
والظاهر والله أعلم أنها اليد لأن العصا انقلابها حية كانت تشبه السحر، وحاول السحرة إبطالها، وأما اليد فلم يحاول أحد إبطالها ومعارضتها.
بعد هذا اذهب إلى فرعون إنه طغى، وجاوز الحد في الإشراك بالله وتعذيب بنى إسرائيل.
قال موسى وقد صدع بالأمر: رب اشرح لي صدري، افتح لي قلبي حتى أكون حليما صبورا حمولا، يستقبل ما عساه يرد عليه من الشدائد بصدر رحب، وقلب ثابت.
ويسر لي أمرى الذي أردته لي حتى يكون سهلا، لا صعوبة فيه تعوقنى، ولا شدة فيه تؤودنى.
واحلل عقدة من لساني، وقد كان في لسانه رثّة لما
روى أنه نتف شعرة من ذقن فرعون وهو صغير فغضب، وتوجس منه شرا فقالت امرأته: إنه صغير لا يدرى شيئا فأتت له بجمرة وبلحة فوضع الجمرة على لسانه فكان فيه رتة ولكنة.
ويقول الشيخ النجار، إنه يحتمل أن تكون اللكنة ناشئة من عدم رضاعته وهو صغير مدة أثرت عليه، وتلك عادة معروفة في الأطفال أو أن موسى حينما مكث في مدين عشر سنين تغير لسانه ونسى لهجة المصريين فطلب أن يكون معه هارون ليترجم له ويساعده على التفاهم، وكان لسان هارون مصريا لمخالطته المصريين وعبريا لأنه إسرائيلى فيمكنه التفاهم مع موسى بطلاقة، ومع المصريين كذلك.
واجعل لي وزيرا من أهلى هارون أخى، اشدد به أزرى، وأشركه في أمرى ليتحمل معى تلك الأمانة كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً.
بعض الألطاف التي صادفت موسى [سورة طه (٢٠) : الآيات ٣٦ الى ٤١]
قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى (٣٦) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (٣٧) إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى (٣٨) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (٣٩) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (٤٠)
وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١)

المفردات:
سُؤْلَكَ مسئولك أى: مطلوبك مَنَنَّا المن: الإحسان والإفضال التَّابُوتِ صندوق من الخشب فَاقْذِفِيهِ فألقيه واطرحيه فِي الْيَمِّ البحر والمراد نهر النيل وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي ولتربى وأنا مراعيك ومراقبك فُتُوناً اختبرناك اختبارا حتى تصلح للنبوة والرسالة عَلى قَدَرٍ على وعد وأمر مقتضى به وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي اصطنعتك لوحيي ورسالتي وَلا تَنِيا تضعفا في أمر الرسالة، والونى: الضعف والفتور والكلال والإعياء.
مر ببني إسرائيل فترة عصيبة، وهم في مصر تحت حكم فرعون، فأخذ يقتل أبناءهم ويستحي نساءهم، ويذيقهم العذاب ألوانا.
في أثناء تلك العاصفة الهوجاء ولد لرجل من بنى إسرائيل يقال له عمران من زوجته (يوكابد) ولد فلما ولدته خبأته عن عيون من يطلبه من أعوان فرعون وجنوده لقتله فمكث عندها ثلاثة أشهر فلما خافت افتضاح أمرها أعلمها الله وعلمها عن طريق الوحى بنبي، أو ملك، أو إلهام أن تصنع له ما يشبه الصندوق وتطليه بالزفت والقطران، وتلقيه في اليم ففعلت، ووكلت لأخته مريم أن تتبع أثره، وتعلم خبره.

وكان الله- تعالى- قد أعلمها أنه راده إليها، وجاعله من المرسلين فلم تزل أخته تراقبه حتى علمت أنه التقط وأدخل دار فرعون، وأن عين زوجة فرعون، قد وقعت عليه فألقى الله عليها محبته. فأحبته ليكون قرة عينها وعين فرعون، راجية أن ينفعها أو يتخذاه ولدا، وهذا تدبير من الله لموسى وأمه لأنه سيعود إليها لتكون مرضعته وتتقاضى على ذلك أجرا وهي آمنة مطمئنة. يا سبحان الله ينشأ موسى في بيت فرعون عدوه وعدو ربه!! وكانت عناية الله تلحظه فلم يقبل ثدي امرأة أبدا إلا ثدي أمه.
وسيأتى في سورة القصص مزيد بيان لهذا: وإنما ذكرها ها هنا باختصار على أنه من نعم الله على موسى.
المعنى:
لما سأل موسى ربه أن يشرح له صدره، وييسر له أمره وأجاب سؤله وأتاه طلبته (مطلوبه) ومرغوبه أخذ يسرد ما من به على موسى فقال:
ولقد مننا عليك وأحسنا مرة أخرى إذ أوحينا إلى أمك، وألهمناها أمرا لا سبيل إليه إلا بالوحي إذ فيه مصلحة دينية توجب أن يعتنى به فهو أمر عظيم جدير بأن يوحى به من الله.
أوحينا إليها أن تصنع صندوقا محكما، وتضع فيه موسى، وأن تقذفه وتلقيه في نهر النيل، ولما كانت إرادة الله حاصلة صار كأن اليم يعقل وقد أمره الله بأن يلقيه إلى الساحل الذي فيه فرعون وامرأته، فبينما هو جالس على رأس بركة بالساحل إذ بالصندوق فأمر به فأخرج ففتح فإذا صبي أصبح الناس وجها، فأحبه عدو الله حبا شديدا لا يتمالك أن يصبر عنه هو وزوجته، وذلك معنى قوله: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي أى: أحبه الله وحببه إلى خلقه وبالأخص فرعون وزوجته آسية.
ولتربى ويحسن إليك وأنا مراعيك ومراقبك كما يرعى الرجل الشيء العزيز لديه بعينه إذ تمشى أختك في أثرك فتراك قد امتنعت عن المرضعات كلها. فتقول لهم في ثوب الناصح: أفلا أدلكم على مرضع له فيقول لها: هاتها فأحضرت له أمه فأرضعته، وهذا معنى قوله تعالى: فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ.