
(إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (١١٨) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (١١٩)
بين الله سبحانه وتعالى بهاتين الآيتين أن في الجنة كل ما يطمع فيه الإنسان من حياة هينة فيها كل مرافق قوامه الآدمي من أكل وكسوة، وشرب، وإقامة، وفي ذلك إشارة إلى ما يجب أن يطلبه الإنسان، فإذا كُفيَ هذا فقد أوتي الدنيا بحذافيرها، فإن وراء المطامع الأخرى من جاه وسلطان وتحكم المصارع، كما قال على كرم الله وجهه: مصارع الرجال تحت بروق المطامع.
وقوله تعالى: (وَلَا تَضْحَى) أي لَا تبرز، وقد ورد عن ابن عمر أنه رأى رجلا مستظلا عن الشمس قال: اضْحَ لمن أحرمت له (١)، فضحى بمعنى برز للشمس، ولا يضحى بمعنى لَا يبرز لهَا بأن يسكن في كن لَا يبرز فيها له، أي في مسكن، والمعنى على ذلك أنك تجد كفايتك في الحياة فتجد الطعام الذي تأكله، واللباس الذي يقيك العري، والماء الذي تشربه، والسكن الذي يؤويك وحسبك ذلك وكفى، وقد قال البيضاوي في هذا النص القرآني الكريم: إنه بيان وتذكير لما له في الجنة من أسباب الكفاية، وأقطاب الكفاف التي هي الشبع والري والكسوة والسكن، مستغنيا عن اكتسابها، والسعي في تحصيل أغراض ما عسى ينقطع ويزول منها بذكر نقائضها ليطرق بأصناف الشقوة الحذر عنها.
_________
(١) ذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ١١/ ٢٥٢.

أي أنه ذكر هذه الكفاية، وهي الطعام والكسوة والشراب والمسكن بصيغة النفي؛ لأن عدمها هو موضع التحذير والمنع، ولأن عدمها هو الشقاء في الجنة، وقد نفى بذلك أنه لَا يشقى في الجنة إنما الشقاء في غيرها، وابليس العدو يعمل على شقائكما وكدحكما، إذ أخرجكما من الجنة فلا تطيعاه، وقد أشرنا إلى أن هذه الأمور يجب أن تكون مطلبك يا آدم، وإن في طلب غيرها التناحر على البقاء، ومعه الشقاء، وهذه موعظة لمن أراد جنة الدنيا دون شقائها.
وفى الآيتين من أساليب البيان، فذكر المطلب الأساسى الإنساني (إِنَّ لَكَ) مؤكدا أن له الأكل والكسوة والشراب والمأوى، هذا لك وحده ليس لك غيره، وفي الجنة، ويجب الاقتصار عليها في الحياة التي تستقبلك.
ولقد جاء إبليس إليهما من وراء هذه الأمور، وهو الخلد.