آيات من القرآن الكريم

۞ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ

يقول تعالى :﴿ أَفَتَطْمَعُونَ ﴾ يا أيها المؤمنون ﴿ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ ﴾ أي ينقاد لكم بالطاعة هؤلاء الفرقة الضالة من اليهود، الذين شاهد آباؤهم من الآيات البينات ما شاهدوه، ثم قست قلوبهم من بعد ذلك ﴿ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ الله ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ ﴾ أي يتأولونه على غير تأويله ﴿ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ ﴾ أي فهموه على الجليّة، ومع هذا يخالفونه على بصيرة ﴿ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ أنهم مخطئون فيما ذهبوا إليه من تحريفه وتأويله. وهذا المقام شبيه بقوله تعالى :﴿ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الكلم عَن مَّوَاضِعِهِ ﴾ [ المائدة : ١٣ ] وليس كلهم قد سمعها، ولكن هم الذين سألوا موسى رؤية ربهم فأخذتهم الصاعقة فيها، قال السدي : هي التوراة حرّفوها. وقال قتادة في قوله :﴿ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ هم اليهود كانوا يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه ووعوه، وقال أبو العالية : عمدوا إلى ما أنزل الله في كتابهم من نعت محمد ﷺ فحرفوه عن مواضعه، وقال السدي :﴿ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ أي أنهم أذنبوا، وقال ابن وهب في قوله :﴿ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ الله ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ ﴾ قال : التوراة التي أنزلها الله عليهم يحرفونها يجعلون الحلال فيها حراماً، والحرام فيها حلالاً، والحق فيها باطلاً والباطل فيها حقاً.
وقوله تعالى :﴿ وَإِذَا لَقُواْ الذين آمَنُواْ قالوا آمَنَّا ﴾، قال ابن عباس ﴿ وَإِذَا لَقُواْ الذين آمَنُواْ قالوا آمَنَّا ﴾ : أي قالوا : إنَّ صاحبكم رسول الله ولكنه إليكم خاصة. ﴿ وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ ﴾ قالوا : لا تحدثوا العرب بهذا فإنكم قد كنتم تستفتحون به عليهم فكان منهم، ﴿ وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ قالوا أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ ﴾ أي تقرون بأنه نبي وقد علمتم أنه قد أخذ له الميثاق عليكم باتباعه، وهو يخبرهم أنه النبي الذي كنا ننتظر ونجد في كتابنا، اجحدوه ولا تقروا به. يقول الله تعالى :﴿ أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ ؟ وقال الضحاك : يعني المنافقين من اليهود كانوا إذا لقوا أصحاب محمد ﷺ قالوا آمنا، وقال السدي : هؤلاء ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا. وكانوا يقولون إذا دخلوا المدينة نحن مسلمون، ليعلموا خبر رسول الله ﷺ وأمره، فإذا رجعوا رجعوا إلى الكفر، فلما أخبر الله نبيّه ﷺ قطع ذلك عنهم فلم يكونوا يدخلون، وكان المؤمنون يظنون أنهم مؤمنون فيقولون : أليس قد قال الله لكم كذا وكذا، فيقولون : بلى، قال أبو العالية :﴿ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ ﴾ يعني بما أنزل عليكم في كتابكم من نعت محمد ﷺ، وقال قتادة :﴿ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ ﴾ كانوا يقولون سيكون نبيّ فخلا بعضهم ببعض فقالوا :﴿ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ ﴾.

صفحة رقم 85

وعن مجاهد في قوله تعالى :﴿ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ ﴾ قال : قام النبي ﷺ يوم قريظة تحت حصونهم، فقال : يا إخوان القردة والخنازير، ويا عبد الطاغوت فقالوا من أخبر بهذا الأمر محمداً؟ ما خرج هذا القول إلا منكم ﴿ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ ﴾ بما حكم الله للفتح ليكون لهم حجة عليكم. وقال الحسن البصري : هؤلاء اليهود كانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا، وإذا خلا بعضهم إلى بعض قال بعضهم : لا تحدِّثوا أصحاب محمد بما فتح الله عليكم مما في كتابكم ليحاجوكم به عند ربكم فيخصموكم. وقوله تعالى :﴿ أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ يعني ما أسروا من كفرهم بمحمد ﷺ وتكذيبهم به وهم يجدونه مكتوباً عندهم. وقال الحسن :﴿ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ ﴾ كان ما أسروا أنهم كانوا إذا تولوا عن أصحاب محمد ﷺ وخلا بعضهم إلى بعض، تناهوا أن يخبر أحد منهم أصحاب محمد ﷺ بما فتح الله عليهم مما في كتابهم خشية أن يحاجّهم أصحاب محمد ﷺ بما في كتابهم عند ربهم ﴿ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ يعني حين قالوا لأصحاب محمد ﷺ آمناً.

صفحة رقم 86
تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد نسيب بن عبد الرزاق بن محيي الدين الرفاعي الحلبي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية