
(قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِندَ اللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) الخطاب للنبي - ﷺ - إن كانت الدار الآخرة التي تكون عند الله علام الغيوب ولا سلطان لأحد سواه، خالصة لكم من دون الناس، أي أنكم في منزلة والناس دونكم، ولا تكون إلا لكم؛ لأن غيركم من الناس - سواء كانوا أتباع محمد أم لَا - هم دونكم لا يبلغون منزلتكم بل أنتم وحدكم الذين تنالونها.
إن كانت هذه الحياة الآخرة لكم خالصة فتمنوا الموت الذي هو الطريق إليها إن كنتم صادقين في زعمكم؛ لأن من آمن بأنه المختص بنعمة تمنى الوصول، أن يسرع في الذهاب إليها، وإنها جنات ونعيم مقيم، فتمنوا الموت الذي هو الطريق الوحيد إليها، إن كنتم مؤمنين إيمان صدق وإذعان بما تدعون.

وهنا إشارة بيانية يحسن التنبيه إليها:
الأولى: في كلمة (لَكُمُ) فيها اللام المفيدة للملكية أو الاختصاص، وقد ابتدأ بها بيانا لزعمهم، ولذلك جاء بعدها خالصة لكم من دون الناس.
الثانية: الإشارة إلى أن الدار الآخرة هي عند الله تعالى مالك يوم الدين، وهو الذي تدعون أنكم أبناؤه وأحباؤه ومع ذلك تكفرون به وتتخذون العجل تشركون وتعبدونه.
الثالثة: الإشارة إلى أنهم ليسوا صادقين، بل هم كاذبون؛ ولذلك كانت أداة التعليق هي إن في قوله: (إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) ولهذا نفَى الله سبحانه أن يتمنوه.
* * *
تنبيه: يلاحظ أن الله تعالى أمر نبيه بأن يتولى الرد عليهم في قوله تعالى: (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُوا بمَا أَنزَلَ اللَّهُ بَغْيَا...)، وقوله تعالى: (قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِه إِيمَانُكُمْ...)، وفي قوله تعالى: (قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِندَ اللًّهِ).
لم يتول الله تعالى الرد والجدل معهم وأمر النبي - ﷺ - أن يتولى الجدل معهم فما الحكمة في ذلك؟ ونقول ما تصل إليه مداركنا - والله هو الحكيم العليم - إن مجادلتهم التي فيها التحدي كانت مع النبي - ﷺ - فناسب أن يتولى بأمر الله تعالى الرد هو عليه الصلاة والسلام؛ ولأن مقام الله تعالى أعلى من أن ينزل لمجادلة الكافرين الظالمين لأنفسهم.
ولقد قال سبحانه وتعالى حاكما على حالهم بأنهم في ذات أنفسهم وفي مداركهم يعلمون مآثمهم، ويعلمون كذبهم؛ ولذلك ليست الجنة لهم، ولذا لا يتمنون الموت، فقال تعالى: