وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى الْمَصْدَرِ ; لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ بَغَوْا بَغْيًا.
(أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ) : مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ أَيْ بَغَوْا ; لِأَنْ أَنْزَلَ اللَّهُ وَقِيلَ التَّقْدِيرُ بَغْيًا عَلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ; أَيْ حَسَدًا عَلَى مَا خَصَّ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ مِنَ الْوَحْيِ، وَمَفْعُولُ يُنَزِّلُ مَحْذُوفٌ ; أَيْ يُنَزِّلُ اللَّهُ شَيْئًا. (مِنْ فَضْلِهِ) : وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ زَائِدَةً عَلَى قَوْلِ الْأَخْفَشِ.
وَ (مِنْ) : نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ أَيْ عَلَى رَجُلٍ يَشَاءُ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الَّذِي وَمَفْعُولُ يَشَاءُ مَحْذُوفٌ ; أَيْ يَشَاءُ نُزُولَهُ عَلَيْهِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يَشَاءُ يُخْتَارُ وَيُصْطَفَى وَ (مِنْ عِبَادِهِ) : حَالٌ مِنَ الْهَاءِ الْمَحْذُوفَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ صِفَةً أُخْرَى لِمَنْ. (فَبَاءُوا بِغَضَبٍ) : أَيْ مَغْضُوبًا عَلَيْهِمْ ; فَهُوَ حَالٌ: عَلَى غَضَبٍ صِفَةٌ لِغَضَبٍ الْأَوَّلِ. (مُهِينٌ) : الْيَاءُ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ ; لِأَنَّهُ مِنَ الْهَوَانِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيَكْفُرُونَ) : أَيْ وَهُمْ يَكْفُرُونَ، وَالْجُمْلَةُ حَالٌ وَالْعَامِلُ فِيهَا قَالُوا مِنْ قَوْلِهِ: (قَالُوا نُؤْمِنُ) ; وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ نُؤْمِنُ إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْحَالِ وَنَكْفُرُ أَيْ وَنَحْنُ نَكْفُرُ وَالْهَاءُ فِي (وَرَاءَهُ) تَعُودُ عَلَى مَا، وَالْهَمْزَةُ فِي وَرَاءَ بَدَلٌ مِنْ يَاءٍ ; لِأَنَّ مَا فَاؤُهُ وَاوٌ لَا يَكُونُ لَامُهُ وَاوًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهَا يَاءٌ فِي تَوَارَيْتُ لَا هَمْزَةٌ. وَقَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ هِيَ عِنْدَنَا هَمْزَةٌ ; لِقَوْلِهِمْ وُرَيْئَةٌ بِالْهَمْزِ فِي التَّصْغِيرِ.
(وَهُوَ الْحَقُّ) : جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ وَالْعَامِلُ فِيهَا يَكْفُرُونَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ مَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ (مَا) إِذِ التَّقْدِيرُ بِالَّذِي اسْتَقَرَّ وَرَاءَهُ. (مُصَدِّقًا) : حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ، وَالْعَامِلُ فِيهَا مَا فِي الْحَقِّ مِنْ مَعْنَى الْفِعْلِ إِذِ الْمَعْنَى وَهُوَ ثَابِتٌ مُصَدِّقًا، وَصَاحِبُ الْحَالِ الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي الْحَقِّ عِنْدَ قَوْمٍ، وَعِنْدَ آخَرِينَ صَاحِبُ الْحَالِ ضَمِيرٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ، وَالْحَقُّ مَصْدَرٌ لَا يَتَحَمَّلُ الضَّمِيرَ عَلَى حَسَبِ تَحَمُّلِ اسْمِ الْفَاعِلِ لَهُ عِنْدَهُمْ، فَأَمَّا الْمَصْدَرُ الَّذِي يَنُوبُ عَنِ الْفِعْلِ ; كَقَوْلِكَ ضَرْبًا زَيْدًا فَيَتَحَمَّلُ الضَّمِيرَ عِنْدَ قَوْمٍ.
(فَلِمَ) : مَا: هُنَا اسْتِفْهَامٌ، وَحُذِفَتْ أَلِفُهَا مَعَ حَرْفِ الْجَرِّ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الِاسْتِفْهَامِيَّةِ وَالْخَبَرِيَّةِ، وَقَدْ جَاءَتْ فِي الشِّعْرِ غَيْرَ مَحْذُوفَةٍ، وَمِثْلُهُ: (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا) [النَّازِعَاتِ: ٤٣] وَ (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ) [النَّبَأِ: ١] وَ (مِمَّ خُلِقَ) [الطَّارِقِ: ٥].
(تَقْتُلُونَ) : أَيْ قَتَلْتُمْ. وَالْمَعْنَى أَنَّ آبَاءَهُمْ قُتِلُوا فَلَمَّا رَضُوا بِفِعْلِهِمْ أَضَافَ الْقَتْلَ إِلَيْهِمْ: إِنْ كُنْتُمْ جَوَابُهَا مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (٩٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بِالْبَيِّنَاتِ) : يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ مُوسَى، تَقْدِيرُهُ: جَاءَكُمْ ذَا بَيِّنَاتٍ وَحُجَّةٍ أَوْ جَاءَ وَمَعَهُ الْبَيِّنَاتُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا بِهِ ; أَيْ بِسَبَبِ إِقَامَةِ الْبَيِّنَاتِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) : أَيْ حُبَّ الْعِجْلِ، فَحَذَفَ الْمُضَافَ ; لِأَنَّ الَّذِي يَشْرَبُهُ الْقَلْبُ الْمَحَبَّةُ لَا نَفْسَ الْعِجْلِ.
(بِكُفْرِهِمْ) : أَيْ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْمَحْذُوفِ ; أَيْ مُخْتَلِطًا بِكُفْرِهِمْ.