
يُخْلِفَ اللَّهُ الأخلاف نقض العهد عَهْدَهُ الذي عهده إليكم يعنى ينجز وعده البتة قال الامام ابو منصور لهذان وجهان أحدهما هل عندكم خبر عن الله تعالى انكم لا تعذبون ابدا لكن أياما معدودة فان كان لكم هذا فهو لا يخلف عهده ووعده والثاني ألكم عند الله اعمال صالحة ووعدكم بها الجنة فهو لا يخلف وعده أَمْ تَقُولُونَ مفترين عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ وقوعه وأم معادلة لهمزة الاستفهام بمعنى أي الامرين المتساويين كائن على سبيل التقرير لان العلم واقع بكون أحدهما تلخيصه ان كان لكم عنده عهد فلا ينقض ولكنكم تخرصون وتكذبون روى انهم إذا مضت تلك المدة عليهم في النار يقول لهم خزنة جهنم يا اعداء الله ذهب الاجل وبقي الابد فايقنوا بالخلود بَلى اثبات لما بعد النفي فهو جواب النفي ونعم جواب الإيجاب اى قلتم لن تمسنا النار سوى الأيام المعدودة بلى تمسكم ابدا بدليل قوله هُمْ فِيها خالِدُونَ وبين ذلك بالشرط والجزاء وهما مَنْ فهو رفع مبتدأ بمعنى الشرط ولذلك دخلت الفاء في خبره وان كان جوابا للشرط كَسَبَ الكسب استجلاب النفع واستعماله في استجلاب الضر كالسيئة على سبيل التهكم سَيِّئَةً من السيئات يعنى كبيرة من الكبائر وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ تلك واستولت عليه من جميع جوانبه من قلبه ولسانه ويده كما يحيط العدو وهذا انما يتحقق في الكافر ولذلك فسر السلف السيئة بالكفر فَأُولئِكَ الموصوفون بما ذكر من كسب السيئات واحاطة خطاياهم بهم أشير إليهم بعنوان الجمعية مراعاة لجانب المعنى في كلمة من بعد مراعاة جانب اللفظ في الضمائر الثلاثة أَصْحابُ النَّارِ اى ملازموها في الآخرة حسب ملازمتهم في الدنيا لما يستوجبها من الأسباب التي من جملتها ما هم عليه من تكذيب آيات الله وتحريف كلامه والافتراء عليه وغير ذلك وهو خبر أولئك والجملة خبر للمبتدأ هُمْ فِيها خالِدُونَ دائمون فأنى لهم التفضى منها بعد سبعة ايام او أربعين كما زعموا والجملة في حيز النصب على الحالية لورود التصريح به في قوله أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها ولا حجة في الآية على خلود صاحب الكبيرة لما عرفت من اختصاصها بالكافر وَالَّذِينَ آمَنُوا اى صدقوا بالله تعالى ومحمد عليه السلام بقلوبهم وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ اى أدوا الفرائض وانتهوا عن المعاصي أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ لا يموتون ولا يخرجون منها ابدا جرت السنة الإلهية على شفع الوعد بالوعيد مراعاة لما تقتضيه الحكمة في ارشاد العباد من الترغيب تارة والترهيب اخرى والتبشير مرة والانذار اخرى فان باللطف والقهر يترقى الإنسان الى الكمال ويفوز بجنة الجمال والجلال- حكى- انه كان لشيخ مريد فقال له يوما لو رأيت أبا يزيد كان خيرا لك من شغلك فقال كيف يكون هو خيرا وهو مخلوق ويتجلى الخالق كل يوم سبعين مرة ثم بالآخرة ذهب مع شيخه الى ابى يزيد البسطامي فقالت امرأته لا تطلبوه فهو امرؤ ذهب للحطب فوقفا في طريقه فاذا هو حمل الحطب على اسد عظيم وبيده حية يضرب الأسد بها في بعض الأوقات فلما رآه المريد مات وقال ابو يزيد لشيخه قدر بيت مريدك باللطف ولم ترشده الى طريق القهر فلم يتحمل لما رآنى فلا تفعل بعد اليوم وأرهم القهر ايضا قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى ان أبا يزيد برؤية القهر واللطف من الطريق كان مظهرا لتجلى الذات بخلاف المريد فلما رآه فيه لم يتحمل: قال في المثنوى
صفحة رقم 170
عظيمة على الطاعة لان الغفلة إذا كانت ممتنعة عليه سبحانه مع انه اقدر القادرين وصلت الحقوق الى مستحقيها أُولئِكَ الموصوفون بما ذكر من الأوصاف القبيحة الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا واستبدلوها بِالْآخِرَةِ واعرضوا عنها مع تمكنهم من تحصيلها فان ما ذكر من الكفر ببعض احكام الكتاب انما كان مراعاة لجانب حلفائهم لما يعود إليهم منهم من بعض المنافع الدينية والدنيوية فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ دنيويا كان او أخرويا وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ يمنعون من العذاب بدفعه عنهم بشفاعة او جبر اعلم ان الجمع بين تحصيل لذات الدنيا ولذات الآخرة ممتنع غير ممكن والله سبحانه مكن المكلف من تحصيل أيتهما شاء وأراد فاذا اشتغل بتحصيل إحداهما فقد فوت الاخرى على نفسه فجعل الله ما اعرض اليهود عنه من الايمان بما في كتابهم وما حصل في أيديهم من الكفر ولذات الدنيا كالبيع والشراء وذلك من الله نهاية الذم لهم لان المغبون في البيع والشراء في الدنيا مذموم فان يدم مشترى الدنيا بالآخرة اولى فعلى العاقل ان يرغب في تجارة الآخرة ولا يركن الى الدنيا ولا يسفك دمه بامتثال أوامر الشيطان في استجلاب حظوظ النفس ولا يخرج من ديار دينه التي كان عليها في اصل الفطرة فانه إذا يضل ويشقى وفي قوله لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ اشارة اخرى الى ان العبد ولا يجوز له ان يقتل نفسه من جهد او بلاء يصيبه او يهيم في الصحراء ولا يأتى البيوت جهلا في ديانته وسفها في حلمه فهو عام في جميع ذلك وقد روى ان بعض الصحابة رضى الله عنهم عزموا ان يلبسوا المسوح وان يهيموا في الصحراء ولا يأووا الى البيوت ولا يأكلوا اللحم ولا يغشوا النساء فقال عليه السلام (انى أصلي وأنام وأصوم وأفطر واغشى النساء وآوى الى البيوت وآكل اللحم فمن رغب عن سنتى فليس منى) فرجعوا عما عزموا قال تعالى وآت كل ذى حق حقه فالكمال في التجاوز عن القيود والوصول الى عالم الشهود وعين العارف لا ترى غير الله في المرايا والمظاهر فمن أي شىء يهرب والى ابن يهرب فاينما تولوا فثم وجه الله ولذا قيل الذي يطلب العلم لله إذا قيل له غدا تموت لا يضيع الكتاب من يده لكونه وفي الحقوق مشتغلا به لله مخلصا له النية فلم ير أفضل مما هو فيه فيحب ان يأتيه الموت على ذلك واعلم ايضا ان الأسارى اصناف شتى فمن أسير في قيد الهوى فانقاذه بالدلالة على الهدى ومن أسير في قيد حب الدنيا فخلاصة بإخلاص ذكر الموت: وفي المثنوى
ذكر حق كن بانك غولانرا بسوز | چشم نركس را ازين كركس بدوز |