نفقتهم فلهم أجرهم وهكذا كلام العرب إذا قلت: السارق فاقطعه فمعناه من أجل سرقته فاقطعه ومعنى «بالليل والنهار» في الليل والنهار.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٧٥]
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧٥)
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا رفع بالابتداء، والخبر: لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ. فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ لأنه تأنيث غير حقيقي أي فمن جاءه وعظ كما قال: [الكامل] ٦٣-
إنّ السّماحة والمروءة ضمّنا «١»
وقرأ الحسن فمن جاءته موعظة.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٧٦]
يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (٢٧٦)
يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا الأصل في الربا الواو. قال سيبويه «٢» : تثنيته ربوان. قال الكوفيون: تكتبه بالياء وتثنيته (تثنّيه) بالياء وقال أبو جعفر: سمعت أبا إسحاق يقول: ما رأيت خطأ أقبح من هذا ولا أشنع لا يكفيهم الخطأ في الخط حتى يخطئون في التثنية وهم يقرءون وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ [الروم: ٣٩] وقال محمد بن يزيد: كتب الربا في المصحف بالواو فرقا بينه وبين الزنا وكان الربا أولى بالواو لأنه من ربا يربو.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٧٩]
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (٢٧٩)
فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ حكى أبو عبيد عن الأصمعي «فأذنوا» فكونوا على أذن من ذلك أي على علم. قال أبو جعفر: وهذا قول وجيز حسن حكى أهل اللغة أنه يقال:
أذنت به أذنا إذا علمت به ومعنى فآذنوا على قراءة الأعمش، وحمزة وعاصم على حذف المفعول.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٨٠]
وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٨٠)
وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ «كان» بمعنى وقع. وأنشد سيبويه: [الطويل] ٦٤-
فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي | إذا كان يوم ذو كواكب أشهب «٣» |
(٢) انظر الكتاب ٣/ ٤٢٨.
(٣) الشاهد لمقاس العائذي في الأزهيّة ص ١٨٦، وشرح أبيات الكتاب ١/ ٢٥٢، وشرح المفصّل ٧/ ٩٨، والكتاب ١/ ٨٥، ولسان العرب (كون)، وبلا نسبة في أسرار العربية ١٣٥، ولسان العرب (شهب) و (ظلم)، والمقتضب ٤/ ٩٦.
فهذا أحسن ما قيل فيه لأنه يكون عاما لجميع الناس ويجوز أن يكون خبر كان محذوفا أي وإن كان ذو عسرة في الدين. وقال حجاج الوراق في مصحف عبد الله وإن كان ذا عسرة «١». قال أبو جعفر: والتقدير: وإن كان المعامل ذا عسرة. فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ أي فالذي تعاملون به نظرة وقرأ الحسن وأبو رجاء فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ «٢» حذف الكسرة لثقلها وقرأ مجاهد وعطاء فناظره على الأمر إِلى مَيْسَرَةٍ «٣» بضم السين وكسر الراء وإثبات الهاء في الإدراج. وقال أبو إسحاق «٤» : وقرئ (فناظرة إلى ميسرة) «٥» وقرأ أهل المدينة (إلى ميسرة) «٦» ويجوز (فنظرة إلى ميسرة) بالنصب على المصدر. قال أبو حاتم: ولا يجوز «فناظرة» إنما ذلك في «النمل» فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ [النمل: ٣٥] لأنها امرأة تكلّمت بهذا لنفسها من نظرت تنظر فهي ناظرة فأمّا «فنظرة» في البقرة فمن التأخير من ذلك: أنظرتك بالدّين أي أخّرتك به وقالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الحجر: ٣٦] وأجاز ذلك أبو إسحاق وقال: هي من أسماء المصادر مثل لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ [الواقعة: ٢] وأَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ [القيامة: ٢٥] قال أبو جعفر «ميسرة» أفصح اللغات وهي لغة أهل نجد و «ميسرة» وإن كانت لغة أهل الحجاز فهي من الشواذ لا يوجد في كلام العرب مفعلة إلّا حروف معدودة شاذة ليس فيها شيء إلا يقال فيه مفعلة وأيضا فإن الهاء زائدة، وليس في كلام العرب مفعل البتّة وقراءة من قرأ إِلى مَيْسَرَةٍ «٧» لحن لا يجوز. قال الأخفش سعيد: ولو قرءوا إلى ميسره لكان أشبه والذي قال الأخفش حسن يقال: جلست مجلسا ومفعل كثير. قال الأخفش: ويجوز إلى موسرة مثل مدخلة. وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ ابتداء وخبر وفي قراءة عبد الله وأن تتصدّقوا وقرأ عيسى وطلحة وأن تصدقوا مخفّفا تتصدّقوا على الأصل وتصدّقوا تدغم التاء في الصاد لقربها منها ولا يجوز هذا في تتفكرون لبعد التاء من الفاء ومن خفّف حذف التاء للدلالة ولئلا يجمع بين ساكنين وتاءين.
(٢) هذه لغة تميم، انظر البحر المحيط ٢/ ٣٥٤.
(٣) انظر المحتسب ١/ ١٤٣.
(٤) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج ٣١٦.
(٥) انظر البحر المحيط ٢/ ٣٥٤.
(٦) انظر تيسير الداني ٧١، والبحر المحيط ٢/ ٣٥٤.
(٧) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج ٣١٦، والبحر المحيط ٢/ ٣٥٥، وهي قراءة عطاء ومجاهد.