آيات من القرآن الكريم

فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ
ﮢﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ

القتل ابتلاءً. وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: الفتون: وقوعُه في محنة بعد محنة خلَّصه الله منها، أولها أن أُمَّه حملته في السنة التي كان فرعون يذبح فيها الأطفال، ثم إِلقاؤه في البحر، ثم منعه الرضاع إِلا من ثدي أمه، ثم جرُّه لحية فرعون حتى همَّ بقتله، ثم تناوله الجمرة بدل الدُّرَّة، ثم قتله القبطيّ، ثم خروجه إِلى مَدْيَن خائفاً وكان ابن عباس يقصُّ هذه القصص على سعيد بن جبير، ويقول له عند كلّ بليّة: وهذا من الفُتون يا ابن جبير فعلى هذا يكون معنى «فتنَّاكَ» خلَّصناكَ من تلك المحن كما يُفْتَن الذهب بالنار فيخلص من كل خبث. والفتون: مصدر.
قوله تعالى: فَلَبِثْتَ سِنِينَ تقدير الكلام: فخرجتَ إِلى أهل مدين. ومدين: بلد شعيب، وكان على ثماني مراحل من مصر، فهرب إِليه موسى. وقيل: مدين: اسم رجل، وقد سبق هذا «١». وفي قدر لبثه هناك قولان: أحدهما: عشر سنين، قاله ابن عباس، ومقاتل. والثاني: ثمان وعشرون سنة، عشر منهنَّ مهر امرأته، وثمان عشرة أقام حتى وُلد له، قاله وهب.
قوله تعالى: ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ أي: جئتَ لميقاتٍ قدَّرتُه لمجيئكَ قبل خَلْقِك، وكان ذلك على رأس أربعين سنة، وهو الوقت الذي يوحى فيه إِلى الأنبياء، هذا قول الأكثرين. وقال الفراء: «على قَدَرٍ» أي: على ما أراد الله به من تكليمه.
قوله تعالى: وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي أي: اصطفيتُك واختصصتك، والاصطناع: اتخاذ الصنيعة، وهو الخير تسديه إِلى إِنسان. وقال ابن عباس: اصطفيتك لرسالتي ووحيي اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وفيها ثلاثة أقوال: أحدها: أنها العصا واليد. وقد يُذْكَر الاثنان بلفظ الجمع. والثاني: العصا واليد وحَلُّ العُقدة التي ما زال فرعون وقومه يعرفونها، ذكرهما ابن الأنباري. والثالث: الآيات التسع. والأول أصح. قوله تعالى: وَلا تَنِيا قال ابن قتيبة: لا تَضْعُفا ولا تفْتُرا يقال: ونَى يني في الأمر وفيه لغة أخرى: وَنَيَ، يونى. وفي المراد بالذّكر ها هنا قولان «٢» : أحدهما: أنه الرسالة إِلى فرعون. والثاني: أنه القيام بالفرائض والتّسبيح والتّهليل.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٤٣ الى ٤٨]
اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٤٣) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (٤٤) قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (٤٥) قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (٤٦) فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (٤٧)
إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٤٨)
قوله تعالى: اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ فائدة تكرار الأمر بالذهاب، التوكيد. وقد فسرنا قوله إِنَّهُ طَغى «٣». قوله تعالى: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً وقرأ أبو عمران الجوني، وعاصم الجحدري: «ليْنا» باسكان

(١) في سورة الأعراف: ٨٦.
(٢) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٣/ ١٩٤: والمراد أنهما لا يفتران عن ذكر الله، بل يذكر ان الله في حال مواجهة فرعون، ليكون ذكر الله عونا لهما عليه، وقوّة لهما وسلطانا كاسرا له، كما جاء في الحديث: «إن عبدي كل عبدي للذي يذكرني وهو مناجز قرنه».
(٣) في سورة طه: ٢٤.

