آيات من القرآن الكريم

يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ ﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐ

وهتاف الله عز وجل بأنه الغفار لمن تاب إليه وآمن واهتدى وعمل الصالحات، وما كان من افتتان بني إسرائيل بالعجل والتنديد بهم لأنهم اتخذوا إلها غير الله لا يملك لهم نفعا ولا ضرّا، وثوران غضب موسى عليه السلام عليهم ومعاقبته للسامري بالمقاطعة التامة. وهتافه بأن الله هو وحده إلههم الذي وسع كل شيء علما والذي لا ينبغي أن يعبد غيره.
وفي قصة السامري خاصة عظة بالغة حيث انطوت على التحذير من وساوس الأشرار وإغواء شياطين الإنس، ثم على خطة المقاطعة والحرمان والاحتقار ضد الذين يحاولون تضليل مجتمعهم وإفساد ضمائرهم وتشويه الصافي من عقائدهم وتقاليدهم.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٩٩ الى ١٠١]
كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (٩٩) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً (١٠٠) خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً (١٠١)
الآيات جاءت معقبة على السلسلة تحمل الدليل الصريح على أن القصد من القصة التي احتوتها هو التذكير والعظة:
فالله تعالى أوحى لنبيه ﷺ بما كان من أنباء السابقين وآتاه الذكر ليكون في هذا وذاك موعظة للناس وهدى. فمن أعرض عنه ولم ينتفع به فإنه يأتي يوم القيامة حاملا وزره وساء ذلك من وزر سوف يؤدي بصاحبه إلى الخلود في النار.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ١٠٢ الى ١١٣]
يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (١٠٢) يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً (١٠٣) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً (١٠٤) وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (١٠٥) فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً (١٠٦)
لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً (١٠٧) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً (١٠٨) يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً (١٠٩) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (١١٠) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً (١١١)
وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً (١١٢) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (١١٣)

صفحة رقم 205

(١) زرقا: قيل زرقا بمعنى عميا وقيل بمعنى عطاشا وقيل إنها وصف للعيون حيث تزرق من الهلع والهول.
(٢) يتخافتون بينهم: يتحاورون فيما بينهم محاورة خافتة.
(٣) أمثلهم طريقة: أشدهم اعتدالا وأوفرهم عقلا.
(٤) قاعا صفصفا: سهلا منخفضا ومستويا.
(٥) عوجا: هنا بمعنى الانحناء أو الانخفاض أو الالتواء.
(٦) أمتا: بمعنى النتوء أو البروز.
(٧) يتبعون الداعي لا عوج له: يتبعون الداعي اتباعا تامّا ليس فيه زوغان ولا عوج ولا تلكؤ.
(٨) عنت: ذلت وخضعت.
(٩) القيوم: الدائم القيام على تدبير الكون والخلق.
(١٠) ظلما: الكلمة في الآية [١١١] بمعنى اقتراف الظلم وفي الآية [١١٢] بمعنى النقص والبخس.
(١١) هضما: بمعنى تضييعا.
في الآيات وصف ليوم القيامة وهوله. ومصائر الناس فيه حسب أعمالهم.
وعبارتها واضحة. وهي على ما هو المتبادر استمرار للايات التعقيبية السابقة التي احتوت بيان ما يكون من أمر المعرضين عن ذكر الله يوم القيامة.
وبعض ما في الآيات قد جاء مثله في سور سابقة وعلقنا عليه ما فيه الكفاية.
وفي الآية الأخيرة توكيد صريح لما ذكرناه غير مرة من أن من أهداف آيات الإنذار

صفحة رقم 206

والوعيد والبشرى والترغيب في صدد الأخيرة هو تذكير الناس بالله تعالى وحقه عليهم ودعوته إلى اتقاء ما يغضبه من عقائد منحرفة وأفعال سيئة والإقبال على ما يرضيه من إيمان به وإخلاص له من الأعمال الصالحة.
وقد تخلل الآيات آيتان عن الجبال ونسفها يوم القيامة بصيغة سؤال موجه للنبي ﷺ عن مصيرها. وأمر بالإجابة بأنها تنسف ويكون مكانها سهل مستولا اعوجاج فيه ولا بروز. ولقد روى البغوي عن ابن عباس أن رجلا من ثقيف سأل رسول الله ﷺ عن مصير الجبال يوم القيامة فأنزل الله الآية. وتقتضي الرواية أن تكون الآيتان نزلتا لحدتهما مع أنهما منسجمتان انسجاما تاما مع الآيات السابقة واللاحقة نظما وموضوعا. على أن هذا لا يمنع أن يكون واحد سأل النبي ﷺ ذلك في ظرف ما قبيل نزول الآيات فاقتضت حكمة التنزيل والإشارة إلى ذلك والإجابة عليه. وعلى كل حال فالجبال كانت تمثل في أذهان السامعين نموذجا من مشاهد الطبيعة العظيمة التي يحسونها ويشاهدونها والتي يمكن أن يرد لبالهم سؤال عن مصيرها... ولقد تكررت الآيات القرآنية التي ذكر فيها مصير الجبال يوم القيامة مرّت أمثلة منها في سور المزمل والتكوير والقارعة مما يمتّ إلى ذلك.
واقتصار الآية الأولى على ذكر حشر المجرمين ليس معناه قصد اقتصار البعث عليهم طبعا وإنما هو في صدد إنذار الكفار المجرمين ووصف الهول الذي يلاقونه والفزع الذي يقعون فيه وأثره فيهم. على أن الآيات لم تنس المؤمنين الصالحين حين قررت أنهم سوف ينالون جزاء أعمالهم تامة لا بخس ولا هضم فيها.
وحكاية الحوار بين الكفار عن مقدار ما لبثوا في القبور انطوى فيها قصد تصوير قوة المباغتة التي سيباغتون بها وقصر موعد تحقيق الوعيد الرباني الذي يرونه مستحيلا وبعيدا للتأثير في السامعين وإثارة خوفهم وقلقهم على ما هو المتبادر.
وقوة الوصف والتصوير وقوة الوعيد والإنذار والترغيب والترهيب في الآيات

صفحة رقم 207

بمجموعها ملموحة، من شأنها إثارة الخوف والقلق في الكفار، والطمأنينة والرضاء في المؤمنين، وهو مما استهدفته فيما استهدفته.
والآية [١٠٩] وهي تذكر أن الشفاعة في ذلك اليوم لا تنفع إلا الذين رضي الله تعالى عنهم ولا تكون إلا بإذنه تنطوي على قصد قطع الطريق على المشركين الذين كانوا يشركون شركاء مع الله وخاصة الملائكة في العبادة والدعاء بقصد نيل شفاعتهم عنده. بل وعلى قصد الطريق على الناس عامة الذين اعتادوا أن يقضوا رغباتهم بالاستشفاع بغير الله من أنبياء وأولياء دون السعي والعمل والقيام بالواجب نحو الله والناس مما فيه تلقين مستمر. ومما تكرر بأساليب متنوعة بسبب امتلاء ذهن المشركين الأولين والناس عامة به. وقد مرت منه بعض الأمثلة ومن ذلك في الآيات الأخيرة من سورة مريم السابقة لهذه الآية.
تعليق على جملة وَهُوَ مُؤْمِنٌ في الآية [١١٢]
وهذه الجملة في مقامها تنطوي على تنبيه مهم وهو أن العمل الصالح الذي يفيد صاحبه وينجيه من سوء المصير في الآخرة هو الذي يجب أن يكون صادرا عن إيمان بالله واليوم الآخر. والحكمة المتبادرة من هذا هي التنبيه على أن العمل الصالح الذي لا يكون صاحبه مؤمنا لا يكون خالصا من كل شائبة ومأرب. ويكون معرضا للانتكاس والانقطاع. وعلى أن الإيمان فقط هو الذي يحفز صاحبه على العمل الصالح الخالص من الشوائب والمآرب. والمبتغى به وجه الله تعالى دون انتظار جزاء ومقابلة وشكر من أحد غير الله. وفي هذا ما فيه من تلقين جليل المدى يتسامى به المؤمن عن أي جزاء دنيوي عن أعماله الصالحة. ويجعله لا يهتم إلّا برضاء الله تعالى عنه. ويقدم على التضحيات والمشاق في سبيل ذلك في كل ظرف. وقد تكرر تقرير هذا كثيرا في القرآن لما له من خطورة متصلة بحياة الإنسان والإنسانية والتربية الإسلامية السامية فضلا عن الحقيقة المنطوية فيه.

صفحة رقم 208
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية