قالَ استئناف بيانى خُذْها وَلا تَخَفْ روى انها انقلبت ثعبانا ذكرا يبتلع كل شىء يمر به من صخر وحجر وعيناه تتقدان كالنار ويسمع لانيابه صريف شديد وكان بين لحييه أربعون ذراعا او ثمانون فلما رآه كذلك خاف ونفر لان الخوف والهرب من الحيات ونحوها من طباع البشر فان قيل لم خاف موسى من العصا ولم يخف ابراهيم من النار قلنا لان الخليل كان أشد تمكينا إذ فرق بين بداية الحال ونهايتها وقد أزال الله هذا الخوف من موسى بقوله ولا تخف ولذا تمكن من أخذ العصا كما يأتى فصار اهل تمكين كالخليل عليهما السلام ألا ترى ان نبينا عليه السلام أول ما جاءه جبريل خافه فرجع من الجبل مرتعدا ثم كان من امره ما كان حتى استعد لرؤيته على صورته الاصلية ليلة المعراج كما قال تعالى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى وفى التأويلات النجمية خُذْها وَلا تَخَفْ يعنى كنت تحسب ان لك فيها المنافع والمآرب فى البداية ثم رأيتها وأنت خائف من مضارها فخذها ولا تخف لتعلم ان الله تعالى هو الضار والنافع فيكون خوفك ورجاؤك منه اليه لامن غيره: وفى المثنوى
هر كه ترسيد از حق وتقوى كزيد
ترسد از وى جن وانس وهر كه ديد «١»
سَنُعِيدُها [زود باشد كه كردانيم ويرا] سِيرَتَهَا الْأُولى السيرة فعلة من السير اى نوع منه تجوز بها للطريقة والهيئة وانتصابها على نزع الجار اى سنعيدها بعد الاخذ الى هيئتها الاولى التي هى الهيئة العصوية فوضع يده فى فم الحية فصارت عصا كما كانت ويده فى شعبتيها فى الموضع الذي يضعها فيه إذا توكأ وأراه هذه الآية كيلا يخاف عند فرعون إذا انقلبت حية وفى الحديث (يجاء لصاحب المال الذي لم يؤد زكاته بذلك المال على صورة ثعبان) يقول الفقير لا شك عند اهل المعرفة ان لكل جسد روحا ولو كان معنويا ولكل عمل وخلق ووصف صورة معتدلة فى الدنيا تتحول صورة محسوسة فى الآخرة كما قال تعالى فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ اى يظهر لهم صور أعمالهم كما مر فى سورة الانعام ولما كان حب المال من أشد صفات النفس الامارة التي هى فى صورة ثعبان ضار لا جرم يظهر يوم تبلى السرائر على هذا الصورة المزعجة ويصير طوقا لعنق صاحبه فاذا تزكى موسى القلب من حب المال وأحب بذله فى سبيل الله جاء فى صورة حسنة يهواها مناسبة لما عمل به من الخيرات وقس حال البواقي عليه ثم أراه آية اخرى فقال وَاضْمُمْ [ضم كن وببر] يَدَكَ اليمنى إِلى جَناحِكَ [بسوى پهلوى خود در زير بغل] وجناح الإنسان جنبه وعضده الى اصل إبطه كما ان جناحى العسكر ناحيتاه مستعار من جناحى الطائر وقد سميا جناحين لانه يجنحهما اى يمينها عند الطيران. والمعنى واضمم يدك الى جنبك تحت العضد تَخْرُجْ [تا بيرون آيد جواب] بَيْضاءَ [در حالتى كه سفيد وروشن] حال من الضمير فيه
(١) در اواسط دفتر يكم در بيان يافتن رسول قيصر عمر را إلخ
صفحة رقم 376
مِنْ غَيْرِ سُوءٍ حال من الضمير فى بيضاء اى كائنة من غير عيب وقبح كنى به عن البرص كما كنى بالسوءة عن العورة لما ان الطباع تعافه وتنفر عنه- روى- ان موسى عليه السلام كان أسمر اللون فاذا ادخل يده اليمنى تحت إبطه الأيسر وأخرجها كان عليها شعاع كشعاع الشمس يغشى البصر ويسد الأفق ثم إذا ردها الى جنبه صارت الى لونها الاول بلا نور ويريق آيَةً أُخْرى اى معجزة اخرى غير العصا وانتصابها على الحالية من الضمير فى بيضاء لِنُرِيَكَ اى فعلنا ما فعلنا من قلب العصا حية وجعل اليد بيضاء لنريك بهاتين الآيتين مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى اى بعض آياتنا الكبرى فكل من العصا واليد من الآيات الكبرى وهى تسع كما قال تعالى وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ وقد سبق بيانها ونظير الآية قوله تعالى فى حق نبينا عليه السلام لَقَدْ رَأى اى محمد ليلة المعراج مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى والفرق بين آيات موسى وآيات نبينا عليهما السلام ان آيات موسى عجائب الأرض فقط وآيات نبينا عجائب السموات والأرض كما لا يخفى هذا هو اللائح فى هذا المقام فاعرفه واعلم ان موسى عليه السلام ادخل يده فى جيبه فاخرجها بيضاء من غير سوء وهذا من كرامات اليد بعد التحقق بحقيقة الجود والكرم والسخاء والإيثار فالجود عطاؤك ابتداء قبل السؤال والكرم عطاؤك ما أنت محتاج اليه وبالعطاء صحت الخلة- روى- ان الله تعالى أرسل الى ابراهيم جبريل عليهما السلام على صورة شخص فقال له يا ابراهيم أراك تعطى الأوداء والأعداء فقال تعلمت الكرم من ربى رأيته لا يضيعهم فانا لا أضيعهم فاوحى الله اليه ان يا ابراهيم أنت خليلى حقا ومن كرامات اليد ما روى ان نبينا عليه السلام نبع الماء من بين أصابعه فى غزوة تبوك حتى شرب منه ورفعه خلق كثير ورمى التراب فى وجوه الأعداء فانهزموا وسبح الحصى فى يده: قال العطار قدس سره
داعى ذرات بود آن پاك ذات
در كفش تسبيح از ان كفتى حصات
وقبض من شاء من الأولياء فى الهواء فيفتح يده عن فضة او ذهب الى أمثال هذا فاذا سمعت هذا عرفت ان كل كمال يظهر فى النوع الإنسان فهو اثر عمل من الأعمال او حال من الأحوال فبين كل شيئين اما مناسبة ظاهرة او باطنة إذا طلبها الحكيم المراقب وجدها نسأل الله تعالى ان يوفقنا لصرف الأعضاء والقوى الى ما خلقت هى لاجله ويفيض علينا فضله بسجله اذْهَبْ يا موسى بطريق الدعوة والتحذير إِلى فِرْعَوْنَ وملئه بهاتين الآيتين العصا واليد لقوله تعالى فى سورة القصص فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ واما قوله تعالى اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي فسيأتى معنى الجمع فيه ان شاء الله تعالى إِنَّهُ طَغى اى جاوز حد العبودية بدعوى الربوبية استقلالا لا اشتراكا كما قال أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى وفيه اشارة الى معيين. أحدهما ان السالك الصادق إذا بلغ مرتبة كماله يقيضه الله لدلالة عباده وتربيتهم. والثاني ان كمال البالغين فى ان يرجعوا الى الخلق ومخالطتهم والصبر على اذاهم ليختبروا بذلك حلمهم وعفوهم فان قيل لم أرسله الله بالعصا قلنا لان العصا من آلات الرعاة وموسى عليه السلام كان راعيا فارسله الله مع آلته وابصا كان فرعون بمنزلة
صفحة رقم 377