آيات من القرآن الكريم

ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ

الإيضاح
(وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) أي واذكروا وقت تنجيتنا إياكم أي تنجية آبائكم، وتنجيتهم تنجية لأعقابهم، وهو استعمال تعهده العرب في كلامها، يقولون قتلناكم يوم عكاظ أي قتل آباؤنا آباءكم.
(يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ) أي يكلفونكم ما يسوءكم ويذلكم من العذاب.
ثم فصل هذا العذاب بقوله:
(يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) أي يقتلون الذكور ويستبقون البنات إذلالا لكم حتى ينقرض شعبكم من البلاد.
(وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) أي وفي ذلكم العذاب والتنجية منه امتحان عظيم من ربكم كما قال تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ) وقوله: من ربكم: أي من جهته تعالى بتسليطهم عليكم، وبعث موسى وتوفيقه لخلاصكم.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٥٠ الى ٥٣]
وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٠) وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (٥١) ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٢) وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (٥٣)
تفسير المفردات
الفرق: الفصل بين الشيئين، والبحر: هو بحر القلزم فرقه الله اثنتي عشرة فرقة بعدد أسباط بنى إسرائيل، والسبط: ولد الولد، وهو من بنى إسرائيل كالقبائل

صفحة رقم 114

من العرب، والعفو: محو الجريمة بالتوبة، والكتاب: التوراة، والفرقان: الآيات التي أيّد الله بها موسى ودلت على صدق نبوته، وبها يفرق بين الحق والباطل، والشكر يكون لمن فوقك بطاعته، ولنظيرك بالمكافأة، ولمن دونك بالإحسان إليه.
المعنى الجملي
فى الآية الأولى تفصيل لمجمل ما ذكر في الآية السالفة من الإنجاء، وتصوير لحصوله وعظيم هوله، وكونه من خوارق العادات، وفي تضاعيف ذلك ذكر لهم نعمة أخرى وهى هلاك عدوهم فرعون وقومه وهم ينظرون، ثم ذكر النعمة التي تلتها وهى العدة بإعطاء التوراة وكفرهم بها باتخاذهم عجلا من ذهب وعبادتهم إياه، ثم عفوه عنهم بعد ذلك، ثم قفّى على ذلك بذكر إيتائهم الكتاب وهى المنة الكبرى مع الآيات التي أيّد بها موسى لتصديق نبوّته.
روى المؤرخون أن الله لما أرسل موسى إلى فرعون وقومه يدعوهم إلى الإيمان به ويطلب إليهم إطلاق الشعب الإسرائيلى، وترك تعذيبه والعسف به، زاد فرعون فى تعذيبهم وسامهم الخسف، وشدّد عليهم النكال والتعذيب.
ويؤيد هذا ما جاء في سفر الخروج من التوراة: إن الله تعالى أنبأ موسى بأنه سيجعل قلب فرعون قاسيا على بنى إسرائيل، ويزيد في النكال بهم ولا يرسلهم مع موسى حتى يريه آياته.
فبعد أن دعاه موسى إلى الإيمان زاد ظلما وعتوّا، فأمر الذين كانوا يسخّرون بنى إسرائيل في الأعمال الشاقة أن يزيدوا في القسوة عليهم، وأن يمنعوهم التبن الذي كانوا يعطونهم إياه لعمل اللبن (الطوب) ويكلفوهم أن يجمعوه ويعملوا كل ما يعملونه من اللبن لا يخفف عنهم منه شىء.
فأعطى الله موسى وأخاه هارون الآيات، فحاول فرعون معارضتها بسحر السحرة،

صفحة رقم 115

فلما آمن السحرة بربّ العالمين ربّ موسى وهارون، ورأى من الآيات ما رأى سمح بخروج بنى إسرائيل بل طردهم طردا وفي سفر الخروج أنهم خرجوا في شهر أبيب بعد أن أقاموا بمصر ثلاثين وأربعمائة سنة من عهد يوسف عليه السلام، ثم أتبعهم فرعون وجنوده فغشيهم من اليمّ ما غشيهم وأنجى الله بنى إسرائيل وأغرق فرعون ومن معه.
وقد كان فرق البحر من معجزات موسى عليه السلام كمعجزات سائر الأنبياء التي يظهرها الله تعالى على أيديهم لترشد الناس إلى أن السنن والنواميس الكونية لا تحكم على واضعها ومدبرها، بل هو الحاكم المتصرف فيها، وهى أيضا سنة أخرى فى الكون يخلقها الله متى شاء على يد من يصطفيه من عباده.
وزعم بعض الناس أن عبور بنى إسرائيل البحر كان وقت الجزر، وفي بحر القلزم (البحر الأحمر) رقارق يتيسر للإنسان أن يعبر بها البحر إذا كان الجزر شديدا، وكانوا لاستعحالهم واتصال بعضهم ببعض، قد جعلوا الماء الرقارق فرقين عظيمين ممتدين كالطود العظيم، يرشد إلى ذلك قوله: (وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ) ولم يقل فرقنا لكم البحر.
وقوله: (فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) تشبيه معروف معهود مثله فى مقام المبالغة كقوله: (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ) وقوله: (وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ) ألا ترى أن الأمواج والسفن الجواري لا تكون كشواهق الجبال، لكنه يراد بمثل هذا التعبير زيادة البيان، وإرادة التأثير فى نفس السامع.
ولما أتبعهم فرعون وجنوده ورآهم قد عبروا البحر مشى إثرهم، وكان المد قد بدأ، ولم يتم خروج بنى إسرائيل إلا وقد علا المدّ، وطغى حتى أغرق المصريين جميعا، وتحققت نعمة الله على بنى إسرائيل، وتمّ لهم التوفيق ولعدوهم الخذلان، ونعم الله

صفحة رقم 116

بغير طريق المعجزات أتمّ وأكثر، فليس بلازم أن نجعل الامتنان في كونه معجزة لموسى عليه السلام اهـ.
ومثل هذا التأويل ليس بضائر إذا كان أربابه يثبتون صدور خوارق العادات على يد الأنبياء تأييدا من الله لهم، أما إذا أنكروها فلا حاجة إلى الكلام معهم، إذ لا بد أن نثبت لهم قدرة الله وإرادته، ثم نثبت لهم إمكان الوحى وإرسال الرسل وتأييدهم بالمعجزات.
الإيضاح
(وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ) أي واذكروا من نعمتنا عليكم نعمة فرق البحر بكم وجعلنا لكم فيه طرقا تسلكونها حين هربكم من فرعون.
(فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) أي فأنجيناكم من الغرق وأخرجناكم إلى الشاطئ الآخر، وأغرقنا فرعون ومن معه حين عبروا وراءكم، وأنتم تشاهدون ذلك بأبصاركم ولا تشكّون في حصوله، ولولا ذلك لكان لكم وجه للريبة والشك في وقوعه، والفائدة من قوله: (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) بيان تمام النعمة، فإن هلاك العدوّ نعمة، ومشاهدة هلاكه نعمة أخرى فيها سرور لا يقدر قدره.
(وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ) أي واذكروا نعمة أخرى كفرتم بها وظلمتم أنفسكم، ذاك أنهم بعد أن اجتازوا البحر سألوا موسى أن يأتيهم بكتاب من ربهم، فواعده ربه أن يعطيه التوراة وضرب له ميقاتا لذلك، يقولون إنه ذو القعدة وعشر ذى الحجة، فاستبطئوه واتخذوا عجلا من ذهب، له خوار فعبدوه وظلموا أنفسهم بإشراكهم ووضعهم للشىء في غير موضعه بعبادة العجل بدل عبادة خالقهم وخالقه.
وفي ذكر هذا تعجيب من حالهم، فإن مواعدة الله موسى بإنزال التوراة إليه نعمة وفضيلة لبنى إسرائيل قابلوها بأقبح أنواع الكفر والجهل.

صفحة رقم 117
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية