
فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (١٤) إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (١٥) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (١٦)
شرح الكلمات:
هل أتاك: قد أتاك فالاستفهام للتحقيق..
حديث موسى: أي خبره وموسى هو ابن عمران نبي بني إسرائيل
إذ رأى ناراً: أي حين رؤيته ناراً.
لأهله: زوجته بنت شعيب ومن معها من خادم أو ولد.
آنست ناراً: أي أبصرتها من بعد.
بقبس١: القبس عود في رأسه نار.
على النار هدى: أي ما يهديني الطريق وقد ضل الطريق إلى مصر.
فلما أتاها: أي النار وكانت في شجرة من العوسج ونحوه تتلألؤ نوراً لا ناراً.
نودي يا موسى: أي ناداه ربه قائلاً له يا موسى....!
المقدس طوى٢: طوى اسم للوادي المقدس المطهر.
اخترتك: من قومك لحمل رسالتي إلى فرعون وبني إسرائيل.
فاستمع لما يوحى: أي إليك وهو قوله تعالى: ﴿إنني أنا الله لا إله إلاّ أنا﴾.
لذكري: أي لأجل أن تذكرني فيها.
أكاد أخفيها٣: أي أبالغ في اخفائها حتى لا يعلم وقت مجيئها أحد.
٢ طوى بالكسر وبالضم أشهر وبه قراءة عامة القراء، وهو اسم للوادي وفي لفظه ما يشير إلى أنه مكان فيه ضيق كالثوب المطوي أو لأن موسى طواه سيراً.
٣ لما كانت الساعة مخفية الوقوع أثار قوله تعالى ﴿أكاد أخفيها﴾ تساؤلات كثيرة أقربها إلى الواقع ثلاثة. الأول: إخفاء الحديث عنها لأن الحديث عنها لا يزيد المعاندين من منكري البعث إلاّ عناداً. والثاني: أنّ كاد زائدة والتقدير: أنّ الساعة آتية أخفيها، والثالث: أن أخفيها بمعنى: أزيل خفاءها بأن أظهرها فتكون الهمزة للسلب نحو أعجم الكتاب: أزال عجمته وأشكى زيداً: إذا أزال شكواه.

بما تسعى: أي سعيها في الخير أو في الشر.
فتردى: أي تهلك.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد ففي نهاية الآية السابقة (٨) كان قوله تعالى ﴿الله لا إله إلاّ هو له الأسماء الحسنى﴾ تقريراً للتوحيد وإثباتاً له وفي هذه الآية (٩) يقرره تعالى عن طريق الإخبار عن موسى، وأن أول ما أوحاه إليه من كلامه كان إخباره بأنه لا إله إلاّ هو أي لا معبود غيره وأمره بعبادته. فقال تعالى: ﴿وهل أتاك١﴾ أي يا نبينا ﴿حديث موسى٢ إذ رأى ناراً﴾، وكان في ليلة مظلمة شاتية وزنده الذي معه لم يقدح له ناراً ﴿فقال لأهله﴾ أي زوجته ومن معها وقد ضلوا طريقهم لظلمة الليل، ﴿امكثوا﴾ أي ابقوا هنا فقد آنست ناراً أي أبصرتها ﴿لعلي آتيكم منها بقبس﴾ فنوقد به ناراً تصطلون بها أي تستدفئون بها، ﴿أو أجد على النار هدى﴾ أي أجد حولها ما يهدينا طريقنا الذي ضللناه.
وقوله تعالى: ﴿فلما أتاها﴾ أي أتى النار ووصل إليها وكانت شجرة٣ تتلألؤ نوراً ﴿نودي يا موسى﴾ أي ناداه ربه تعالى قائلاً يا موسى ﴿إني٤ أنا ربك﴾ أي خالقك ورازقك ومدبر أمرك ﴿فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى﴾ وذلك من أجل أن يتبرك بملامسة الوادي المقدس بقدميه. وقوله تعالى ﴿وأنا أخترتك﴾ أي لحمل رسالتي إلى من أرسلك إليهم. ﴿فاستمع لما يوحى٥﴾ أي إليك وهو: ﴿إنني أنا الله لا إله إلاّ أنا﴾ أي أنا الله المعبود بحق ولا معبود بحق غيري وعليه فاعبدني وحدي، ﴿وأقم الصلاة لذكري٦﴾، أي لأجل أن تذكرني فيها وبسببها. فلذا من لم يصل لم يذكر الله تعالى وكان بذلك كافراً لربه تعالى. وقوله ﴿إن الساعة آتية٧﴾ أي ان الساعة التي يقوم فيها الناس أحياء من قبورهم للحساب والجزاء
٢ الحديث: الخبر، ويجمع على غير قياس: أحاديث، وقيل: واحده أحدوثة واستغنوا به عن جمع فعلاء لأن فعيل يجمع على فعلاء. كرحيم ورحماء وسعيد وسعداء وهو اسم للكلام الذي يحكى به أمر قد حدث في الخارج.
٣ قيل: هي شجرة عنّاب.
٤ قرأ حمزة وحده، وانَّا اخترناك بضمير العظمة.
٥ في هذه الآية إشارة إلى أن التعارف بين المتلاقين حسن فقد عرفه تعالى بنفسه في أوّل لقاء معه، روى أنه وقف على حجر واستند على حجر ووضع يمينه على شماله، وألقى ذقنه على صدره وهذه حالة الاستماع المطلوبة من صاحبها.
٦ استدل مالك على أن من نام عن صلاة أو نسيها فإنه يصليها مستدلا بقوله تعالى: ﴿وأقم الصلاة لذكري﴾ أي: لأول وقت ذكرك لها والسنة صريحة في هذا إذ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها متى ذكرها فلا كفارة لها إلاّ ذاك"
٧ الساعة علم بالغلبة على ساعة البعث والحساب.

آتية لا محالة. من أجل مجازاة العبادّ على أعمالهم وسعيهم طوال أعمارهم من خير وشر، وقوله: ﴿أكاد أخفيها﴾ أي أبالغ في إخفائها حتى أكاد أخفيها عن نفسي. وذلك لحكمة أن يعمل الناس ما يعملون وهم لا يدرون متى يموتون ولا متى يبعثون فتكون أعمالهم بإراداتهم لا إكراه عليهم فيها فيكون الجزاء على أعمالهم عادلا، وقوله: ﴿فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها فتردى﴾ ينهى تعالى موسى أن يَقبل صدّ صادٍ من المنكرين للبعث متبعي الهوى عن الإيمان بالبعث والجزاء والتزود بالأعمال الصالحة لذلك اليوم العظيم الذي تجزى فيه كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون، فإن من لا يؤمن بها ولا يتزود لها يردى أي يهلك.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير النبوة لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٢- تقرير التوحيد وإثباته، وأن الدعوة إلى لا إله إلاّ الله دعوة كافة الرسل.
٣- إثبات صفة الكلام لله تعالى.
٤- مشروعية التبرك بما جعله الله تعالى مباركاً، والتبرك التماس البركة حسب بيان الرسول وتعليمه.
٥- وجوب إقام الصلاة وبيان علة ذلك وهو ذكر الله تعالى.
٦- بيان الحكمة في إخفاء الساعة مع وجوب إتيانها وحتميته.
وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (١٧) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (١٨) قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (١٩) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (٢٠) قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأولىَ (٢١) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (٢٢) لِنُرِيَكَ