ويعدهم، فتجرءوا أن يطلبوا منه الأجر، كما قال تعالى:
قالُوا لِفِرْعَوْنَ: أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ، قالَ: نَعَمْ، وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ [الشعراء ٢٦/ ٤٢] وعدهم فرعون بالجزاء المادي والأدبي ليتفانوا في إجادة عملهم، ويتغلبوا على موسى عليه السلام.
وشرع موسى في الإعلان عن رسالته، فقال:
قالَ لَهُمْ مُوسى: وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً، فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى أي قال موسى لفرعون والسحرة: الهلاك والعذاب لكم إن اختلقتم على الله كذبا وزورا، بأن تزعموا أن الذي جئت به ليس بحق، وأنه سحر، فيستأصلكم الله بعذاب شديد من عنده، وقد خسر وهلك من افترى على الله أي كذب كان.

صفحة رقم 235

فأعرضوا عن قوله:
فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى أي لما سمع السحرة كلام موسى تناظروا وتشاوروا وتفاوضوا فيما بينهم في ذلك، وتناجوا فيما بينهم سرا عن موسى وأخيه، وقرروا ما يأتي:
قالُوا: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما، وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى أي قالت السحرة: إن موسى وهرون لساحران يريدان إخراجكم أيها المصريون من أرضكم مصر بصناعة السحر، كما يريدان التغلب للاستيلاء على جميع المناصب، ولتكون لهما الرياسة في كل شيء، ومآل ذلك أن تنقضي سنتكم في الحياة، ويعصف بمنهجكم في العيش الحر العزيز الكريم، وتسلب خيراتكم، ويزول مذهبكم الأمثل الحسن.
قالوا ذلك متأثرين بما قاله فرعون، ومرددين ما يشيعه، مستخدمين أساليب ثلاثة للتنفير منهما، وهي تكذيب نبوتهما ووصفهما بالسحرة، والكشف عن نواياهما البعيدة بطرد السكان الأصليين من أرضهم مصر، والاستيلاء على جميع المناصب والرياسات.
فيجب علينا الوقوف صفا واحدا أمام هذا الخطر، فقالوا:
فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ، ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا، وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى أي فاعزموا على تقديم جميع خبراتكم ومهاراتكم، ولا تتركوا أقصى ما تستطيعون عليه من الكيد والحيلة، وقفوا صفا واحدا، وألقوا ما لديكم دفعة واحدة، لتبهروا الأبصار، وتعظم هيبتكم، وتغلبوا هذين الرجلين، فإنه قد فاز اليوم بالمطلوب من غلب منا ومنهما.
وهذا كله من قول السحرة بعضهم لبعض، بقصد التحريض وشد العزائم، لبذل أقصى الجهود للفوز بالمطلوب.

صفحة رقم 236

فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
١- بدأت استعدادات فرعون في جمع السحرة، وإعداد الحيل كما هي عادة التهيؤ للمبارزة، قال ابن عباس: كانوا اثنين وسبعين ساحرا، مع كل ساحر منهم حبال وعصي.
٢- لما أتى فرعون وسحرته في الموعد المعين قال موسى لفرعون والسحرة:
الهلاك والعذاب لمن اختلق الكذب على الله، وأشرك به، ووصف المعجزات بأنها سحر، فيستأصلكم الله بعذاب شديد من عنده، وقد خسر وهلك، وخاب من الرحمة والثواب من ادعى على الله ما لم يأذن به. وهذا شعار الأنبياء، وهو الصدق في الدعوة، وانتهاز الفرص المناسبة لإعلان دعوتهم.
٣- تشاور السحرة سرا فيما بينهم، وقالوا: إن كان ما جاء به سحرا، فسنغلبه، وإن كان من عند الله فسيكون له أمر. وهذا حق وصدق لا شيء فيه.
٤- ثم أعلنوا قرارهم بأن موسى وأخاه هارون ساحران عظيمان، يريدان إخراج الناس من مصر بسحرهما، وإفساد دينهم، وإزالة مذهبهم الحسن، كما قال فرعون عن موسى: إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ، أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ [غافر ٤٠/ ٢٦]. وهذا كله من دعاية فرعون وتحريضه.
٥- ثم حرضوا بعضهم قائلين: اعزموا وجدوا في تجميع أنواع الكيد والحيلة، وأقصى فنون السحر، وأحكموا أمركم، وقفوا صفا واحدا، ليكون أشد لهيبتكم، وألقوا ما في أيديكم مرة واحدة، لتبهروا الأبصار، وتغلبوا موسى وأخاه، وقد فاز اليوم من غلب. وهذا شأن كل من الفريقين المتبارزين، يحرص كل منهما على الفوز والانتصار، ويتأثران بالتأييد الشعبي وبحماس المتفرجين واللاعبين أنفسهم، كما هو معروف.

صفحة رقم 237
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية