
وقوله تعالى: ﴿سَنَزِيدُ اَلمُحسِنِينَ﴾ أي: الذين لم يكونوا من أهل تلك الخطيئة إحسانا وثوابا (١).
٥٩ - قوله تعالى: ﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ﴾ الآية. (التبديل) معناه: التغيير إلى بدل، وذكرناه مستقصى عند قوله: ﴿بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا﴾ [النساء: ٥٦]، والمعنى: أنهم غيروا تلك الكلمة التي أمروا بها، وقالوا بدل حطة: حنطة، وهذا (٢) قول ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والمفسرين (٣).
وقال أبو إسحاق: حرفوا وقالوا كلمة غير هذه التي أمروا بها، وجملة ما قالوا إنه أمر عظيم سماهم الله به فاسقين (٤).
وقوله تعالى: ﴿فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾. أظهر الكناية هاهنا تأكيدا (٥)، وكنىَّ في سورة الأعراف فقال: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ﴾ [الأعراف: ١٦٢]. والعرب تظهر الكنايات توكيدًا، قال:
(٢) في (ب): (وهو).
(٣) انظر الآثار عنهم في الطبري في "تفسيره" ١/ ٣٠٢ - ٣٠٥، وكذا في "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٣٧٥، ولم يرد عندهما عن سعيد، انظر "زاد المسير" ١/ ٨٦، "تفسير ابن كثير" ١/ ١٠٦.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١١٠.
(٥) قال الزمخشري: (وفي تكرير (الذين ظلموا) زيادة في تقبيح أمرهم وإيذان بأن إنزال الرجز عليهم لظلمهم، وقد جاء في سورة الأعراف بالإضمار)، "الكشاف" ١/ ٢٨٣، وانظر "تفسير القرطبي" ١/ ٣٥٤، "الدر المصون" ١/ ٣٨١.

لَا (١) أَرَى الْمَوْتَ يَسْبِقُ الموتَ شَيْءٌ | نَغَّص الْمَوْتُ ذَا الْغِنَى وَالْفَقِيَرا (٢) |
فَيَارَبَّ لَيْلَى أَنْتَ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ | وَأَنْتَ الَّذِي فِي رَحْمَةِ اللهِ أَطْمَعُ (٣) |
والرجز: العذاب (٤)، [قال رؤبة] (٥):
كَمْ رَامَنَا مِنْ ذِي عَدِيدٍ مُبْرِ (٦)
حَتَّى وَقَمْنَا كَيْدَهُ بِالرِّجْزِ (٧)
(٢) البيت نسب لعدي بن زيد، ونسبه بعضهم لسواد بن عدي، وبعضهم لأمية بن أبي الصلت. وهو من "شواهد سيبويه" ١/ ٦٢، وانظر "شرح شواهد سيبويه" للسيرافي ١/ ١٢٥، "الخصائص" ٣/ ٥٣، "الإملاء" ١/ ٤٥، "تفسير القرطبي" ١/ ٣٥٥، "مغني اللبيب" ٢/ ٥٠٠، "الخزانة" ١/ ٣٧٨، ٣٧٩، ٦/ ٩٠، ١١/ ٣٦٦، "اللسان" (نغص) ٨/ ٤٤٨٨، "الدر المصون" ١/ ٣٨١، "فتح القدير" ١/ ١٤١.
(٣) ورد البيت في "همع الهوامع" ١/ ٣٠١، و"الدر اللوامع على همع الهوامع" و"شرح شواهد المغني" للسيوطي: قال: قيل: إنه لمجنون ليلى، وبحثت عنه في شعر مجنون ليلى، الذي جمعه عبد الستار أحمد فرج، ولم أجده، والله أعلم.
(٤) انظر: "غريب القرآن" لليزيدي ص ٧٠، "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٤٣، "العمدة في غريب القرآن" لمكي ص ٧٦.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ج).
(٦) في (ج): (رجز).
(٧) الرجز ورد في "الزاهر" ٢/ ٢١٤، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١١١، وورد الثاني في "تهذيب اللغة"، وبعده بيت آخر (جرز) ١/ ٥٨٠، وكذا في "اللسان" (جزر) =

وقال الله تعالى: ﴿لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ﴾ [الأعراف: ١٣٤]، أي العذاب، ثم يسمى كيد الشيطان رجزًا لأنه سبب العذاب، قال الله تعالى: ﴿وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ﴾ (١) [الأنفال: ١١].
وقوله: ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾ [المدثر: ٥]، قيل: إنه عبادة الأوثان؛ لأنه سبب العذاب (٢).
قال أهل اللغة: وأصل الرجز في اللغة: تتابع الحركات، ومن ذلك قولهم: ناقة رجزاء إذا كانت قوائمها ترتعد عند قيامها، ومن هذا رجز الشعر؛ لأنه أقصر أبيات الشعر، فالانتقال من بيت إلى بيت سريع (٣). أو؛ لأن الرجز في الشعر متحرك وساكن ثم متحرك وسكن في كل أجزائه، فهو كالرعدة في رجل الناقة تتحرك ثم تسكن وتستمر (٤) على ذلك (٥).
فحقيقة معنى الرجز: أنه العذاب المقلقل لشدته (٦) قلقلة شديدة متتابعة (٧).
(١) في (أ)، (ج): (وليذهب) تصحيف.
(٢) انظر "الوسيط" ١/ ١١٥، "مفردات الراغب" ص ١٨٨.
(٣) ذكره الأزهري عن الليث. "تهذيب" (رجز) ٢/ ١٣٥٦، وانظر: "مفردات الراغب" ص ١٨٧.
(٤) في (ج): (ويستمر).
(٥) انظر: "اللسان" (رجز) ٣/ ١٥٨٨.
(٦) في (ب): (لشدة).
(٧) قال الأزهري: (قال أبو إسحاق: ومعنى الرجز في العذاب. وهو العذاب المقلقل...) "التهذيب" (رجز) ٢/ ١٣٦٥ "اللسان" (رجز) ٣/ ١٥٨٨.