
وأعلم بأني خليلك مستجاب الدعوة، والمطلوب من السؤال أن يصير العلم بالاستدلال ضروريا قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ أشتاتا: وزا، وديكا، وطاوسا، ورألا (وهو فرخ النعام) - كما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس من طريق الضحاك- أو طاوسا وديكا وحمامة وغرنوقا (وهو الكركي) - كما أخرجه عنه من طريق حنش- فَصُرْهُنَّ.
قرأه حمزة بكسر الصاد. والباقون بضمها وتخفيف الراء أي قطعن وأملهن إِلَيْكَ فقطع إبراهيم أعضاءها ولحومها وريشها ودماءها وخلط بعضها ببعض ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً أي ثم ضع على كل جبل من أربعة أجبل منهن جزءهن أي على حسب الطيور الأربعة، وعلى حسب الجهات الأربعة أيضا، ثُمَّ ادْعُهُنَّ بأسمائهن أي قل لهن: تعالين يا وز، ويا ديك ويا طاوس، ويا رأل بإذن الله تعالى يَأْتِينَكَ سَعْياً أي مشيا سريعا ولم تأت طائرة ليتحقق أن أرجلها سليمة في هذه الحالة وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ أي غالب على جميع الممكنات حَكِيمٌ (٢٦٠) أي عليم بعواقب الأمور وغايات الأشياء.
روي أنه صلّى الله عليه وسلّم أمر بذبحها ونتف ريشها، وتقطيعها جزءا جزءا، وخلط دمائها ولحومها. وأن يمسك رؤوسها بيده، ثم أمر بأن يجعل أجزاءها على الجبال، على كل جبل ربعا من كل طائر، ثم يصيح بها: تعالين بإذن الله تعالى، ثم أخذ كل جزء يطير إلى الآخر حتى تكاملت الجثث، ثم أقبلت كل جثة إلى رأسها سعيا على أرجلها، وانضم كل رأس إلى جثته وصار الكل أحياء بإذن الله تعالى.
مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ أي صفة صدقات الذين ينفقون أموالهم في دين الله كصفة حبة أخرجت سبع سنابل. أو المعنى مثل الذين ينفقون أموالهم في وجوه الخيرات من الواجب والنفل كمثل زارع حبة أخرجت ساقا تشعب منه سبع شعب، في كل واحدة منها سنبلة فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ كما يشاهد ذلك في الذرة والدخن بل فيهما أكثر من ذلك وَاللَّهُ يُضاعِفُ فوق ذلك لِمَنْ يَشاءُ على حسب المنفق من إخلاصه وتعبه. ولذلك تفاوتت مراتب الأعمال في مقادير الثواب. وَاللَّهُ واسِعٌ أي لا يضيق عليه ما يتفضل به من التضعيف عَلِيمٌ (٢٦١) بنية المنفق وبمن يستحق المضاعفة. الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً والمن: هو الاعتداد بالنعمة واستعظامها على المنفق عليه. والأذى: بأن يؤذى المنفق عليه بالقول أو العبوس في وجهه أو الدعاء عليه. وقيل:
المراد هو المن على الله وهو العجب، والأذى لصاحب النفقة. لَهُمْ أَجْرُهُمْ أي ثواب إنفاقهم عِنْدَ رَبِّهِمْ في الجنة وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ أي فلا يخافون فقد أجورهم ولا يخافون
العذاب ألبتة وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٦٢) على ما خلفوا من خلفهم
نزلت هذه الآية في حق عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف. أما عثمان فجهز جيش العسرة في غزوة تبوك بألف بعير بأقتابها وألف

دينار، فرفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يديه يقول: «يا رب عثمان رضيت عنه فارض عنه» «١». وأما عبد الرحمن بن عوف فإنه تصدق بنصف ماله أربعة آلاف دينار وقال: كان عندي ثمانية آلاف فأمسكت لنفسي وعيالي أربعة آلاف، وأخرجت أربعة آلاف لربي عز وجل فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت»
«٢». والمعنى الذين يعينون المجاهدين في سبيل الله بالإنفاق عليهم في حوائجهم ومؤنتهم ولم يخطر ببالهم شيء من المن والأذى قَوْلٌ مَعْرُوفٌ أي كلام جميل يرد به السائل من غير إعطاء شيء وَمَغْفِرَةٌ من المسؤول عن بذاءة لسان الفقير خَيْرٌ للسائل مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً لكونها مشوبة بضرر التعيير له بالسؤال وَاللَّهُ غَنِيٌّ عن صدقة العبادة، فإنما أمركم بالصدقة لينبئكم عليها. حَلِيمٌ (٢٦٣) إذ لم يعجل بالعقوبة على من يمن ويؤذي بصدقته يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ أي أجر صدقاتكم بِالْمَنِّ وَالْأَذى.
قال ابن عباس: أي بالمن على الله معناه العجب بسبب صدقتكم، وبالأذى للسائل.
وقال الباقون: بالمن على الفقير وبالأذى للفقير كَالَّذِي أي كإبطال أجر نفقة الذي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ أي سمعة الناس ولطلب المدحة والشهرة وَكالذي وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وهو المنافق. فإن المنافق والمرائي يأتيان بالصدقة لا لوجه الله تعالى، ومن يقرن الصدقة بالمن والأذى فقد أتى بتلك الصدقة لا لوجه الله أيضا. إذ لو كان غرضه من تلك الصدقة مرضاة الله تعالى لما منّ على الفقير ولا آذاه. فالمقصود من الإبطال، الإتيان بالإنفاق باطلا، لأن المقصود الإتيان به صحيحا، ثم إحباطه بسبب المن والأذى والأوجه كما قال بعضهم: إذا فعل ذلك فله أجر الصدقة ولكن ذهبت مضاعفته وعليه الوزر بالمن فَمَثَلُهُ أي فحالة المرائي في الإنفاق كَمَثَلِ صَفْوانٍ. وقيل: الضمير عائد على المنافق، فيكون المعنى إن الله تعالى شبّه المانّ والمؤذي بالمنافق، ثم شبه المنافق بالحجر الكبير الأملس عَلَيْهِ تُرابٌ أي شي من التراب فَأَصابَهُ وابِلٌ أي مطر شديد فَتَرَكَهُ صَلْداً أي فجعل المطر ذلك الحجر أملس نقيا من التراب لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا أي لا يقدرون على ثواب شيء في الآخرة مما أنفقوا في الدنيا رثاء، أو المعنى لا يجد المان والمؤذي ثواب صدقته، كما لا يوجد على الصفوان التراب بعد ما أصابه المطر الشديد وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٢٦٤) إلى الخير والرشاد. وفي هذه الآية تعريض بأن كلا من الرياء والمن والأذى- على الإنفاق- من خصائص الكفار فلا بدّ للمؤمنين أن يجتنبوها. وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ أي مثل أموال الذين ينفقون أموالهم طلب رضاء الله تعالى ويقينا
(٢) رواه ابن حجر في فتح الباري (٨: ٣٣٢). [.....]

من قلوبهم بالثواب من الله تعالى، وتصديقا بوعده يعلمون أن ما أنفقوا خير لهم مما تركوا كمثل بستان في مكان مرتفع مستو أصابه مطر شديد كثير فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ أي فأخرجت ثمرها مضاعفا مثلي ما يثمر غيرها- بسبب الوابل- فتحمل من الريع في سنة ما يحمل غيرها في سنتين فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ أي رش مثل الرذاذ يكفيها لجودتها ولطافة هوائها. والمعنى أن نفقات هؤلاء زاكية عند الله تعالى لا تضيع بحال وإن كانت تتفاوت باعتبار ما يقارنها من الأحوال. وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عملا ظاهرا أو قلبيا بَصِيرٌ (٢٦٥) لا يخفى عليه شيء منه أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أي أيحب حبا شديدا أو يتمنى أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ أي بستان مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا أي تطرد الْأَنْهارُ من تحت شجر تلك الجنة ومساكنها. لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ أي لذلك الأحد- حال كونه في الجنة- رزق من كل الثمرات وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ أي وقد أصابه كبر السن فلا يقدر على الكسب. والحال أن له أولادا صغارا لا يقدرون على الكسب فَأَصابَها أي الجنة إِعْصارٌ أي ريح ترتفع إلى السماء كأنها عمود فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ أي تلك الجنة. والمقصود من هذا المثل بيان أنه يحصل في قلب هذا الإنسان من الغم والحسرة والحيرة ما لا يعلمه إلا الله، فكذلك من أتى بالأعمال الحسنة. إلا أنه لا يقصد بها وجه الله بل يقرن بها أمورا تخرجها عن كونها موجبة للثواب. فحين يقدم يوم القيامة وهو حينئذ في غاية الحاجة ونهاية العجز عن الاكتساب عظمت حسرته وتناهت حيرته. كَذلِكَ أي مثل هذا البيان في أمر النفقة المقبولة وغيرها يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ أي الدلائل في سائر أمور الدين لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢٦٦) أي لكي تتفكروا في أمثال القرآن يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ أي زكوا من جياد ما جمعتم من الذهب والفضة وعروض التجارة والمواشي وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ من الحبوب والثمار والمعادن. وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ أي ولا تقصدوا الرديء من أموالكم مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ فقوله «منه» استفهام على سبيل الإنكار، وهو متعلق بالفعل بعده. والمعنى أمن الخبيث تنفقون في الزكاة والحال أنكم لستم قابلي الخبيث إذا كان لكم حق على صاحبكم؟ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ أي إلا بأن تساهلوا في الخبيث وتتركوا بعض حقكم كذلك لا يقبل الله الرديء منكم وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عن إنفاقكم، وإنما يأمركم به لمنفعتكم. حَمِيدٌ (٢٦٧) أي مستحق للحمد على نعمه العظام. وقيل: حامد بقبول الجيد وبالإثابة عليه. الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ أي إبليس يخوفكم بالفقر عند الصدقة ويقول لكم: أمسكوا أموالكم فإنكم إذا تصدقتم صرتم فقراء. أو المعنى النفس الأمارة بالسوء توسوس لكم بالفقر. وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ أي بالبخل ومنع الزكاة والصدقة وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ يسبب الإنفاق مَغْفِرَةً مِنْهُ عز وجل وَفَضْلًا أي خلفا في الدنيا وثوابا في الآخرة وَاللَّهُ واسِعٌ بالمغفرة للذنوب وبإغنائكم وإخلاف ما تنفقونه عَلِيمٌ (٢٦٨) بنياتكم وصدقاتكم
صفحة رقم 99