
متشابها ليأنسوا به ويقدموا على أكله لأن النفس للمألوف أميل، وفي الجنة حور مقصورات في الخيام، لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان، طاهرات مطهرات من كل دنس ورجس كالحيض والنفاس وشرور النفس والهوى، وهم في الجنة خالدون، ولا حرج على فضل الله، فهذا الكريم القادر أعده لعباده الصالحين، فتبارك الله أحسن الخالقين.
واعلم يا أخى أن نعيم الجنة غير محدود، وما أعد فيها فشيء تقصر العبارة عن وصفه، وإذا أراد بيان الحقيقة المادية عبر عنها بقوله: فِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ.
الأمثال في القرآن وموقف الناس منها [سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٦ الى ٢٧]
إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ (٢٦) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٢٧)
المفردات:
لا يَسْتَحْيِي الاستحياء: تغير وانكسار يعترى الإنسان من خوف ما يعاب عليه فيؤدى إلى ترك الفعل، والمراد هنا أنه- سبحانه- لا يترك ضرب المثل.

مَثَلًا يطلق على المثل ومنه التمثيل، وعلى القول السائر، وعلى النعت والصفة التي بلغت مبلغ المثل في الغرابة والشيوع، البعوضة: الناموسة (ينقضون) النقض:
الفسخ وفك الترتيب، وأصل الاستعمال في الحبل، ثم استعمل في العهد لأنه يشبهه.
ميثاق ميثاق العهد: توكيده، المراد العهد المؤكد، وهو ما أوصاهم به في الكتب السابقة من الإيمان بمحمد إذا ظهر.
سبب النزول:
روى أنه لما ضرب الله الأمثال بالذباب والعنكبوت ضحكوا وقالوا: ما يشبه هذا كلام الله
وفي رواية أنهم قالوا: ما يستحيى رب محمد أن يضرب مثلا بالذبابة والعنكبوت، فنزل قوله- تعالى-: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي مشاكلة لقولهم.
المعنى:
أن الله- سبحانه- لا يترك ضرب الأمثال بالبعوض أو أخس منه، فالمثل جعل لكشف المعنى وتوضيحه بما هو معروف مشاهد لا سبيل إلى إنكاره، فإن كان المضروب له المثل عظيما كالحق والإسلام ضرب مثله بالنور والضياء.
وإن كان ضعيفا حقيرا كالأصنام ضرب مثله بما يشبهه كالذباب والبعوض والعنكبوت، على أنه لا فرق عند الله بين البعوضة والجمل في الخلق والتقدير.
فأما المؤمنون، ففي قلوبهم نور يهديهم إلى التصديق بأن هذا كلام الله، وأما الكفار الجاحدون فهم في حيرة من أمرهم، وقصارى قولهم أن يقولوا متعجبين، ماذا يريد الله بهذا المثل؟ شأن المتخبط الذي لا يدرى. لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا؟ [سورة المدثر آية ٣١].
فأنت معى أن المثل ضل به كثير من الناس، واهتدى به كثير من الناس، ولا يضل به إلا الخارجون عن طاعة الله، الذين ينقضون ما عاهدوا الله عليه من الإيمان بمحمد