آيات من القرآن الكريم

قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ
ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ

(وَأُشْرِبُوا) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَالْعَامِلُ فِيهِ قَالُوا ; أَيْ قَالُوا ذَلِكَ وَقَدْ أُشْرِبُوا، وَقَدْ مُرَادَةٌ ; لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمَاضِيَ لَا يَكُونُ حَالًا إِلَّا مَعَ قَدْ. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهَا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَأُشْرِبُوا مُسْتَأْنَفًا ; وَالْأَوَّلُ أَقْوَى ; لِأَنَّهُ قَدْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: (قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ) ; فَهُوَ جَوَابُ قَوْلِهِمْ: (سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا) ; فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا أَجْنَبِيٌّ.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٩٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ) : الدَّارُ: اسْمُ كَانَ، وَفِي الْخَبَرِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: هُوَ خَالِصَةً، وَعِنْدَ ظَرْفٌ لِخَالِصَةً، أَوْ لِلِاسْتِقْرَارِ الَّذِي فِي لَكُمْ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ «عِنْدَ» حَالًا مِنَ الدَّارِ، وَالْعَامِلُ فِيهَا كَانَ أَوْ الِاسْتِقْرَارُ، وَأَمَّا لَكُمْ فَتَكُونُ عَلَى هَذَا مُتَعَلِّقَةً بَـ (كَانَ) ; لِأَنَّهَا تَعْمَلُ فِي حُرُوفِ الْجَرِّ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّبْيِينِ، فَيَكُونُ مَوْضِعُهَا بَعْدَ خَالِصَةً ; أَيْ خَالِصَةً لَكُمْ فَيَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ خَالِصَةً. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِخَالِصَةً قُدِّمَتْ عَلَيْهَا فَيَتَعَلَّقُ حِينَئِذٍ بِمَحْذُوفٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ خَبَرُ كَانَ لَكُمْ، وَعِنْدَ اللَّهِ ظَرْفٌ وَخَالِصَةً حَالٌ، وَالْعَامِلُ كَانَ، أَوْ الِاسْتِقْرَارُ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ الْخَبَرُ، وَخَالِصَةً حَالٌ، وَالْعَامِلُ فِيهَا إِمَّا «عِنْدَ» أَوْ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَوْ «كَانَ» أَوْ «لَكُمْ» وَسَوَّغَ أَنْ يَكُونَ «عِنْدَ» خَبَرُ كَانَ «لَكُمْ» إِذْ كَانَ فِيهِ تَخْصِيصٌ وَتَبْيِينٌ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) [الْإِخْلَاصِ: ٤] ; لَوْلَا لَهُ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ كُفُوًا خَبَرًا. (مِنْ دُونِ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِخَالِصَةً ; لِأَنَّكَ تَقُولُ خَلَّصَ كَذَا مِنْ كَذَا.

صفحة رقم 94

قَالَ تَعَالَى: (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٩٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَبَدًا) : ظَرْفٌ. (بِمَا قَدَّمَتْ) : أَيْ بِسَبَبِ مَا قَدَّمَتْ، فَهُوَ مَفْعُولٌ بِهِ وَيَقْرُبُ مَعْنَاهُ مِنْ مَعْنَى الْمَفْعُولِ لَهُ. وَ (مَا) بِمَعْنَى الَّذِي، أَوْ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ، أَوْ مَصْدَرِيَّةٌ، فَيَكُونُ مَفْعُولُ قَدَّمَتْ مَحْذُوفًا ; أَيْ بِتَقْدِيمِ أَيْدِيهِمُ الشَّرَّ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (٩٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَتَجِدَنَّهُمْ) : هِيَ الْمُتَعَدِّيَةُ إِلَى مَفْعُولَيْنِ، وَالثَّانِي «أَحْرَصَ» وَ «عَلَى» مُتَعَلِّقَةٌ بِأَحْرَصَ. (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) : فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هِيَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى النَّاسِ فِي الْمَعْنَى، وَالتَّقْدِيرُ: أَحْرَصُ مِنَ النَّاسِ أَيِ الَّذِينَ فِي زَمَانِهِمْ، وَأَحْرَصُ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَعْنِي بِهِ الْمَجُوسَ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا دَعَوْا بِطُولِ الْعُمْرِ قَالُوا: عِشْتَ أَلْفَ نَيْرُوزَ، فَعَلَى هَذَا فِي: (يَوَدُّ) وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ حَالٌ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا، تَقْدِيرُهُ: وَدَّ أَحَدُهُمْ، وَيَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّكَ لَوْ قُلْتَ: وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا الَّذِينَ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ، صَحَّ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا، وَمِنْ هُنَا قَالَ الْكُوفِيُّونَ: هَذَا يَكُونُ عَلَى حَذْفِ الْمَوْصُولِ وَإِبْقَاءِ الصِّلَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ تَجْعَلَ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ حَالًا مِنَ الْهَاءِ وَالْمِيمِ فِي وَلَتَجِدَنَّهُمْ ; أَيْ لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ وَادًّا أَحَدُهُمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ وَجْهَيْ «مِنَ الَّذِينَ» أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا، وَالتَّقْدِيرُ: وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا قَوْمٌ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ أَوْ مَنْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ.
وَمَاضِي يَوَدُّ وَدِدْتُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ ; فَلِذَلِكَ صَحَّتِ الْوَاوُ ; لِأَنَّهَا لَمْ يُكْسَرْ مَا بَعْدَهَا فِي
الْمُسْتَقْبَلِ (

صفحة رقم 95

لَوْ يُعَمَّرُ) : لَوْ هُنَا بِمَعْنَى أَنْ النَّاصِبَةِ لِلْفِعْلِ، وَلَكِنْ لَا تَنْصِبُ، وَلَيْسَتِ الَّتِي يَمْتَنِعُ بِهَا الشَّيْءُ لِامْتِنَاعِ غَيْرِهِ ; وَيَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذِهِ يَلْزَمُهَا الْمُسْتَقْبَلُ، وَالْأُخْرَى مَعْنَاهَا فِي الْمَاضِي.
وَالثَّانِي أَنَّ: يَوَدُّ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ مِمَّا يُعَلَّقُ عَنِ الْعَمَلِ، فَمِنْ هُنَا لَزِمَ أَنْ يَكُونُ لَوْ بِمَعْنَى أَنْ وَقَدْ جَاءَتْ بَعْدَ ((يَوَدُّ)) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ) [الْبَقَرَةِ: ٢٦٦] ; وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ وَالشِّعْرِ. وَيُعَمَّرُ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ أُقِيمَ مَقَامَ الْفَاعِلِ.
وَ (أَلْفَ سَنَةٍ) : ظَرْفٌ. (وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ) : فِي هُوَ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ ضَمِيرُ أَحَدٍ ; أَيْ وَمَا ذَلِكَ الْمُتَمَنِّي. بِمُزَحْزِحِهِ خَبَرُ مَا. وَ «مِنَ الْعَذَابِ» مُعَلَّقٌ بِمُزَحْزِحِهِ، وَ «أَنْ يُعَمَّرَ» فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِمُزَحْزِحِهِ ; أَيْ [وَمَا الرَّجُلُ بِمُزَحْزِحِهِ] تَعْمِيرُهُ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ هُوَ ضَمِيرُ التَّعْمِيرِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: «لَوْ يُعَمَّرُ».
وَقَوْلُهُ: أَنْ يُعَمَّرَ بَدَلٌ مِنْ هُوَ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُوَ ضَمِيرُ الشَّأْنِ ; لِأَنَّ الْمُفَسِّرَ لِضَمِيرِ الشَّأْنِ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، وَدُخُولُ الْبَاءِ فِي بِمُزَحْزِحِهِ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (٩٧)).

صفحة رقم 96

قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ) [الْبَقَرَةِ: ٨٧] مِنْ شَرْطِيَّةٌ، وَجَوَابُهَا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ فَلْيَمُتْ غَيْظًا أَوْ نَحْوُهُ. (فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ) : وَنَظِيرُهُ فِي الْمَعْنَى: (مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ) [الْحَجِّ: ١٥] ثُمَّ قَالَ: ((فَلْيَمْدُدْ)) :((بِإِذْنِ اللَّهِ)) فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي نَزَّلَ ; وَهُوَ ضَمِيرُ جِبْرِيلَ، وَهُوَ الْعَائِدُ عَلَى اسْمِ إِنَّ، وَالتَّقْدِيرُ: نُزُولُهُ وَمَعَهُ الْإِذْنُ أَوْ مَأْذُونًا بِهِ.
(مُصَدِّقًا) : حَالٌ مِنَ الْهَاءِ فِي نَزَّلَهُ ; وَكَذَلِكَ: «هُدًى وَبُشْرَى» ; أَيْ هَادِيًا وَمُبَشِّرًا.
قَالَ تَعَالَى: (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (٩٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) : وَضَعَ الظَّاهِرَ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لَهُ أَوْ لَهُمْ، وَلَهُ فِي الْقُرْآنِ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ، سَتَمُرُّ بِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
قَالَ تَعَالَى: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ.....).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَوَكُلَّمَا) : الْوَاوُ لِلْعَطْفِ وَالْهَمْزَةُ قَبْلَهَا لِلِاسْتِفْهَامِ عَلَى مَعْنَى الْإِنْكَارِ وَالْعَطْفُ هُنَا عَلَى مَعْنَى الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِهِ: (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ) [الْبَقَرَةِ: ٨٧] وَمَا بَعْدَهُ، وَقِيلَ الْوَاوُ زَائِدَةٌ، وَقِيلَ: هِيَ «أَوِ» الَّتِي لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ حُرِّكَتْ بِالْفَتْحِ، وَقَدْ قُرِئَ شَاذًّا بِسُكُونِهَا.
(عَهْدًا) : مَصْدَرٌ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ الْفِعْلِ الْمَذْكُورِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا بِهِ ; أَيْ أَعْطَوْا عَهْدًا، وَهُنَا مَفْعُولٌ آخَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: عَاهَدُوا اللَّهَ أَوْ عَاهَدُوكُمْ.

صفحة رقم 97
التبيان في إعراب القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو البقاء محبّ الدين عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبريّ البغدادي
الناشر
عيسى البابي الحلبي وشركاه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
إعراب القرآن
اللغة
العربية