
ويدخل في عموم خطاب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم جميع أمته وأهل بيته على التخصيص.
وكان صلّى الله عليه وآله وسلّم بعد نزول هذه الآية يذهب كل صباح إلى بيت فاطمة وعلي رضوان الله عليهما فيقول: «الصلاة».
وكان عروة بن الزبير إذا رأى شيئا من أحوال السلاطين بادر إلى منزله فدخله، وهو يقرأ: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ.. الآية، ثم ينادي بالصلاة: الصلاة يرحمكم الله.
٨- نهى الله تعالى نبيه أن يشتغل عن الصلاة بسبب الرزق، بل تكفل له برزقه ورزق أهله، فكان عليه الصلاة والسلام إذا نزل بأهله ضيق، أمرهم بالصلاة، وقد قال الله تعالى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ، وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات ٥١/ ٥٦- ٥٨].
٩- إن العاقبة الجميلة المحمودة وهي الجنة لأهل التقوى. وأما عاقبة غيرهم فهي مذمومة كالمعدومة.
اقتراح المشركين الإتيان بمعجزة أو إرسال رسول وتهديدهم بمآل المستقبل
[سورة طه (٢٠) : الآيات ١٣٣ الى ١٣٥]
وَقالُوايَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٣٣) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّناأَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى (١٣٤) قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى (١٣٥)
الإعراب:
أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ بغير تنوين مضاف إلى ما. ومن قرأ بتنوين، جعل ما في موضع نصب بدلا من بَيِّنَةُ.

مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ مَنْ استفهامية مبتدأ، وأَصْحابُ الصِّراطِ خبره. ولا يجوز أن تكون مَنْ اسما موصولا بمعنى الذي لأنه ليس في الكلام الذي بعدها عائد يعود إليه، والجملة في موضع نصب ب فَسَتَعْلَمُونَ.
البلاغة:
فَتَرَبَّصُوا وعيد وتهديد.
أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا جناس اشتقاق.
المفردات اللغوية:
وَقالُوا أي المشركون. هلا. يَأْتِينا محمد بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ بمعجزة يقترحونها تدل على صدقه في ادعاء النبوة، كناقة صالح، وعصا موسى، وإبراء عيسى الأكمه والأبرص، فألزمهم بإتيانه بالقرآن الذي هو أم المعجزات وأعظمها وأتقنها لأن حقيقة المعجزة:
اختصاص مدّعي النبوة بنوع من العلم أو العمل، على وجه خارق للعادة، ولا شك أن العلم أصل العمل وأعلى منه قدرا، وأبقى أثرا، والقرآن محقق لذلك.
ونبههم أيضا على وجه أبين من وجوه إعجاز القرآن: وهو الإخبار عن الأمم السابقة، فقال:
أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى من التوراة والإنجيل وسائر الكتب السماوية، فإن اشتماله على خلاصة ما فيها من العقائد والأحكام الكلية، مع أن الآتي بها أمي، لم يرها ولم يتعلم من علمائها، إعجاز بين وفيه إشعار بأنه كما يدل على نبوته، برهان لما تقدمه من الكتب، من حيث إنه معجز، وهي ليست كذلك، بل هي مفتقرة إلى ما يشهد بصحتها.
فقوله: بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى أي بيان ما اشتملت عليه، وأخبار الأمم الماضية التي أهلكت بتكذيب الرسل، في القرآن.
مِنْ قَبْلِهِ قبل محمد الرسول. لَقالُوا يوم القيامة. هلا. آياتِكَ المرسل بها. مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ نهان في الدنيا بالقتل والسبي. أو في القيامة. وَنَخْزى نفتضح بدخول النار جهنم يوم القيامة.
قُلْ: كُلٌّ قل لهم: كل واحد منا ومنكم. مُتَرَبِّصٌ منتظر ما يؤول إليه الأمر.
فَسَتَعْلَمُونَ في القيامة. الصِّراطِ السَّوِيِّ الطريق المستقيم. وَمَنِ اهْتَدى من الضلالة، أنحن أم أنتم؟

المناسبة:
بعد أن أمر الله تعالى رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم بالصبر على ما يقوله المشركون، وأمره بأن يعدل إلى التسبيح والتحميد، وأتبع ذلك بنهيه عن مدّ عينيه إلى ما متع به القوم، ذكر هنا بعض أقاويلهم الباطلة، ومنها ادعاؤهم أن القرآن ليس بحجة ولا معجزة تدل على نبوة محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثم أوضح لهم أنهم يوم القيامة سيعترفون بأنه آية بيّنة، وأنه لو أهلكناهم لطلبوا إرسال، ثم هددهم وأوعدهم بما سيؤول إليه الأمر في المستقبل، ويتميز المحق من المبطل.
التفسير والبيان:
كان المشركون يكثرون من اقتراح الآيات على النبي للتعجيز والعناد والمضايقة بسبب عدم إيمانهم، وعدم الاكتفاء بالمعجزات التي يرونها، فقال تعالى واصفا تعنتهم:
وَقالُوا: يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ، أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى أي وقال الكفار المشركون: هلا يأتينا محمد بآية من ربه دالة على صدقه في أنه رسول الله، كما كان يأتي بها من قبله من الأنبياء، من الآيات التي اقترحناها عليه؟ مثل ناقة صالح وعصا موسى، وإحياء عيسى الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، فأجابهم الله: ألم يأتهم القرآن المعجزة الباقية الخالدة، وهو البينة والشاهد على صحة ما في الكتب المتقدمة، كالتوراة والإنجيل والزبور وسائر الكتب المنزلة المشتملة على العقيدة والأحكام التشريعية، وفيها التصريح بنبوته والتبشير به، فإن هذه الكتب المنزلة هم معترفون بصدقها وصحتها، وفيها ما يدفع إنكارهم لنبوته، ويبطل تعنتاتهم وتعسفاتهم؟! ونظير الآية قوله تعالى: وَقالُوا: أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ، قُلْ: إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ، وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ، أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ

يُتْلى عَلَيْهِمْ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
[العنكبوت ٢٩/ ٥٠- ٥١].
وفي الصحيحين عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه قال: «ما من نبي إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة».
وقد ذكر هاهنا أعظم الآيات التي أعطيها صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو القرآن وإلا فله صلّى الله عليه وآله وسلّم من المعجزات ما لا يحد ولا يحصر.
وسيعترف المشركون يوم القيامة بأن القرآن آية بينة كما قال تعالى:
وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ، لَقالُوا: رَبَّناأَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا، فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى أي ولو أنا أهلكنا هؤلاء المكذبين قبل بعثة هذا الرسول محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم وإنزال هذا الكتاب العظيم، لقالوا يوم القيامة: يا ربنا هلا كنت أرسلت إلينا رسولا في الدنيا، حتى نتبع آياتك التي يأتي بها الرسول من قبل أن نذل بالعذاب في الدنيا ونخزى بدخول النار؟ والآية دليل على أن التكليف والعقاب لا يكون قبل مجيء الشرع.
والحق أن هؤلاء المكذبين متعنتون معاندون، لا يؤمنون ولو جاءتهم الآيات تترى، كما قال تعالى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها، قُلْ: إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ. وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ، كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ [الأنعام ٦/ ١٠٩- ١١٠].
قُلْ: كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ، فَتَرَبَّصُوا، فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى أي قل يا محمد لهؤلاء الذين كذبوك وخالفوك واستمروا على كفرهم وعنادهم: كل واحد منا ومنكم منتظر لما يؤول إليه الأمر، فانتظروا أنتم، فستعلمون عن قريب في عاقبة الأمر، من هو على الطريق الحق المستقيم، أنحن

أم أنتم؟ وستعلمون من المهتدي من الضلالة، البعيد عن الغواية، السائر على منهج الحق والرشاد؟
وهذا كقوله تعالى: وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان ٢٥/ ٤٢] وقوله سبحانه: سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ [القمر ٥٤/ ٢٦].
والآية التي ختمت بها السورة مشتملة على وعيد وتهديد وزجر للكفار، وهي مناسبة لبدء السورة المتضمن قيام النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بتبليغ رسالته حتى أتعب نفسه، وما على أهل البلاغ إلا الطاعة، فإن أطاعوا نجوا، وإن أعرضوا هلكوا، وسيتبين لهم الحق من الباطل، وقد تبين لجماعات كثيرة من الكفار في التاريخ خطؤهم وسوء حالهم وعاقبة كفرهم.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
١- تكاثرت اقتراحات الكافرين من أهل مكة بأن يأتيهم محمد بآية تدل عيانا على الإيمان، أو علامة ظاهرة حسا كالناقة والعصا، أو آيات يقترحونها هم كما أتى الأنبياء من قبله.
٢- كان الرد القرآني الحاسم عليهم أنه يكفيهم هذا القرآن العظيم المعجزة الخالدة، وهو المهيمن على الكتب السماوية السابقة، والمعبر عما كان فيها من عقائد وحكم وأحكام وآداب. بل إن تلك الكتب الماضية تضمنت العلامة الدالة على نبوة محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم بما وجدوه في الكتب المتقدمة من البشارة.
٣- لو أهلك الله الكفار قبل بعثة محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم ونزول القرآن، لقالوا يوم القيامة: ربنا هلا أرسلت إلينا رسولا، حتى نتبع آياتك من قبل هذا الذل

بالعذاب في الدنيا والخزي بدخول النار؟! وكون القول يوم القيامة لأن الهالك لا يصح أن يقول، ولذلك قال: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى وهو لا يليق إلا بعذاب الآخرة. والآية دليل على أنه لا عقاب قبل الشرع.
٤- هدد الله الكفار بما ينتظرهم من العذاب وما يؤول إليه أمرهم، فإن كان كل فريق من المؤمنين والكافرين منتظرا دوائر الزمان ولمن يكون النصر، فسيعلم الكفار أن النصر سيكون لمن اهتدى إلى دين الحق.

[الجزء السابع عشر]
بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة الأنبياءمكية، وهي مائة واثنتا عشرة آية
تسميتها:
سميت سورة الأنبياء لتضمنها الحديث عن جهاد الأنبياء المرسلين مع أقوامهم الوثنيين، بدءا من قصة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام بإسهاب وتفصيل، ثم إسحاق، ويعقوب، ولوط، ونوح، وداود، وسليمان، وأيوب، وإسماعيل، وإدريس، وذي الكفل، وذي النون: يونس، وزكريا، وعيسى، إلى خاتم النبيين محمد صلوات الله وسلامه عليهم، وذلك بإيجاز يدل على مدى ما تعرضوا له من أهوال وشدائد، فصبروا عليها، وضحوا في سبيل الله، لإسعاد البشرية.
مناسبتها لما قبلها:
تظهر مناسبة هذه السورة لما قبلها من ناحيتين:
الأولى:
الإشارة إلى قرب الأجل المسمى للعذاب، ودنو الأمل المنتظر، فقال تعالى في آخر سورة طه: وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى ثم قال: قُلْ: كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا وقال تعالى في مطلع هذه السورة:
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ. صفحة رقم 5

والثانية:
التحذير من الاغترار بالدنيا، والعمل للآخرة، فقال تعالى في آخر سورة طه: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا..
فإن قرب الساعة يقتض الإعراض عن زهرة الحياة الدنيا لدنوها من الزوال والفناء، وختمت سورة الأنبياء بمثل ما بدئت به السورة المتقدمة، فأبان الله تعالى أنه بالرغم من قرب الساعة والحساب، فإن الناس غافلون عنها، ولاهون عن القرآن والاستماع إليه.
فضلها ومزيتها:
ورد في فضل هذه السورة أحاديث صحاح منها:
ما رواه البخاري عن عبد الله بن مسعود قال: «بنو إسرائيل، والكهف، ومريم، وطه، والأنبياء: هن من العتاق الأول، وهن من تلادي»
أي من قديم ما حفظ من القرآن، كالمال التّلاد.
ولما نزلت هذه السورة قيل لعامر بن ربيعة رضي الله عنه: هلا سألت النبي صلّى الله عليه وسلم عنها؟ فقال: «نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا».
مشتملاتها:
موضوع السورة بيان أصول العقيدة الإسلامية ومبادئها وهي التوحيد، والرسالة النبوية، والبعث والجزاء، وقد بدأت بوصف أهوال القيامة، ثم ذكرت قصص جملة من الأنبياء الكرام عليهم السلام، كما تقدم.
كانت البداية مرهبة مرعبة، منذرة محذّرة بقرب قيام الساعة، والناس لاهون غافلون عنها وعن خطورة الحساب والعقاب، معرضون عن سماع القرآن، مفتونون بلذائذ الحياة الدنيا.

ثم أوضحت السبب في إنكار المشركين في مكة نبوة محمد صلّى الله عليه وسلم وهو أنه بشر مثلهم، وعجزه عن الإتيان بآيات فذة ومعجزات باهرة مادية، كما أتى بها الأنبياء السابقون مثل موسى وعيسى، فرد القرآن عليهم بأن الأنبياء جميعا كانوا بشرا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، ثم أنذرهم بالإهلاك، كما أهلك بعض الأمم المتقدمة لتكذيبهم رسلهم، ولفت أنظارهم إلى عظمة خلق السموات والأرض، وإلى أن الملائكة طائعون لله، منقادون لأمره، ينفّذون ما أمروا به من التعذيب بسرعة لا تعرف التردد والانتظار، ونعى على من ادعى أنهم بنات الله تعالى.
ثم ناقشهم القرآن في اتخاذهم آلهة من دون الله، وطالبهم بالدليل على ادعائهم، وأقام البرهان على وحدانية الله إذ لو كان في السماء والأرض آلهة إلا الله لفسدتا، ووصف النشأة الأولى للسموات والأرض، وأنهما كانتا رتقا ففصلتا، وأبان أن الجبال أوتاد للأرض حتى لا تميد بأهلها، وأن الله تعالى خالق الليل والنهار والشمس والقمر، ثم تكون النهاية الموت والفناء لكل شيء، حتى للملائكة والأنبياء، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام، وأوضح أن استعجال الكافرين العذاب غباء وطلب في غير محله فإن العذاب قريب، والساعة آتية لا ريب فيها، وأنها تأتيهم بغتة فتبهتهم، وأن موازين الحساب دقيقة وفي أتم عدل، فلا يبخس أحد شيئا من حقه، ولا يظلم إنسان مثقال حبة من خردل.
وتحقيقا لهاتيك الغايات وتأكيدا عليها، جاءت الأمثال الواقعية تنذر وتذكّر، من خلال إيراد قصص بعض الأنبياء كموسى وهارون، وإبراهيم ولوط، وإسحاق ويعقوب، ونوح، وداود وسليمان، وأيوب وإسماعيل، وإدريس وذي الكفل، ويونس وزكريا ويحيى، وعيسى عليهم السلام.
وأثبت القرآن عقب ذلك وحدة مهام الأنبياء وهي الدعوة إلى عبادة الله، وتطمين المؤمنين الذين يعملون الصالحات بالجزاء الحسن، وأن الأمم المعذبة في الدنيا سترجع حتما إلى الله في الدار الآخرة لعذاب آخر.