
وأصل الخفت في اللغة السكون. أي: ما لبثتم من النفخة الأولى إلى البعث، إلا عشراً، وبين النفختين أربعون سنة.
ثم قال: ﴿نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً﴾ أي: نحن أعلم بسرهم إذ يقول: أمثلهم طريقة أي: أعلمهم في أنفسهم إن لبثتم إلا يوماً، وذلك من شدة هول المطلع، ينسون ما كانوا فيه في الدنيا من النعيم وطول العمر حتى يتخيل إليهم من شدة ما هم فيه أنهم لم يعيشوا في الدنيا إلا يوماً واحداً.
وقيل: ذلك تقديرهم فيما بين النفختين.
وقيل: عني بذلك إقامتهم في القبور، ظنوا أنهم لم يلبثوا فيها إلى يوماً بعد انقطاع العذاب عنهم في القبور، لأنهم في طول مكثهم يعذبون، ثم ينقطع عنهم العذاب فيما بين النفختين.
قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجبال﴾ إلى قوله: ﴿وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً﴾.
المعنى: ويسألك يا محمد قومكم عن الجبال، فقل يذريها ربي تذرية. وهو تصييرها هباء منبثاً، فَيَذَرُها قَاعاً. أي: فيذر أماكنها قاعاً، أي: أرضاً ملساء صفصفاً:

أي: مستوياً لا نبات فيها ولا نشز ولا ارتفاع.
وقيل: معناه يجعلها رملاً، ثم يرسل عليها الرياح تنسفها وتفرقها حتى يصير مواضعها قاعاً مستوياً. فالصفصف، المستوى.
قال ابن عباس: قاعاً صفصفاً/: مستوياً، لا نبات فيه.
والقاع في اللغة، المكان المنكشف.
والصفصف: المستوى الأملس.
وقال بعض أهل اللغة: القاع: مستنقع الماء. والصفصف الذي لا نبات فيه.
ثم قال: ﴿لاَّ ترى فِيهَا عِوَجاً ولا أَمْتاً﴾.
معناه عند ابن عباس: لا ترى فيها وادياً ولا رابية.
والأمت عند أهل اللغة، أن يكون في الموضع ارتفاع وانهباط وعلو وانخفاض.
وقال قتادة: ﴿لاَّ ترى فِيهَا عِوَجاً﴾ أي: صدوعاً، ﴿ولا أَمْتاً﴾ أي: دوعاً، ﴿ولا أَمْتاً﴾

أي: أكمة.
وعن ابن عباس أيضاً: ﴿عِوَجاً﴾: ميلاً، والأمت: الأثر: مثل الشراك.
ثم قال تعالى ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الداعي لاَ عِوَجَ لَهُ﴾ أي: يومئذ إذ يتبع الناس صوت الداعي الذي يدعوهم إلى موقف القيامة، ﴿لاَ عِوَجَ لَهُ﴾ أي: لا عوج لهم عنه، ولكنهم يأتمون به، ويأتونه.
قال محمد بن كعبك القرظي: يحشر الناس يوم القيامة في ظلمة، تطوى السماء وتتناثر النجوم، وتذهب الشمس والقمر، وينادي مناد فيتبع الناس الصوت يؤمونه.
وقوله: ﴿وَخَشَعَتِ الأصوات للرحمن﴾.
أي: وسكنت أصوات الخلائق للرحمن. فلا تسمع إلا همساً.
أي: حس الأقدام إلى المحشر، قاله: ابن عباس وعكرمة والحسن.
وقيل: هو الصوت الخفي الذي يوجد لتحريك الشفتين، وأصله الصوت الخفي.
يقال: همس فلان إلى فلان بحديث، إذا أسره إليه وأخفاه.
وعن ابن عباس أيضاً: ﴿هَمْساً﴾ صوتاً خفياً. وهو قول مجاهد.

ثم قال: ﴿يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ الشفاعة إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن﴾.
أي: لا تنفع الشفاعة، إلا شفاعة من أذن له الرحمن في الشفاعة، ﴿وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً﴾ أي: قال: لا إله إلا الله.
﴿يَوْمَئِذٍ﴾ بدل من الأولى. وإن شئت جعلته متعلقاً به ﴿يَتَّبِعُونَ﴾ فتبتدئ به إن شئت، ولا تبتدئ به في القول الأول.
ثم قال تعالى: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾.
قال قتادة: " ما بين أيديهم من أمر الشفاعة وما خلفهم من أمر الدنيا ".
وقيل: معناه: علم ما بين أيدي هؤلاء، الذين يتبعون الداعي من أمر القيامة، وما الذي يصيرون إليه من الثواب والعقاب، وما خلفهم أي ما خلفوه وراءهم من أمر الدنيا.
﴿وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً﴾ أي: لا يحيط خلقه به علماً، وهو يحيط بهم علماً.
وقيل: المعنى، لا يحيطون بما بين أيديهم وما خلفهم علماً. فتكون الهاء تعود على " ما ".
وقال الطبري: الضمير في أيديهم وخلفهم، يعود على الملائكة، وكذلك هو في يحيطون. أعلم الله بذلك الذين كانوا يعبدون الملائكة، وأن الملائكة لا تعلم ما بين أيديها وما خلفها يوبخهم بذلك. وإن من كان هكذا، كيف يعبد، وأن العبادة إنما