آيات من القرآن الكريم

أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ ۖ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ

يظهر عليه من الحجة ما هو أظهر وأعجز له، وآخذ للقلوب.
والثاني: أراد أن يريه أن هذا مما قدر عليه بغيره، إذ الذي لم يجعل له القدرة عليه لم يقدر عليه، ثم لما ثبت عجزه في أحدهما يظهر عجزه في الآخر. واللَّه أعلم.
وقيل: بأن هذا من إبراهيم انتقال من حجة إلى حجة، ليس بانقطاع. وهو جائز.
وقوله: (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ)، قيل: انقطع وتحير.
وقوله تعالى: (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
ذكر الظالم؛ لأن الظلم هو وضع الشيء في غير محله، حيث هذا اللعين المحاج في غير موضعه.
وقوله تعالى: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ (٢٥٩)
قيل: هو نسق قوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ).
وقيل: هو نسق على قوله: (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)؛ لأنه بذلك أنكر البعث.
ثم اختلف في المار على القرية:
قَالَ بَعْضُهُمْ: كافر قال ذلك.
وقال آخرون: لا، ولكن قال ذلك مسلم.
وقال أكثر أهل التأويل: هو عزير.
فإن كان قائل ذلك كافرًا فهو على إنكار البعث والإحياء بعد إماتة. وإن كان مسلمًا فهو على معرفة كيفية الإحياء، ليس على الإنكار، وهو كقول إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -: (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي). وليس لنا إلى معرفة قائله حاجة، إنما الحاجة إلى معرفة ما ذكر في الآية. واللَّه أعلم.
وقوله تعالى: (وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا).
قيل: خالية من سكانها.
وقيل: (خاوية)، ساقطة سقوفها على حيطانها، وحيطانها على سقوفها.

صفحة رقم 246

وقوله تعالى: (قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا).
هو على ما ذكرنا.
وقوله تعالى: (فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ).
أراد - واللَّه أعلم - أن يرى الآية في نفسه، والآية هي آية البعث، ويحتمل أن تكون آية في المتأخرين.
وقوله تعالى: (قَالَ كَمْ لَبِثْتَ).
سأل منه - جل وعلا - الاجتهاد بظاهر الحال الذي ظهر عنده، ليظهر أنه اجتهد بدليل أو بغيره على ما يدركه وسعه؛ فبان أن المجتهد يحل له الاجتهاد بما يدرك في ظاهر الحال، وإن كان حكم ما فيه الاجتهاد بالغيب.
قال الشيخ - رحمه اللَّه -: أراد اللَّه تعالى بقوله: (كَمْ لَبِثْتَ)، التنبيه؛ كقوله لموسى: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى)، ليريه الآية من الوجه الذي هو أقرب إلى الفهم ثم جهة الأعجوبة فيه بوجهين:
مرة بإماتة الحمار، إذ من طبعه الدوام، ومرة بإبقاء طعامه، ومن طبعه التغير والفساد عن سريع. جعل في بقاء طعامه وحفظه من الفساد آية ومن طبعه الفساد، وفي إحياء حماره بعد إماتته وطبعه البقاء؛ ليعلم ما نازعته نفسه في كيفية الإحياء درك ذلك؛ وهو قوله: (قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
ثم قيل في وجهةِ ما أراه بأوجه.
قيل: إنه أحيا عينيه وقلبه، فأدرك بهما كيفية الإحياء في بقية نفسه.
وقيل: أحيا نفسه، فأراه ذلك في حماره.
وقيل: إنه أراه ذلك في ولده؛ لأنه أتى شابًّا، وولده وولد ولده شيوخ. وذلك آية.
قال الشيخ - رحمه اللَّه تعالى - في قوله: (ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ...) الآية: فإن قال قائل: كيف سأله عن لبثه، وقد علم أنه لم يكن علم به؟ وأيد ذلك إخباره بقوله (لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ).
قيل: القول (كَمْ لَبِثْتَ)، يحتمل وجهين؛ وكذلك القول بقوله: (بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ

صفحة رقم 247

عَامٍ).
أحدهما: على قول ألقي إليه ونطق أسمع هو.
والثاني: أن يكون على ما حدثته نفسه بمدة لبثه في حال نومه، فتأمل في ذلك أحوال نومه، وأخبر عما عاين من أحوال الوقت الذي كان فيه مما كان ابتداؤه وقت نومه، فقال بالذي ذكرتم لَمَّا تأمل شأن الحمار، واستخبر عن الأحوال، قالت له نفسه: (بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ)، ثم أمعن نظره في حماره، وما رأى من تغير أحواله، وأبقاه اللَّه تعالى على ما ذكر. وكل ذلك خبر عما حدثته نفسه، هي بعثه، على التفكر في أحواله، والنظر فيما عاين من أمر الحمار، أو كان علم أن ذلك موت فيه، لكنه استقل ذلك بما شهد نفسه بما عاينها على ما كانت عليها. فلما تأمل شأن حماره وعلم أنه رفع إلى آيات عجيبة، فزع إلى اللَّه تعالى، فأنباه اللَّه تعالى بالذي وصف في القرآن. واللَّه أعلم.
ولو كان على القول فإن في السؤال عما يعلم السائل جهل المسئول وجهين:
أحدهما: الامتحان على ما به ظهور أحوال الممتحن من الاجتهاد في تعريف الحقائق بالاستدلال والخضوع له بالاعتراف بقصوره عن الإحاطة به، كفعل الملائكة عند قوله تعالى: (أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ)، بقولهم: (لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا)، والأول كما فعل صاحب هذا أنه قال: (لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ)، ومثله أمر أصحاب الكهف. واللَّه أعلم.
والثاني: أن يراد بالسؤال التقرير عنده؛ ليكون متيقطا لما يراد به من الاطلاع على الآية، كما قال لموسى: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى...) الآية. وهذا فيما كان السؤال في الظاهر خارجًا في الحقيقة مخرج المحنة، نحو ما ذكرنا في أمر الملائكة، وأمر موسى، عليه السلام، فأما السؤال الذي هو في حق السؤال إنما هو في حق الاستخبار، ليعلم ما عليه حقيقة الحال بالسؤال. لكن الذي ذكرت فيما كان سبيله أن يكون من له الامتحان. ولا قوة إلا باللَّه.
وقوله تعالى: (فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ).
قيل: لم يأت عليه السنون، أي: كأنه لم يأت عليه السنون.
وقيل: (لَمْ يَتَسَنَّهْ)، لم يتغير ولم ينتن.

صفحة رقم 248
تأويلات أهل السنة
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي
تحقيق
مجدي محمد باسلوم
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان
سنة النشر
1426
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية