آيات من القرآن الكريم

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ

وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْإِيمَانِ الصَّحِيحِ وَمَا يَلْزَمُهُ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ فَ (أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ). أَقُولُ: أَيْ أُولَئِكَ دُونَ غَيْرِهِمْ أَصْحَابُهَا الْحَقِيقِيُّونَ بِهَا، بِحَسَبِ وَعْدِ اللهِ وَفَضْلِهِ هُمْ خَالِدُونَ فِيهَا. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَعْدَ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ مَعًا، إِذْ لَا يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ، إِلَّا مَنْ آمَنَ فَمَاتَ وَلَمْ يَتَّسِعْ لَهُ الْوَقْتُ لِلْعَمَلِ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ بِمُقْتَضَى إِيمَانِهِ الصَّحِيحِ، وَمَا حَالَ دُونَهُ مِنَ الْآجَالِ عُذْرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا ذَنْبَ لَهُ فِيهِ.
(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ)
الْآيَاتُ السَّابِقَةُ كَانَتْ تَذْكِيرًا بِالنِّعَمِ التَّارِيخِيَّةِ الْمَلِيَّةِ، وَبِالتَّقْصِيرِ فِي الشُّكْرِ وَعَوَاقِبِهِ، وَذَلِكَ كَالتَّفْضِيلِ عَلَى الْعَالَمِينَ الَّذِي يَرْفَعُ النَّفْسَ، وَالْإِنْجَاءِ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ وَمِنَ الْغَرَقِ، وَإِيتَاءِ مُوسَى الْكِتَابَ وَالْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ، وَتَسْهِيلِ الْمَعِيشَةِ عَلَيْهِمْ فِي التِّيهِ بِمَا سَاقَ اللهُ إِلَيْهِمْ مِنَ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى، ثُمَّ مَا كَانَ مِنْهُمْ فِي أَثَرِ كُلِّ نِعْمَةٍ وَمَا أَعْقَبَهُ
كُفْرُ النِّعَمِ مِنَ النِّقَمِ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِيمَا سَبَقَ مِنَ الْأَحْكَامِ الْعَمَلِيَّةِ إِلَّا مَا جَاءَ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِ لِهَذِهِ الْأُصُولِ. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا بَعْدَهَا التَّذْكِيرُ بِأُمَّهَاتِ الْأَحْكَامِ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَمَا كَانَ مِنْ إِهْمَالِهَا وَتَرْكِ الْعَمَلِ بِهَا. هَذَا هُوَ الْمُرَادُ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ عَلَى أَنَّ فِيمَا يَأْتِي إِعَادَةَ الْإِشَارَةِ إِلَى بَعْضِ مَا مَضَى، قَضَى بِهَا مَا كَانَ عَلَيْهِ الْيَهُودُ مِنْ سُوءِ الْفَهْمِ وَغِلَظِ الْقُلُوبِ وَكَثْرَةِ الْمُشَاغَبَاتِ وَالْمُمَارَاةِ، فَالْخِطَابُ مَعَهُمْ دَائِمًا فِي بَابِ الْإِطْنَابِ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: لَاحَظَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ وَالْمُفَسِّرِينَ أَنَّ الْقُرْآنَ يُطْنِبُ وَيُبْدِئُ وَيُعِيدُ فِي خِطَابِ الْيَهُودِ خَاصَّةً، وَذَلِكَ لِمَا كَانَتْ شُحِنَتْ بِهِ أَذْهَانُهُمْ مِمَّا يُسَمَّى عِلْمًا أَوْ فِقْهًا، فَأَبْعَدَهُمْ عَنْ أَنْ يَصِلَ شُعَاعُ الْحَقِّ إِلَى مَا وَرَاءِ ذَلِكَ فِي نُفُوسِهِمْ وَيَكْتَفِي بِالْإِيجَازِ، بَلْ بِالْإِشَارَةِ الدَّقِيقَةِ فِي خِطَابِ الْعَرَبِ لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ سُرْعَةِ الْفَهْمِ وَرِقَّةِ الْإِحْسَاسِ لِقُرْبِهِمْ مِنَ السَّذَاجَةِ الْفِطْرِيَّةِ، فَالْإِشَارَةُ إِلَى الْبُرْهَانِ فِي ضِمْنِ تَمْثِيلٍ يُغْنِي عِنْدَهُمْ عَنِ الْإِسْهَابِ وَالتَّطْوِيلِ؛ وَلِذَلِكَ خَاطَبَهُمْ بِمِثْلِ قَوْلِهِ فِي الْأَصْنَامِ: (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) (٢٢: ٧٣).

صفحة رقم 302
تفسير المنار
عرض الكتاب
المؤلف
محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين بن محمد بهاء الدين بن منلا علي خليفة القلموني الحسيني
الناشر
1990 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية