
وقيل: إن النبي ﷺ كان يستعجل القراءة من قبل أن يفرغ جبريل مما يأتيه به، خوف النيسان. ومنه ﴿لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾ [القيامة: ١٦].
﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾ أي: زدني علماً إلى ما علمتني. أمره الله تعالى أن يسأل ذلك.
وذكر ابن وهب أن الحسن قال: أتت امرأة النبي ﷺ فقالت: " إن زوجي لكم وجهي " قال لها: بينكما القصاص، فأنزل الله تعالى: ولا تعجل بالقرآن... الآية. فأمسك النبي ﷺ حتى نزلت: ﴿الرجال قوامون عَلَى النسآء بِمَا فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ﴾ [النساء: ٣٤].
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إلىءَادَمَ مِن قَبْلُ﴾ إلى قوله: ﴿وَلاَ تضحى﴾.
المعنى: أن يترك هؤلاء المشركون أمري، ويتبعوا أمر عدوهم إبليس، فقديماً فعل أبوهم آدم ذلك. فلقد عهدنا إليه أن إبليس عدوه، فنسي، وأطاعه، أي: فترك ما عهد إليه، وأطاع إبليس إذ وسوس إليه.
قال ابن عباس ومجاهد: " نسي " ترك أمر الله.

وقال الحسن: " نسي ": ترك: ولو كان من النيسان، لم يكن عليه شي.
وقال ابن زيد: العهد الذي عهد الله جلّ ذكره إلى آدم هو قوله: ﴿إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ﴾ أي: نسي العداوة التي أعلم بها.
وقيل: قول عدوه، فيكون نسي من النسيان على هذا القول لا من الترك.
وقال ابن عباس: إنما سمي الإنسان إنسانً لأنه عهد إليه فنسي.
ثم قال تعالى: ﴿وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً﴾.
قال قتادة: ﴿عَزْماً﴾: صبراً.
وقال عطية: ﴿عَزْماً﴾ خفظاً لما أمر به. وروي ذلك عن ابن عباس.
وقال ابن زيد: " العزم ": المحافظة والتمسك بأمر الله.
وعن ابن عباس: ﴿وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً﴾ أي لم نجل له عزماً.
قال أبو أمامة: لو أن أحلام بني آدم، يعني: عقولهم جمعت منذ خلق الله آدم

إلى أن تقوم الساعة، وضعت في كفة ميزان. ووضع حلم آدم في الكفة [الأخرى] لرجح حلمه بأحلامهم وقد قال الله تعالى ذكره ﴿وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً﴾.
وقيل: المعنى: " ولم نجد له عزماً " على ترك المعصية. وأصل العزم في اللغة، اعتقاد القلب على الشيء، فيكون المعنى على هذا، ولم نجد له عزم قلب على الصبر على الوفاء بما عهد إليه.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسجدوا لأَدَمََ﴾ أي: واذكر يا محمد، إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدمك أي اجعلوه قبلة لأنهم أمروا بالعبادة له والسجود له دون الله، فسجدوا إلا إبليس أبى. وهذا تذكير من الله تعالى لنبيّه بما كان من قصة آدم، وأن أولاده لن/ يعدوا أن يكونوا على منهاجه في ارتكاب المعاصي إلا من عصمه الله.
ثم قال تعالى: ﴿فَقُلْنَا يآءَادَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ﴾.
ولذلك لم يسجد لك وخالف أمري.
﴿فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجنة فتشقى﴾.
أي: لا تطيعاه فيما يأمركما به فيخرجكما من الجنة. أي: فيكون عيشك من كد

يمينك، فهو من شقاء الدنيا لا من شقاء الآخرة.
قال ابن جبير: أهبط إلى آدم ثور أحمر، فكان يحرث عليه ويسمح العرق عن جبينه، فذلك قوله: " فتشقى " فكان ذلك شقاوه.
وجرى الخطاب لآدم وحده، إذ قد علم أن حكم حواء حكمه، ولأن ابتداء الخطاب كان لآدم وحده في قوله " يا آدم إن هذا عدو لك " ولأن التعب في المعيشة في الدنيا على الرجل يجري أكثره، فخصّ بالخطاب لذلك.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تعرى * وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تضحى﴾.
أي: إن لك الشبع في الجنة والكسوة والري والسترة.
ومعنى " ولا تضحى " لا يصيبك حرّ الشمس، ولا تظهر إليها، لأن الشمس جعلها الله دون الموضع الذي كان فيه، فليس في الجنة شمس ولا في السماء السابعة. " والظمأ " العطش، مقصور مهموز. والظمى مقصور على غير مهموز سعة في الشفتين.
وقد قال ابن عيينة في الآية، أنه يراد بها الأرض.