صفحة رقم 159

الياء، أي: لطيفا رفيقاً. وللمفسرين فيه خمسة أقوال: أحدها: قولا له: قل: «لا إِله إِلا الله وحده لا شريك له»، رواه خالد بن معدان عن معاذ، والضحاك عن ابن عباس. والثاني: أنه قوله: هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (١٨) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى «١»، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال مقاتل. والثالث: كنِّيَاه، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال السدي. فأما اسمه، فقد ذكرناه في البقرة «٢». وفي كنيته أربعة أقوال.
أحدها: أبو مُرَّة، رواه عكرمة عن ابن عباس. والثاني: أبو مصعب، ذكره أبو سليمان الدمشقي.
والثالث: أبو العباس. والرابع: أبو الوليد، حكاهما الثعلبي. والقول الرابع: قولا له: إِن لكَ ربّاً، وإِن لكَ مَعَاداً، وإِن بين يديكَ جَنَّة وناراً، قاله الحسن. والخامس: أن القول اللين: أن موسى أتاه، فقال له: تؤمن بما جئتُ به وتعبد ربَّ العالمين، على أن لكَ شبابك فلا تهرم، وتكون مَلِكاً لا يُنزع منك حتى تموت، فإذا متَّ دخلتَ الجنة، فأعجبه ذلك فلما جاء هامان، أخبره بما قال موسى، فقال: قد كنتُ أرى أن لكَ رأياً، أنت ربٌّ أردتَ أن تكون مربوباً؟! فقلبه عن رأيه، قاله السدي. وحكي عن يحيى بن معاذ أنه قرأ هذه الآية، فقال: إِلهي هذا رِفقك بمن يقول: أنا إله، فكيف رِفقك بمن يقول:
أنت إِله.
قوله تعالى: لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى قال الزجاج: «لَعَلَّ» في اللغة: ترجٍّ وطمع، تقول: لَعَلِّي أصير إلى خير، فخاطب الله تعالى العباد بما يعقلون. والمعنى عند سيبويه: اذهبا على رجائكما وطمعكما. والعلم من الله تعالى من وراء ما يكون، وقد عَلِم أنه لا يتذكر ولا يخشى، إِلا أن الحُجَّة إِنما تجب عليه بالآية والبرهان، وإِنما تُبعث الرسل وهي لا تعلم الغيب ولا تدري أيُقبل منها، أم لا، وهم يرجون ويطمعون أن يُقبل منهم، ومعنى «لعلَّ» متصوَّر في أنفسهم، وعلى تصوُّر ذلك تقوم الحُجَّة. قال ابن الأنباري: ومذهب الفراء في هذا: كي يتذكَّر. وروى خالد بن معدان عن معاذ قال:
والله ما كان فرعون ليخرج من الدنيا حتى يتذكَّر أو يَخْشى، لهذه الآية، وإِنَّه تذكَّر وخشي لمَّا أدركه الغرق. وقال كعب: والذي يحلِفُ به كعب، إِنه لمكتوب في التوراة: فقولا له قولاً ليِّناً، وسأقسِّي قلبه فلا يؤمن. قال المفسرون: كان هارون يومئذ غائباً بمصر، فأوحى الله تعالى إِلى هارون أن يتلقَّى موسى، فتلقَّاه على مرحلة، فقال له موسى: إِن الله تعالى أمرني أن آتيَ فرعون، فسألتُه أن يجعلكَ معي فعلى هذا يحتمل أن يكونا حين التقيا قالا: ربَّنا إِننا نخاف. قال ابن الأنباري: ويجوز أن يكون القائل لذلك موسى وحده، واخبر الله عنه بالتثنية لمَّا ضم إِليه هارون، فإن العرب قد تُوقع التثنية على الواحد، فتقول: يا زيد قوما، يا حرسيُّ اضربا عنقه.
قوله تعالى: أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا وقرأ عبد الله بن عمرو، وابن السميفع، وابن يعمر، وأبو العالية:
«أن يُفْرِط» برفع الياء وكسر الراء. وقرأ عكرمة، وإِبراهيم النخعي: «أن يَفْرَط» بفتح الياء والراء. وقرأ أبو رجاء العطاردي، وابن محيصن: «أن يفرط» بضمّ الياء وفتح الراء. قال الزجاج: المعنى، أن يبادر بعقوبتنا، يقال: قد فَرَط منه أمر، أي: قد بَدَر وقد أفرط في الشيء: إِذا اشتطَّ فيه وفرَّط في الشيء:
إِذا قصَّر ومعناه كلُّه: التقدم في الشيء، لأن الفرط في اللغة: المتقدّم.

(١) سورة النازعات: ١٨ و ١٩.
(٢) سورة البقرة: ٤٩.

صفحة رقم 160
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية