آيات من القرآن الكريم

قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ

جواب لقوله: «مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ» ففى قوله: «فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ» الجزم والنصب على ما فسرت لك، وليس في قوله: «فَتَطْرُدَهُمْ» إلا النصب، لأن الفاء فيها مردودة على محلٍّ وهو قوله: «مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ» و «عَلَيْكَ» لا تشاكل الفعل، فإذا كان ما قبل الفاء اسما لا فعل فيه، أو محلا مثل قوله: «عندك وعليك وخلفك»، أو كان فعلا ماضيا مثل: «قام وقعد» لم يكن في الجواب بالفاء إلا النصب. وجاز في قوله:
فَيُذْرِكَ مِنْ أُخْرى الْقَطَاةِ فَتَزْلِقُ لان الذي قبل الفاء يفعل والذي بعدها يفعل، وهذا مشاكل بعضه لبعض لأنه فعل مستقبل فيصلح أن يقع على أخره ما يقع على أوله، وعلى أوله ما يقع على أخره لأنه فعل مستقبل «١».
وقوله: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ... (٣٧)
ف آدَمُ مرفوع والكلمات في موضع نصب. وقد قرأ بعض القراء: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فجعل الفعل للكلمات، والمعنى- والله أعلم- واحد لأن ما لقيك فقد لقينه، وما نالك فقد نلته. وفي قراءتنا: «لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ» «٢» وفي حرف عبد الله: «لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمون».
وقوله: اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ [الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ «٣» ]... (٤٠)
المعنى لا تنسوا نعمتي، لتكن منكم على ذُكْر، وكذلك كل ما جاء من ذكر النعمة فإن معناه- والله أعلم- على هذا: فاحفظوا ولا تَنْسَوْا. وفي حرف عبد الله:

(١) «لأنه فعل مستقبل» ساقط من ج، ش. [.....]
(٢) آية ١٢٤ سورة البقرة.
(٣) زيادة فى أ.

صفحة رقم 28

«ادَّكروا» «١». وفي موضع آخر: «٢» :«وَتَذَكروا ما فيه». ومثله في الكلام أن تقول: اذكُرْ مَكاني مِنْ أبيك».
وأما نصب الياء من «نِعْمَتِيَ» فإن كل ياء كانت من المتكلم ففيها لغتان:
الإرسالُ والسكون، والفتح، فإذا لَقيتها ألفٌ ولام، اختارت العربُ اللغة التي حركت فيها الياء وكرِهوا الأخرى لأن اللام ساكنة فتسقط الياء عندها لسكونها، فاستقبحوا أن يقولوا: نعمتي «٣» الّتي، فتكون كأنها مخفوضة على غير إضافة، فأخذوا بأوثق الوجهين وأبينهما. وقد يجوز إسكانها عند الألف واللام وقد قال اللَّه:
«يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ» «٤» فقرئت بإرسال الياء ونصبها، وكذلك ما كان فِي القرآن مما فِيهِ ياء ثابتة ففيه الوجهان، وما لم تكن فيه الياء لم تنصب.
وأمَّا قوله: «فَبَشِّرْ عِبادِ. الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ» «٥». فإن هذه بغير ياء، فلا تنصب ياؤها وهي محذوفة وعلى هذا يقاس كل ما فِي القرآن منه. وقوله: «فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ» «٦» زعم الكسائي أن العرب تستحب نصب الياء عند كل ألف مهموزة سوى الألف واللام، مثل قوله: «إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ» «٧» و «إِنِّي أَخافُ اللَّهَ» «٨». ولم أر ذلك عند العرب رايتهم يرسلون الياء فيقولون: عندي أبوك، ولا يقولون: عندي أَبُوك بتحريك الياء إلا أن يتركوا الهمز فيجعلوا الفتحة فِي الياء فِي هذا ومثله. وأما قولهم: لِيَ ألفان، وَبِي أخواك كفيلان،

(١) ذكر هذه القراءة البيضاوي ولم ينسبها. ونسبها ابن خالويه إلى يحيى بن وثاب.
(٢) «فى موضع آخر» : ساقط من ج، ش، وهو يشير إلى قراءة ابن مسعود فى آية ٦٣ سورة البقرة: «واذكروا ما فيه لعلكم تتقون».
(٣) رسم فى أ: «نعمت» تحقيقا لحذف الياء فى اللفظ.
(٤) آية ٥٣ سورة الزمر.
(٥) آية ١٧، ١٨ سورة الزمر.
(٦) آية ٣٦ سورة النمل.
(٧) آية ٧٢ سورة يونس.
(٨) آية ٤٨ سورة الأنفال، وآية ١٦ سورة الحشر. وفتح الياء قراءة نافع.

صفحة رقم 29

فإنهم ينصبون فِي هذين لقلتهما «١»، [فيقولون: بي أخواك، ولي ألفان، لقلتهما «٢» ] والقياس فيهما وفيما قبلهما واحد.
وقوله: وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا... (٤١)
وكل ما كان فِي القرآن من هذا قد نُصِبَ فِيهِ الثَّمَنُ وأدخلت الباء فِي المبيع أو المشترى، فإن ذلك أكثر ما يأتي فِي الشيئين لا يكونان ثَمَنًا معلوما مثل الدنانير والدراهم فمن ذلك: اشتريتُ ثوبا بكساء أيَّهما شئتَ تجعله ثَمَنًا لصاحبه لأنه ليس من الأثمان، وما كان ليس من الأثمان مثل الرقيق والدور وجميع العروض فهو على هذا. فإن جئت إلى الدراهم والدنانير وضعت الباء فى الثّمن، كما قال فى سورة يوسف: «وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ» «٣» لأن الدراهم ثمنٌ أبدا، والباء إنما تدخل فِي الأثمان، فذلك قوله: «اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا» «٤»، «اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ» «٥»، [اشتروا الضلالة بالهدى «٦» ] «وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ» «٧»، فأدخل الباء فِي أي هذين شئت حَتَّى تصير إلى الدنانير والدراهم فإنك تُدخل الباء فيهن مع العُروض، فإذا اشتريت أحدهما [يعني الدنانير والدراهم] «٨» بصاحبه أدخلت الباء فِي أيهما شئت لأن كل واحد منهما فِي هذا الموضع بيعٌ «٩» وثمنٌ، فإن أحببت أن تعرف فرق ما بين العُروض وبين الدراهم، فإنك تعلم أن من اشترى عَبْدا بألف درهم معلومة، ثُمَّ وجد به عيبا فرده لم يكن له على البائع «١٠» أن يأخذ ألفه بعينه، ولكن ألفا. ولو اشترى عَبْدا بجارية ثُمَّ وجد به عيبا لم يرجع بجارية أخرى مثلها، فذلك دليل على أن العُروض ليست بأثمان.

(١) أي لقلة (لى) و (بي) فكلاهما حرفان، فلو سكنت الياء خفيت فتبدو الكلمتان كأنهما حرف واحد.
(٢) ما بين المربعين ساقط من أ.
(٣) آية ٢٠ من السورة المذكورة.
(٤) آية ٩ سورة التوبة. [.....]
(٥) الآية ٨٦ من البقرة.
(٦) زيادة خلت منها الأصول.
(٧) الآية ١٧٥ من البقرة.
(٨) ساقط من أ.
(٩) يراد بالبيع المبيع.
(١٠) فى الأصول «المشترى» والتصويب وجد بهامش نسخة (أ).

صفحة رقم 30

وقوله: وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ «١» (٣٦) فإنه خاطب آدم وامرأته، ويقال أيضا: آدم وإبليس، وقال: «اهْبِطُوا» يعنيه ويعني ذريته، فكأنه خاطبهم. وهو كقوله: «فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ» «٢». المعنى- والله أعلم- أَتَيْنا بما فينا من الخلق طائعين. ومثله قول إِبْرَاهِيم: «رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ». ثم قال:
«وَأَرِنا مَناسِكَنا» «٣» وفي قراءة عَبْد اللَّه «وأرهم مناسكهم» فجمع قبل أن تكون ذريته. فهذا ومثله فِي الكلام مما تتبين به المعنى أن تقول للرجل: قد تزوّجت وولد لك فكثرتم وعززتم.
وقوله: وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً... (٤٨)
فإنه قد يعود على اليوم والليلة ذِكْرُهما مرة بالهاء وحدها ومرة بالصفة فيجوز ذلك «٤» كقولك: لا تجزى نفس عن نفس شيئًا وتضمر الصفة، ثم

(١) يلاحظ أن هذه الآية ليست فى موضعها من الترتيب والأصول كلها على هذا الوضع.
(٢) آية ١١ سورة فصلت.
(٣) آية ١٢٨ سورة البقرة.
(٤) مراده بالصفة حرف الجر كما هو اصطلاح الكوفيين، وهو هنا (فى) المتصل بالضمير العائد على اليوم (فيه) فحذف الجار والمجرور لأن الظروف يتسع فيها ما لا يتسع فى غيرها. والحذف هنا فيه خلاف بين النحويين، قال البصريون: التقدير «واتقوا يوما لا تجزى فِيهِ نفس عن نفس شيئا» ثم حذف فيه كما قال:
ويوما شهدناه سليما وعامرا قليلا سوى طعن النهال نوافله
أي شهدنا فيه.
وقال الكسائي: هذا خطأ لا يجوز (فيه) والتقدير «واتقوا يوما لا تجزيه نفس»، ثم حذف الضمير المنصوب، وإنما يجوز حذف الهاء لأن الظروف عنده لا يجوز حذفها، قال: لا يجوز هذا رجل قصدت، ولا رأيت رجلا أرغب، وأنت تريد قصدت إليه وأرغب فيه. قال: ولو جاز ذلك لجاز (الذي تكلمت زيد) بمعنى تكلمت فيه.
وقال الفراء: يجوز حذف (الهاء) و (فيه)، وحكى جواز الوجهين عن سيبويه والأخفش والزجاج.

صفحة رقم 31

تظهرها فتقول: لا تجزى فِيهِ نفس عن نفس شيئا. وكان الكسائي لا يجيز إضمار الصفة فِي الصلات ويقول: لو أجزت إضمار الصفة هاهنا لأجزت: أنت الَّذِي تكلمتُ وأنا أريد الَّذِي تكلمتُ فِيهِ. وقال غيره من أهل البصرة: لا نجيز الهاء ولا تكون، وإنما يضمر فِي مثل هذا الموضع الصفة. وقد أنشدني بعض العرب:
يا رُبَّ يَوْم لو تَنَزّاهُ «١» حول... أَلْفَيْتَني ذا عنزٍ وذا طول
وأنشدني آخر:
قد صَبَّحت «٢» صبَّحها السلامُ... بِكَبِدٍ خالَطها سَنامُ
فِي ساعة يُحَبُّها الطعامُ ولم يقل يُحَبّ فيها. وليس يدخل على الكسائي ما أدخل على نفسه لأن الصفة فِي هذا الموضع والهاء متفق معناهما، ألا ترى أنك تقول: آتيك يوم الخميس، وفي يوم الخميس، فترى المعنى واحدا، وإذا قلت: كلمتُك كان غير كلّمتُ فيك، فلما اختلف المعنى لم يجز إضمار الهاء مكان «فِي» ولا إضمار «فِي» مكان الهاء.
وقوله: وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ... «٣» (٤١)
فوحد الكافر وقبله جمعٌ وذلك من كلام العرب فصيحٌ جيدٌ فِي الاسم إذا كان مشتقًّا من فِعْل، مثل الفاعل والمفعول يرادُ به ولا تكونوا أول من يكفر فتحذف «من» ويقوم الفعل مقامها فيؤدي الفعلُ عن مثل

(١) فى ج، ش: «تذراه» ولم نعثر على هذا البيت فيما لدينا من مراجع.
(٢) صبحت أنت بالتصبيح يريد به الغداء مجازا، من قولهم: صبح القوم وصبحهم سقاهم الصبوح، وهو ما يشرب صباحا من لبن أو خمر.
(٣) هذه الآية ليست على الترتيب وكذا ما بعدها.

صفحة رقم 32

ما أدّت «من» عَنْهُ من التأنيث والجمع وهو فِي لفظ توحيدٍ. ولا يجوز فِي مثله من الكلام أن تقول: أنتم أفضلُ رجلٍ، ولا أنتما خير رَجُل لأن الرجل يثنى ويجُمع ويُفرد [فُيعَرف «١» ] واحدُه من جمعه، والقائم قد يكون لشيء ولمن فيؤدي عَنْهُمَا وهو موحَّد ألا ترى أنك قد تقول: الجيْشُ مقبلٌ والجُنْد منهزمٌ، فتوحِّد الفعل لتوحيده، فإذا صرت إلى الأسماء قلت: الجيش رجالٌ والجند رجالٌ ففي هذا تبيان «٢» وقد قال الشاعر:

وإذا هُمُ طَعِمُوا فَأَلامُ طاعِمٍ وإذا هُمُ جاعُوا فشَرُّ جِيَاعِ «٣»
فجمعه وتوحيده جائز حسنٌ.
وقوله: وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤٢) إن شئت جعلت «وَتَكْتُمُوا» فِي موضع جزم تريد به: ولا تلبسوا الحق بالباطل ولا تكتموا الحق، فتُلقي «لا» لمجيئها فِي أول الكلام. وفي قراءة أَبي:
«ولا تكونوا أوّل كافر به وتشتروا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلا» فهذا دليلٌ على أن الجزم فى قوله: «وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ» مستقيم صوابٌ، ومثله: «وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ» «٤» وكذلك قوله: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ» «٥» وإن شئت جعلت هذه الأحرُفَ المعطوفة بالواو نصبًا على ما يقولُ النحويّون من الصَّرْف فإن قلت: وما الصّرف؟
(١) ساقط من أ. [.....]
(٢) راجع تفسير الطبري ج ١ ص ١٩٩ طبع بولاق فى هذا البيان فعبارته أوضح.
(٣) من ثلاثة أبيات فى نوادر أبى زيد ١٥٢، نسبها إلى رجل جاهلىّ.
(٤) آية ١٨٨ سورة البقرة.
(٥) آية ٢٧ سورة الأنفال.

صفحة رقم 33

قلت: أن تأتي بالواو «١» معطوفةً على كلامٍ فى أوّله حادثة لا تستقيم إعادتُها على ما عُطِف عليها، فإذا كان كذلك فهو الصَّرْفُ «٢» كقول الشاعر «٣» :

لا تَنْهَ عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فَعلتَ عظِيمُ
ألا ترى أنه لا يجوز إعادة «لا» فِي «تأتي مثله» فلذلك سُمّي صَرْفًا إذْ كان «٤» مَعطوفًا ولم يستقم أن يُعاد فِيهِ الحادث الَّذِي قبله. ومثله من الأسماء التي نصبتها العربُ وهي معطوفة على مرفوع قولهم: لو تُركت والأسد لأكلك، ولو خُلِّيت ورأيَك لَضَلَلْتَ: لمَّا لم يحسن فِي الثاني أن تقول: لو تُركت وتُرك رأيُك لضللت تهبّيوا أن يعطِفوا حرفًا لا يستَقيمُ فِيهِ ما حَدَثَ فِي الَّذِي قبله. قال «٥» : فإنّ العرب تجيزُ الرفع لو تُرك عَبْد الله والأسد لأكله، فهل «٦» يجوز فِي الأفاعيل «٧» الّتي نصبت بالواو على الصرف أن تكون مردودة على ما قبلها وفيها معنى الصرف؟ قلت: نعم العرب تقول: لستُ لابي إِنْ لم أقتلك أو تذهب نفسي، ويقولون: والله لاضربنك أو تسبقني فِي الأرض، فهذا مردودٌ على أول الكلام، ومعناه الصرف لأنه لا يجوز على الثاني إعادة الجزم بِلَمْ، ولا إعادة اليمين على والله لتسبقني، فتجد ذلك إذا امتحنت الكلام. والصرف فِي غير «لا» كثير إلا أنا أخّرنا ذكره حتى تأتى مواضعه.
(١) فى ش، ج: «الواو».
(٢) يسمى الكوفيون هذه الواو (واو الصرف) إرشاد بصرفه عن سنن الكلام إلى أنها غير عاطفة، وشرط هذه الواو أن يتقدمها نفى أو طلب.
(٣) نسبه سيبويه فى كتابه ١/ ٤٢٤ (باب الواو) للأخطل. ويروى لأبى الأسود الدؤلي فى قصيدة طويلة.
(٤) فى أ: «كان به».
(٥) كأن الأصل: «قال قائل».
(٦) فى ش، ج: «وهل».
(٧) الأفاعيل جمع أفعال جمع فعل، عبر به إشارة إلى كثرة الوارد منه.

صفحة رقم 34

وقوله: وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها... «١» (٧٢)
وقوله: «وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» «وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ» «٢» يقول القائل: وأين جواب «إِذْ» وعلام عُطِفت؟ ومثلها «٣» فى القرآن كثير بالواو ولا جواب معها ظاهر؟ والمعنى- والله أعلم- على إضمار «وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ» أو «إذ كنتم» فاجتزئ بقوله: «اذْكُرُوا» فِي أول الكلام، ثُمَّ جاءت «إِذْ» بالواو مردودةً على ذلك. ومثله من غير «إِذْ» قول اللَّه: «وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً» «٤» وليس قبله شيءٌ تراه ناصبًا لصالح فعُلم بذكر النَّبِيّ صلى اللَّه عليه وسلم والمُرسَل إليه أن فِيهِ إضمار أرسلنا، ومثله قوله: «وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ» «٥» «وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً» «٦» «وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ» «٧» يجرى هذا على مثل ما قال فِي «ص» :«وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ» «٨» ثُمَّ ذكر الأنبياء الذين من بعدهم بغير «وَاذْكُرْ» لأن معناهم مُتّفق معروفٌ، فجاز ذلك. ويستدل على أن «واذكروا» مضمرة مع «إِذْ» أنه قال:
«وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ» «٩» «وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ» «١٠» فلو لم تكن هاهنا «وَاذْكُرُوا» لاستدْلَلت على أنها تُراد لانّها قد ذُكرت قبلَ ذلك. ولا يجوزُ مثلُ ذلك فِي الكلام بسقوط الواو إلا أن يكون معه جوابه متقدمًا أو متأخِّرا كقولك: ذكرتُك إذ احتجت إليك «١١» أو إذ احتجت ذكرتك.

(١) كذا فى الأصل، ويلاحظ أن هذه الآية على غير ترتيب.
(٢) آية ٥٠ سورة البقرة.
(٣) فى ش، ج «منها». [.....]
(٤) آية ٧٣ سورة الأعراف.
(٥) آية ٧٦ سورة الأنبياء.
(٦) آية ٨٧ من سورة الأنبياء.
(٧) آية ١٦ سورة العنكبوت.
(٨) آية ٤٥ من السورة المذكورة.
(٩) آية ٢٦ سورة الأنفال.
(١٠) آية ٨٦ سورة الأعراف.
(١١) «إليك أو إذ احتجت» : ساقط من ج، ش.

صفحة رقم 35
معاني القرآن للفراء
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي الفراء
تحقيق
أحمد يوسف نجاتي
الناشر
دار المصرية للتأليف والترجمة - مصر
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
ألفاظ القرآن
اللغة
العربية