
الرجل الأحاديث المفتعلة قال بعض العرب لابن دأب «١» وهو يحدث الناس «٢» : أهذا شيء رويته أم شيء تَمنَّيته؟ يريد افتعلته، وكانت أحاديث يسمعونها من كبرائهم ليست من كتاب اللَّه «٣». وهذا أبين الوجهين.
وقوله: إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً... (٨٠)
يقال «٤» : كيف جاز فِي الكلام: لاتينك أياما معدودة، ولم يبين عددها؟ وذلك أنهم نَوَوُا الأيام التي عبدوا فيها العجل، فقالوا: لن نُعذَّب فِي النار إلا تلك الأربعين الليلة التي عبدنا فيها العجل. فقالوا: لن نُعذَّب فِي النار إلا تلك الأربعين الليلة التي عبدنا فيها العجل. فلما كان معناها مؤقتا معلوما عندهم وصفوه بمعدودة ومعدودات، فقال اللَّه: قل يا مُحَمَّد: هَلْ عندكم من اللَّه عهدٌ بهذا الَّذِي قلتم أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ.
وقوله: أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ... «٥» (٧٦)
هذا من قول اليهود لبعضهم أي لا تحدثوا المسلمين بأنكم تجدون صفة مُحَمَّد صلى اللَّه عليه وسلم فِي التوراة وأنتم لا تؤمنون به، فتكون لهم الحجة عليكم. أَفَلا تَعْقِلُونَ قال اللَّه: «أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ» هذا جوابهم من قول اللَّه.
وقوله: وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ... (٨٥)
إن شئت جعلت هُوَ كناية عن الإخراج وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ أي وهو محرم عليكم يريد: إخراجهم محرم عليكم، ثم أعاد الإخراج
(٢) زيادة فى أ.
(٣) فى ج، ش: «من كتب الله».
(٤) فى أ: «فقال».
(٥) يلاحظ أن هذه الآية والتي تليها ليست على الترتيب من الآية السابقة.

مرة أخرى تكريرا على «هُوَ» لما حال (بين «١» الإخراج وبين «هُوَ» كلام)، فكان رفع الإخراج بالتكرير على «هُوَ» وإن شئت جعلت «هُوَ» عمادا ورفعت الإخراج بمحرم «٢» كما قال اللَّه جل وعز: «وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ» «٣» فالمعنى- والله أعلم- ليس بمزحزحه من العذاب التعمير فإن قلت: إن العرب إنما تجعل العماد فِي الظَّنّ لأنه ناصب، وفي «كان» و «ليس» لانهما يرفعان، وفي «إنّ» وأخواتها لانهن ينصِبْن، ولا ينبغي للواو وهي لا تنصب ولا ترفع ولا تخفض أن يكون لها عمادٌ، قلت: لم يوضع العماد على أن يكون لنصب أو لرفع أو لخفض، إنما وضع فِي كل موضع يبتدأ فِيهِ بالاسم قبل الفعل، فإذا رَأَيْت الواو فِي موضع تطلب الاسم دون الفعل صلح فِي ذلك العمادُ كقولك: أتيت زيدا وأبوه قائم، فقبيحٌ أن تقول: أتيت زيدا وقائم أَبُوهُ، وأتيت زَيْدًا ويقوم أَبُوهُ لأن الواو تطلب الأب، فلما بدأت بالفعل وإنما تطلب الْوَاوُ الاسم أدخلوا لها «هو» لأنّه اسم. قال الفرّاء «٤» : سمعت بعض العرب يقول:
كَانَ مرة وهو ينفع النّاس أحسابهم «٥». وأنشدنى بعض العرب:
(٢) مراده بالعماد الضمير المسمى عند البصريين ضمير فصل، وسمى ضمير فصل لأنه فصل بين المبتدأ والخبر أو بين الخبر والنعت. ويسميه الكوفيون عمادا لأنه يعتمد عليه فى الفائدة إذ به يتبين أن الثاني خبر لا تابع. وبعض الكوفيين يسميه دعامة لأنه يدعم به الكلام أي يقوى به ويؤكد.
وقد قال النحاس: وزعم الفراء أن «هو» عماد، وهذا عند البصريين خطأ لا معنى له لأن العماد لا يكون فى أوّل الكلام.
(٣) آية ٩٦ من سورة البقرة.
(٤) «قال الفراء» : ساقط من أ. [.....]
(٥) هكذا المثال فى جميع الأصول.

فأَبِلغْ أَبَا يحيى إذا ما لقيتهُ... على العيس فِي آباطها عرق يبسُ «١»
بأن السلامي الَّذِي بضريةٍ... أمير الحمى قد باع حقي بني عبس «٢»
بِثَوْبٍ ودِينارٍ وشاةٍ ودِرهمٍ... فَهَل هُوَ مَرفوعٌ بما هاهنا رَأْسُ
فجعل مع «هَل» العماد وهي لا ترفع ولا تنصب لأن هَلْ تطلب الأسماء أكثر من طلبها فاعلا «٣» قال: وكذلك «ما» و «أما»، تقول: ما هُوَ بذاهب أحدٌ، وأما هُوَ فذاهبٌ زَيْدُ، لقبح أمّا ذاهب فزيد.
وقوله: بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً... (٨١)
وضعت بَلى لكل أقرار فِي أوله جحد، ووضعت «نعم» للاستفهام الذي لا جحد فيه، ف «بَلى» بمنزلة «نعم» إلا أنها لا تكون إلا لما فِي أوله جحد قال اللَّه تبارك وتعالى: «فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ» «٤» ف «بَلى» لا تصلح فى هذا الموضع. وأما الجحد فقوله: «أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ. قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ» «٥» ولا تصلح هاهنا «نعم» أداة وذلك أن الاستفهام يحتاج إلى جواب ب «نعم» و «لا» ما لم يكن فِيهِ جحدٌ، فإذا دخل الجحد فِي الاستفهام لم يستقم أن تقول «٦» فِيهِ «نعم» فتكون كأنك مقر بالجحد وبالفعل الَّذِي بعده ألا ترى أنك لو قلت لقائل قال لك: أما لك مالٌ؟ فلو قلت «نعم» كنت مقرًّا بالكلمة بطرح الاستفهام وحده، كأنك قلت «نعم» مالي مالٌ، فأرادوا أن يرجعوا عن الجحد ويقرّوا بما
(٢) السلامى: نسبة إلى سلام: موضع بنجد. وضرية: قرية قديمة فى طريق مكة من البصرة من نجد، أو أرض بنجد ينزلها حاج البصرة. وفى البيت إقواء لأن روىّ قافية البيت الأوّل والثالث مرفوع والثاني مجرور.
(٣) كذا. والوجه: فعلا، وعذره أن الفاعل حليف الفعل ورديفه. وفى الأصول: «فاعل» وكأن وجهه أن كلا يطلب الآخر، فهل تطلب الفاعل، والفاعل يطلبها، ولا يطلبها الاسم.
(٤) آية ٤٤ سورة الأعراف.
(٥) آية ٨، ٩ سورة الملك.
(٦) «أن تقول» : ساقط من ج، ش.