آيات من القرآن الكريم

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ

يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ صَاحِبُ الْكَبِيرَةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ يَقْتَضِي كَوْنَهُمْ فِي النَّارِ فِي الْحَالِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ، فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ النَّارَ. وَنَحْنُ نَقُولُ بِمُوجِبِهِ: لَكِنْ لَا نِزَاعَ فِي أَنَّهُ تَعَالَى هَلْ يَعْفُو عَنْ هَذَا الْحَقِّ وَهَذَا أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ، وَلْنَخْتِمِ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِقَاعِدَةٍ فِقْهِيَّةٍ: وَهِيَ أَنَّ الشرط هاهنا أَمْرَانِ، أَحَدُهُمَا: اكْتِسَابُ السَّيِّئَةِ، وَالثَّانِي: إِحَاطَةُ تِلْكَ السَّيِّئَةِ بِالْعَبْدِ وَالْجَزَاءُ الْمُعَلَّقُ عَلَى وُجُودِ الشَّرْطَيْنِ لَا يُوجَدُ عِنْدَ حُصُولِ أَحَدِهِمَا. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ عَقَدَ الْيَمِينَ عَلَى شَرْطَيْنِ فِي طَلَاقٍ أَوْ إِعْتَاقٍ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بوجوه أحدهما والله أعلم.
[سورة البقرة (٢) : آية ٨٢]
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٨٢)
اعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَا ذَكَرَ فِي الْقُرْآنِ آيَةً فِي الْوَعِيدِ إِلَّا وَذَكَرَ بِجَنْبِهَا آيَةً فِي الْوَعْدِ، وَذَلِكَ لِفَوَائِدَ:
أَحَدُهَا: لِيُظْهِرَ بِذَلِكَ عَدْلَهُ سُبْحَانَهُ، لِأَنَّهُ لَمَّا حَكَمَ بِالْعَذَابِ الدَّائِمِ عَلَى الْمُصِرِّينَ عَلَى الْكُفْرِ وَجَبَ أَنْ يَحْكُمَ بِالنَّعِيمِ الدَّائِمِ عَلَى الْمُصِرِّينَ عَلَى الْإِيمَانِ، وَثَانِيهَا: أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَعْتَدِلَ خَوْفُهُ وَرَجَاؤُهُ عَلَى مَا
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَوْ وُزِنَ خَوْفُ الْمُؤْمِنِ وَرَجَاؤُهُ لَاعْتَدَلَا»،
وَذَلِكَ الِاعْتِدَالُ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ يُظْهِرُ بِوَعْدِهِ كَمَالَ رَحْمَتِهِ وَبِوَعِيدِهِ كَمَالَ حِكْمَتِهِ فَيَصِيرُ ذَلِكَ سبباً للعرفان، وهاهنا مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْعَمَلُ الصَّالِحُ خَارِجٌ عَنْ مُسَمَّى الْإِيمَانِ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَوْ دَلَّ الْإِيمَانُ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ لَكَانَ ذِكْرُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ بَعْدَ الْإِيمَانِ تَكْرَارًا/ أَجَابَ الْقَاضِي بِأَنَّ الْإِيمَانَ وَإِنْ كَانَ يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، إِلَّا أَنَّ قَوْلَهُ: آمَنَ لَا يُفِيدُ إِلَّا أَنَّهُ فَعَلَ فِعْلًا وَاحِدًا مِنْ أَفْعَالِ الْإِيمَانِ، فَلِهَذَا حَسُنَ أَنْ يَقُولَ: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ فِعْلَ الْمَاضِي يَدُلُّ عَلَى حُصُولِ الْمَصْدَرِ فِي زَمَانٍ مَضَى وَالْإِيمَانُ هُوَ الْمَصْدَرُ، فَلَوْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ لَكَانَ قَوْلُهُ: آمَنَ دَلِيلًا عَلَى صُدُورِ كُلِّ تِلْكَ الْأَعْمَالِ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَاحِبَ الْكَبِيرَةِ قَدْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لِأَنَّا نَتَكَلَّمُ فِيمَنْ أَتَى بِالْإِيمَانِ وَبِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، ثُمَّ أَتَى بَعْدَ ذَلِكَ بِالْكَبِيرَةِ وَلَمْ يَتُبْ عَنْهَا، فَهَذَا الشَّخْصُ قَبْلَ إِتْيَانِهِ بِالْكَبِيرَةِ كَانَ قَدْ صُدِّقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ آمَنَ وَعَمِلَ الصَّالِحَاتِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَمَنْ صُدِّقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ صُدِّقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ آمَنَ وَعَمِلَ الصَّالِحَاتِ وَإِذَا صُدِّقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَجَبَ انْدِرَاجُهُ تَحْتَ قَوْلِهِ: أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ، فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ إِلَّا إِذَا أَتَى بِجَمِيعِ الصَّالِحَاتِ وَمِنْ جُمْلَةِ الصَّالِحَاتِ التَّوْبَةُ، فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِهَا لَمْ يَكُنْ آتِيًا بِالصَّالِحَاتِ، فَلَا يَنْدَرِجُ تَحْتَ الْآيَةِ. قُلْنَا: قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِالْكَبِيرَةِ صُدِّقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ آمَنَ وَعَمِلَ الصَّالِحَاتِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِذَا صُدِّقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَقَدْ صُدِّقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ آمَنَ وَعَمِلَ الصَّالِحَاتِ، لِأَنَّهُ مَتَى صَدَقَ الْمُرَكَّبُ يَجِبُ صِدْقُ الْمُفْرَدِ، بَلْ إِنَّهُ إِذَا أَتَى بِالْكَبِيرَةِ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَيْهِ أَنَّهُ آمَنَ وَعَمِلَ الصَّالِحَاتِ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ، لَكِنَّ قَوْلَنَا: آمَنَ وَعَمِلَ الصَّالِحَاتِ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِنَا: إِنَّهُ كَذَلِكَ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ أَوْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْآيَةِ هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ، فَثَبَتَ أَنَّهُ مُنْدَرِجٌ تَحْتَ حُكْمِ الْوَعْدِ. بَقِيَ قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْفَاسِقَ أَحْبَطَ عِقَابُ مَعْصِيَتِهِ ثَوَابَ طَاعَتِهِ فَيَكُونُ التَّرْجِيحُ لِجَانِبِ الْوَعِيدِ إِلَّا أَنَّ الْكَلَامَ عَلَيْهِ قَدْ تَقَدَّمَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: احْتَجَّ الْجُبَّائِيُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا تَفَضُّلًا، لِأَنَّ قَوْلَهُ: أُولئِكَ

صفحة رقم 584
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية